جد أيرلندى والآخر بريطانى!
الرئيس الأمريكى جو بايدن تحدث كثيرًا عن أصوله الأيرلندية، وعن أجداده الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة، بحثًا عن حياة أفضل. لكنه فاجأ العالم حين بدأ خطابه فى جامعة بلفاست، أمس الأول الأربعاء، بزعمه أن لوالده جذورًا بريطانية، وأن الأصل الأيرلندى يعود لوالدته. مع أن بايدن نفسه كان قد ردّ بعبارة «أنا أيرلندى»، ساخرًا من مراسل هيئة الإذاعة البريطانية، الذى طلب منه «كلمة سريعة لبى بى سى»، فى نوفمبر ٢٠٢٠، قبيل إعلان نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية!.
أيضًا، فى مارس ٢٠٢٢، وعلى هامش حفل غداء أصدقاء أيرلندا السنوى فى مبنى الكابيتول، بمناسبة العيد القومى لجمهورية أيرلندا، عيد القديس باتريك، استهل الرئيس بايدن، خطابه بقوله: «ربما أكون أيرلنديًا، لكننى لست غبيًا». فى إشارة إلى النكات السخيفة التى يطلقها البريطانيون على الأيرلنديين، لأنهم رفضوا الاندماج فى المملكة المتحدة، أو بسبب الغيرة من كونهم أقوياء وأكثر اجتماعية ويعيشون حياتهم بعفوية.
المهم، هو أن الرئيس بايدن، زار أيرلندا الشمالية، لإحياء الذكرى الخامسة والعشرين لتوقيع اتفاقية السلام، بين بريطانيا وجمهورية أيرلندا وأحزاب أيرلندا الشمالية، التى توصف بـ«اتفاقية الجمعة العظيمة»، والتى أنهت حربًا أهلية مذهبية، امتدت لأكثر من ثلاثين سنة بين الكاثوليك والبروتستانت، وكانت تهدف إلى تحقيق التعايش السلمى بين الطرفين أو الطائفتين، وبين بريطانيا وجمهورية أيرلندا، غير أنها، كما قال الواقع ومعظم العقلاء، جعلت أيرلندا الشمالية ثنائية القومية، وعززت العناصر الخيالية للسيادة المشتركة.
خلال زيارته القصيرة جدًا للمقاطعة البريطانية، أو التى لا تزال بريطانية، عقد الرئيس الأمريكى لقاءً سريعًا مع ريشى سوناك، رئيس الوزراء البريطانى، وصفته وسائل إعلام أمريكية بأنه «قهوة عمل». كما التقى قادة الأحزاب الخمسة الرئيسية فى المقاطعة، بما فيها «الحزب الوحدوى الديمقراطى»، الذى يرفض منذ أكثر من سنة، المشاركة فى المؤسسات المشتركة، التى تعد من مكتسبات «اتفاقية الجمعة العظيمة»، اعتراضًا على وضع الحدود البرية الحساس جدًا مع جمهورية أيرلندا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
تأسست الدولة الأيرلندية الحرة، سنة ١٩٢٢ عقب المعاهدة الإنجليزية الأيرلندية. وسنة ١٩٣٧، صار لها دستور ينص على أنها جمهورية لها رئيس منتخب غير تنفيذى. غير أن تلك الجمهورية لم يتم إعلانها رسميًا إلا سنة ١٩٤٩، بالتزامن مع خروجها من اتحاد الكومنولث، وانضمامها إلى «مجلس أوروبا». وفى ١٩٥٥ انضمت إلى الأمم المتحدة، ثم إلى المجموعة الأوروبية، سنة ١٩٧٣، التى صارت الاتحاد الأوروبى. ولم تربطها علاقات رسمية بأيرلندا الشمالية، إلا فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، حين عملت مع أحزابها والحكومة البريطانية على حل بعض المشاكل. وبموجب «اتفاقية الجمعة العظيمة» التى تم توقيعها فى ١٠ أبريل ١٩٩٨، تعاونت مع السلطة التنفيذية لأيرلندا الشمالية، فى إطار المجلس الوزارى الشمالى الجنوبى.
هذا المجلس الوزارى، هو أبرز المؤسسات المحلية، التى نشأت بموجب الاتفاقية، لتجمع الوحدويين الموالين للمملكة المتحدة، وأغلبيتهم من البروتستانت، والجمهوريين الداعين للانفصال عن المملكة والانضمام إلى جمهورية أيرلندا، وأغلبيتهم من الكاثوليك. وهى المؤسسات التى أصابها الشلل، كما أشرنا، منذ أكثر من سنة. وعليه، دعا الرئيس الأمريكى، فى خطاب الأربعاء، القوى السياسية الأيرلندية الشمالية إلى تجاوز انقساماتها، وإنهاء هذا الشلل المؤسساتى، متعهدًا بضخ استثمارات فى تلك المقاطعة، التى تعانى صعوبات مالية، ومشددًا فى الوقت نفسه على أن القرار النهائى، بهذا الشأن، يعود للقادة السياسيين المحليين!.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكى قضى نصف يوم فقط فى المقاطعة البريطانية، أو التى لا تزال بريطانية، ثم توجّه إلى جمهورية أيرلندا، التى من المقرر أن يغادرها اليوم، الجمعة، بعد أن يزور بلدتى «لوث» و«مايو»، اللتين نسب البيت الأبيض لـ«خبراء فى علم الأنساب» أن أجداده ينتمون إليهما، ما يعنى، ضمنيًا، أنه لم يكن يقول الحقيقة، أو أراد أن يجامل الوحدويين البروتستانت، الذين اتهموه بأنه «معادٍ لبريطانيا»، ولم يخفوا حذرهم من كونه كاثوليكيًا، حين زعم، للمرة الأولى، أن لوالده جذورًا بريطانية!.