الحالة الاشتراكية الأوروبية
الاشتراكيون الأوروبيون استغلوا احتفالية اليوبيل الذهبى لـ«الحزب الاشتراكى البرتغالى»، أو ذكرى تأسيسه الخمسين، التى أُقيمت الأحد الماضى، للتباهى بـ«شَعر» أخيهم، أو ابن عمهم، لا لتقييم أداء أحزابهم، التى تلقت هزائم انتخابية متتالية، ومتعددة، وفقدت الكثير من شعبيتها، على امتداد دول القارة، مقابل صعود الأحزاب اليمينية القومية، التى كانت ممنوعة من المشاركة فى العمل السياسى حتى سنوات قليلة مضت.
الحزب البرتغالى الحاكم، والمستمر فى الحكم منذ حوالى سبع سنوات، صار وجهة، وواجهة، استثنائية للاشتراكيين فى أوروبا، بعد فوزه الساحق فى الانتخابات العامة، التى جرت فى بداية السنة الماضية، مخالفًا كل التوقعات، ومانحًا بارقة أمل للأحزاب الاشتراكية، التى لم تعد تنفرد بالحكم، الآن، إلا فى البرتغال ومالطا، بينما تشارك ضمن تحالفات فى حكومات ٥ دول أخرى هى إسبانيا والدنمارك وألمانيا وسلوفينيا ورومانيا.
لـ«تحالف الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية»، أيضًا، ١٤٥ مقعدًا فى البرلمان الأوروبى، من أصل ٧٠٥، جعلته ثانى أكبر الكتل البرلمانية. وكان مؤسفًا، أن تنتمى إليه إيفا كايلى، نائبة رئيس ذلك البرلمان، التى ألقت السلطات البلجيكية القبض عليها، فى ٩ ديسمبر الماضى، لاتهامها فى وقائع فساد عديدة، من بينها تلقى رشاوى من دولة قطر، وغسل أموال وتشكيل منظمة إجرامية، وتقديم مبالغ مالية كبيرة وهدايا قيّمة لمسئولين وسياسيين أوروبيين وأعضاء آخرين فى البرلمان. وما جعل الضربة أكثر قسوة، هو أن قائمة المتهمين فى هذه القضية، المعروفة باسم «قطر جيت»، ضمت فرانشيسكو جيورجى، المساعد البرلمانى الملحق بكتلة الاشتراكيين والديمقراطيين، وبيير أنتونيو بانزيرى، الذى كان نائبًا فى البرلمان الأوروبى بين ٢٠٠٤ و٢٠١٩، عن الكتلة نفسها، ويرأس حاليًا منظمة حقوقية اسمها «فايت إمبيونيتى»، أو مكافحة الإفلات من العقاب!.
المهم، هو أن «الحزب الاشتراكى البرتغالى»، الذى تأسس فى أبريل ١٩٧٣، ينتمى إلى قوى يسار الوسط الأوروبية، التى تتبنى مبادئ السوق الحرة، لكنها تشدد على أهمية إخضاع الاقتصاد لقواعد المؤسسات العامة ورقابتها، ومن بين أبرز أعضائه أنطونيو جوتيريش، الأمين العام الحالى للأمم المتحدة، وماريو سواريش، الذى تولى رئاسة الحكومة أربع مرات متتالية، وتولى «رئاسة الاشتراكية الدولية» مرات عدة.
يتزعم الحزب الآن أنطونيو كوستا، رئيس الوزراء البرتغالى، الذى أكد فى الاحتفالية أن المؤسسات الأوروبية بدأت تستخلص الدروس من الأزمات السابقة، وباتت قراراتها فى مواجهة الأزمات الاستثنائية أقرب إلى السياسات الاشتراكية، منها إلى السياسات الليبرالية، داعيًا إلى تعزيز هذا الاتجاه، وعدم تكرار أخطاء الماضى.
بصفته رئيس الاشتراكية الدولية، أشاد بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسبانى، بأداء رفاقه البرتغاليين ورآهم «الحصن المنيع لكل الاشتراكيين الأوروبيين»، بدفاعهم عن سياسات العدالة الاجتماعية والتضامن. وبالمثل، أكد ستيفان لوفين، رئيس الوزراء السويدى السابق، رئيس الحزب الاشتراكى الأوروبى الحالى، أن الحالة البرتغالية تعطى بصيص أمل للمشهد السياسى الأوروبى، الذى تحاصره وتهدده الحركات، التى وصفها بأنها رجعية ومناهضة للديمقراطية. وإجمالًا، قارن معظم زعماء الأحزاب الاشتراكية الأوروبية، فى كلماتهم، بين الطابع الليبرالى الجديد، الذى اتسمت به السياسات العامة فى مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية سنة ٢٠٠٨، والسياسات التى اتبعتها الحكومة البرتغالية، منذ وصولها للحكم، بعد معاناة نتجت عن التدابير السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى فرضها البنك المركزى الأوروبى والبنك وصندوق النقد الدوليان.
.. وتبقى الإشارة إلى أن «حركة فتح» الفلسطينية، التى انضمت إلى الاشتراكيين الأوروبيين، أواخر سبتمبر ٢٠١٢، شاركت فى احتفالية اليوبيل الذهبى للحزب الاشتراكى البرتغالى، وعلى هامشها، أجرى الوفد الفتحاوى، الذى ترأسه أحمد معروف، أمين سر الحركة بإقليم إسبانيا، عدة لقاءات مع وفود الأحزاب الأوروبية شدد خلالها على أهمية اتخاذ إجراءات حقيقية ضد الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، وتمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقه الطبيعى فى إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس، كما طالب وفد «فتح» الأوروبيين، والغرب إجمالًا، بالتخلى عن سياسة المعايير المزدوجة لما لها من أثر سلبى فى نفوس الشعوب العربية.