إيمان خطاب تكتب: العيد في عيون الفن التشكيلي المصري (1 _2)
الفن هو مراَة النفس البشرية وهو مراَة المجتمع أيضاً، ثقافته وتراثه..مخاوفه وطموحاته . يقول سيدنى فنكلشنين فى فلسفة الفن "ليس الفن الواقعى هو الفن الذى يقتصر على رسم الشخصيات المعروفة والموضوعات المستمدة من الطبيعة، بل الفن الواقعى هو الذى يكشف فى الوقت نفسه عن كل من فردية البشر وتشابههم مع جماهير البشر الأخرى.
فرغم المظهر والخلفية التاريخية الماضية المختلفة أختلافا كبيراٌ ،فإنهم يعيشون حيوات متماثلة ويواجهون المشكلات عينها ، والفن الواقعى ينبه الناس إلى جمال الطبيعة ، كما ينبههم إلى جمال البشر . فهو يصور العلاقات الاجتماعية التى ينشغل بها الناس، ويصور القوى التى تسبب لهم الضرر، ويصور الروابط التى تؤلف بينهم " ولذلك فإن الفنان، يعد هو المحرك والمتلقى الأول للمشاعر و الرؤى، سواء كانت سلبية او إيجابية، وإنى أتصور أن الفنان التشكيلى يمتلك قرون أستشعار تكمن فى روحه وتطل من عينيه، تمكنه من استشعار ما يجول فى نفوس البشر وما يجول بخواطرهم بل واستشراف ما سوف يحدث فى المستقبل أيضا.
وإذا كانت المناسبات الاجتماعية والأعياد الدينية والوطنية هي المناسبات التى يتوحد فيها الفرد مع الجماعة، والفنان مع المتلقى فى شعور واحد و رؤية شبه واحدة، فإن فرحة العيد واحتفالاته ومظاهره سواء فى الريف أو الحضر، وسواء فى داخل البيوت أوخارجها، فإن كل فنان يمتلك رؤية ذاتية من منطلق جماعى تصور بشكل مختلف مظاهر العيد الواقعية ، كما يراها ويشعر بتأثيرها على بيئته ومحيطه الاجتماعى.
ومابين(هلت ليال حلوة وهنية) لبيرم التونسي إلى (عيد بأى حالِ عُدت يا عيدُ) للمتنبى، تنوع الانتاج الفنى على مر الأعوام والمناسبات.
ولقد اخترت ان أعرض بعض أعمال لفنانين يتميزون بالتفرد فى الأسلوب و التعبير عن واقع وتراث مصرى وانسانى بشكل صادق و مبهج. ولقد حاولت أن تضم هذه الباقة الفنية الرائعة الرواد و جيل الأساتذة وجيل الوسط والشباب.
بهجوري وإيقاعات شعبية
يعد جورج البهجورى فنان الكاريكاتير المشاكس الذى خاض غمار الفن التشكيلي فتربع على العرش !تتميز خطوطه بالحركة و الديناميكية المتداخلة للشخصيات الحميمية فى المناطق الشعبية بالقاهرة وتترجمها الألوان الصريحة الواضحة.
فى الموالد والحوارى والمقاهى الشعبية، تحت مظله صوت أم كلثوم الصداح تتمايل معه القلوب باعتبارها (الست) ست الكل. وعبر مسيرة ممتدة من ستينيات القرن العشرين حتى يومنا هذا ،لم يتوقف فيض ابداع الفنان المتمرد جورج البهجوري.
جاذبية سري.. رائدة السرد الشعبي التشكيلي
بدأت جاذبية سرى فى خمسينيات القرن العشرين بالتعبيرية الرمزية حتى وصلت الى التجريدية ولكن على مدار مسيرتها الفنية التى أنتهت برحيلها، لم تتخل عن تصوير الواقع المصرى بكل قيمه و تراثه وإرثه وعاداته.
فصورت لهو الأطفال فى العيد (المراجيح) و(الطيارة الورق) كما صورت المرأة الريفية و الشعبية فى حياتها اليومية، وكانت حريصة على إظهارها كربة الأسرة وعمادها. وهى تتخذ من ألوان البيئة الشعبية مثال لها مع تكوينات مدروسة وبسيطة وكأنها تلهو بدورها مع شخوصها التى تبدو أنها واقعية ولكنهم طائرون فى فضاء لوحاتها التعبيرية و السيريالية أحيانا.
سمير فؤاد.. فكر الفن وفن الفكر
يعد الفنان سمير فؤاد من كبار الفنانين المعاصرين الذين لهم بصمة واسلوب فلسفى خاص . فغالبا ما تراءى للفنان فكرة محددة تتعلق فى معظم الاحوال بالواقع الأجتماعى والسياسي من خلال ما يجول فى عقول الناس من حوله ومن خلال قناعاته هو شخصيا.
فيلجأ الى تصويرها على سطح اللوحة بعد محاورات ومشاورات تتم بين عقله وعينيه ويديه مع أدواته !أما أسلوبه فهو لا ينتمي إلى مدرسة معينة ولكنه يقع ما بين الواقعية والتأثيرية والتعبيرية مع الاختصار في الألوان والميل إلى الرماديات مع التطعيم بلون دافىء واحد غالبا حتى يتحقق التوازن ويؤكد الصراع في اللوحة تتميز تكويناته بالوضوح وتبدو عليها الدراسة المتأنية والتفكير العميق والتجريب المتواصل، وهدفه دائما هو إحداث الصدمة أو الدهشة للجمهور وحثه على التفكير والتحليل والاستمتاع فى نفس الوقت، وهنا تكمن نقاط تميزه.
مصطفى رحمه وتجليات الزمن الجميل
تتشكل أعمال الفنان الكبير مصطفى رحمه التشكيلية من رحم فنون الصحافة و الكارتون ومجلات الأطفال.. لذا فإن لوحاته مزيج من التكوينات المحددة بخطوط واضحة.. بسيطة وخفيفة و مجردة بشكل محبب أقرب إلى فن الكاريكاتير والكرتون ...ولكن رغم بساطتها فهى تجذب العين فى الحال.. ويرجع ذلك الى ذكاء الفنان فى اختيار الالوان بدقة و فى توزيع المساحات و الادوار فى الكادر لشخوصه التى تحمل ملامح و ازياءوممارسات ناس زمان.
لتطل علينا لوحاته ، فى حالة بهجة و (روقان )وتجلى وتثير فى النفس الأبتسامة المغلفة بالحنين إلى الماضى السعيد!
والذى يميز أعماله أيضا ويجعلها من أكثر الأعمال الفنية رواجاً ، هى هذة الروح البسيطة القريبة من المتلقى و هذة البراعة فى التكوينات ،المتعددة رغم ثبات الموضوع والأسلوب أيضا .
ربما يرجع هذا الأسلوب التبسيطى والتجريد فى التشكيل والتشريح بشكل خاص ، الى الفن الفرعونى الجدارى والصحافة معا لذلك فهو ليس بغريب على المتذوق المصرى ،بل هو الأقرب إلى عينه و وروحه الفكاهية وذائقته الشعبية .
وجيه يسى صوفية الفن ..وتمرد الفنان .
تختلط الرؤى والأساليب فى لوحات الفنان وجيه يسى كما تختلط الألوان وتتداخل المشاعر ..تتناقض وتتنافر وتتاَلف وتتحد فى اَن واحد !يعتمد الفنان على أسلوب التداعى الحر فهو يبدأ بفكرة بسيطة ولا يدرى كيف وإلى إين ستأخذه اللوحة معها،كمن يلقى بنفسه فى بحر هائج وهو يحاول أن يصل إلى الشاطىء الآخر ليستكشف ماهيته حيث تقوده روح متمردة عصية على التقولب أو السكون و نفس تتوق إلى التجريب وأكتشاف المجهول .
فلوحاته تفيض بمشاعر و ومضات روحانية شفافة وكأنه ينتزعها من روحه مباشرة دون المرور على عقله! وذلك من فرط طزاجة لمسات الفرشاة وحيويتها ..وعلى الرغم من أن موضوعاته واقعية سواء فى فن البورترية المميز به او المناظر الطبيعية ..فأننا حين نشاهد أعماله نشعر وكأن هذة المشاهد جزء من حلم ما فشخوصه وموضوعاته تبدو هائمة ، مرتفعة عن سطح الأرض والواقع ..ولذلك فهو لا يصور اللون كما هو فى الواقع و لا الشكل ولا يوجد خطوط واضحة او تكوينات محددة ، بل أن اللوحة تموج بالتداخلات اللونية و التكوينات المتفاعلة فى بناء تشكيلى و درامى خاص ، تؤكدها براعته فى أستخدام الأضاءة و اللعب بالظلال و السطوع اللونى البراق .
يعشق الفنان وجيه اللون بكل تجلياته كما يستخدم المساحات اللونية فى التعبير عن عناصر اللوحة دون اللجوء الى التفاصيل ، فهو لا يعنيه ما توضحة اللوحة بل ما توحى به من فيض المشاعر التى يسكبها الفنان بمزيج من التلقائية الطازجة والخبرة المحنكة فى أعماله