فى ذكراه.. حادث غير مجرى حياة "جوستاف فلوبير"
جوستاف فلوبير الروائي الفرنسي والمولود في مثل هذا اليوم من العام 1880، الذي يعد واحدًا من رواد المذهب الواقعي في الأدب الفرنسي.
وتعد روايته "مدام بوفاري"، المنشورة لأول مرة في العام 1857، من أشهر إنتاجاته الأدبية.
وقد نشأ "فلوبير" غريب الأطوار، يهتم دائما بالجانب السلبي من الحياة، فقد كان الموت أول ما تفتحت عيناه عليه في الحياة، بين جدران مستشفي أبيه. وفي هذا الصدد يقول فلوبير في مذكراته: "كان مدرج المستشفي يشرف علي حديقتنا، وكم من مرة تسلقنا أنا وإخوتي تكعيبة الكروم، كي نتأمل الجثث الممددة تحتنا، والشمس تحرقها بنارها، والذباب ينهشها في غير رحمة، الذباب عينه الذي يحوم حولنا نحن ويطن فوق هامات الأزهار".
ويكبر جوستاف فلوبير وتظل هذه المشاهد وبما تحويه من موت وجثث في عقله الباطن طوال حياته، ففي رسالة كتبها إلي عشيقته "لويز كوليه" يقول: "أن منظر المرأة العارية يجعلني أتخيل هيكلها العظمي".
استوحي "جوستاف فلوبير" أحداث روايته مدام بوفاري- روايته الأشهر علي الإطلاق- من وقائع وشخصيات حقيقية. وصفه مواطنه الفرنسي مارسيل بروست بأن جوستاف فلوبير بروايته "مدام بوفاري" يعد أبو الرواية الحديثة. كما وصفها "لامارتين" بأنها أروع رواية قرأها خلال حياته.
- ما الحادث الذي غير مجري حياة جوستاف فلوبير؟
في العام 1844 تعرض جوستاف فلوبير لحادث غير مجري حياته تمام، ويؤثر في إنتاجه الأدبي. فذات ليلة مشئومة كان عائدا بسيارته من روان بصحبة شقيقه، والذي يكبره بتسعة أعوام، وقد كان عائدين من المزرعة التي تمتلكها والدتهما.
وفجأة وبدون سابق إنذار وقع فلوبير في أرضية السيارة فاقدا لوعيه، وعندما أفاق من هذه الإغماءة، كان غارقا في دمائه فحمله شقيقه إلي بيته وفصد دمه، وفيما بعد نقله إلي المستشفي حيث أعاد والده فصد دمه مرة أخري ومنعه من شرب الكحول وتناول اللحوم.
ظلت تلك النوبات تعاود "فلوبير" بعنف لفترة طويلة من الزمن، وفي كل مرة تداهمه هذه النوبات كان يصاب بنوبات من التوتر والقلق تكاد تصيبه بالجنون.
وقد أحاط هذا المرض الذي ألم بـ"فلوبير" الغموض وحير الأطباء، فقال بعضهم أنه الصرع، وأيد أصدقاء فلوبير هذا التشخيص، ورجح البعض الآخر هذا المرض بأنه الـ"صرع هيستيري".
وأيا كان التشخيص فقد كان الدواء الذي يتناوله لا يتغير، وعاش فلوبير طوال حياته يتناول جرعات كبيرة من "سلفات الكينين"، كما ظل فيما بعد مثابرا علي تناول "بروميد البوتاسيوم".
وقد فسر صديق أسرته "جي دي موباسان" الروائي الذي تتلمذ عليه جوستاف فلوبير هذا المرض الذي أصاب تلميذه بأنه أصيب بأول نوبة من التهوس عندما كان في الثانية عشرة من عمره.
كما قال بعض مؤرخي الأدب، أن هذا المرض كان السر وراء إرسال أسرة جوستاف فلوبير له إلي كورسيكا بصحبة طبيب، فكان لتغيير الجو والمناظر جزءًا من علاجه الذي وضعه له والده الطبيب، ولولا ذلك لما تحملت الأسرة تكاليف هذه الرحلة الباهظة.
فرغم ثراء أسرة فلوبير إلا أنها كانت من الأسر ذات العقلية الريفية البليدة التي تميل إلى الاقتصاد والادخار الذي يشبه التقتير والبخل الشديد.