عصام الزهيرى: ذاكرتى عن رمضان ترتبط بندائى على أخى المجند بحرب أكتوبر
حول ذكرياته الرمضاية، قال الكاتب عصام الزهيري: شأن كل مصري تقريبًا يمثل شهر رمضان بالنسبة لي فردوسًا مضيئًا في ذاكرتي الطفلية، فرمضان هو الشهر الذي كنا ننافس فيه الكبار وينافسنا فيه الكبار في مشاهدة وحل الفوازير التلفزيونية، نيللي وفؤاد المهندس وشيريهان وسمير غانم.
وتابع "الزهيري" في تصريحات خاصة لـ "الدستور": هو الشهر الذي كنا نتزود فيه بالفوانيس التي نفقدها خلال شهور العام الأخرى، تقريبًا كنت واحد من الجيل أو الأجيال الأخيرة في ريف الفيوم التي كانت لفوانيس رمضان عندها وظيفة الإضاءة قبل انتشار الكهرباء في الشوارع، بالإضافة إلى الزينة.
وقد تحول رمضان بفضل الكرم المصري من شهر الجوع والعطش والتقشف إلى شهر الخير واليمن والبركات، كنا نحمل الفوانيس جماعات وأفراد ونسير في شوارع القرية المظلمة ونحن في أمان حتى من الظلام؛ لأننا كنا نعلم أن الشياطين والجان والعفاريت تقيد في هذا الشهر وتصبح عاجزة عن الحركة وعن إرعاب الأطفال وتخويفهم.
وكانت مساحات الألوان على زجاج الفانوس المطلي والمصنوع يدويًا باهتزازها مع ضوء الفانوس على الأرض والجدران، مع اهتزاز الفانوس في أيدينا وبسبب ارتعاش ضوء الشمعة على الأرض والجدران، تشعرنا بالأنس التام في عتمة الليل خلال شهر رمضان، كان كلا منا يسير بداخل حديقة ملونة ومبرقشة ومظللة، لكن نفس اللوحة كانت تسبب لنا الخوف أحيانًا في ليالي الشهور الأخرى غير المؤنسة.
ويضيف "الزهيري": قبل آذان المغرب ربما بساعة كاملة كنا نجتمع حول مساجد البلدة وكل طفل منا يحمل لعبته في يده، وكانت ألعابنا في هذا الزمن بدائية، لا تخرج عن "طوق" وهو الإطار الخارجي الصغير لعجلة دراجة بخارية كاوتش يدحرجه الطفل أمامه باستخدام عصا يضربه بها، بعض الأسر لم تكن تتسامح مع أولادها في استخدام هذه اللعبة الخطيرة بعض الشيء إلا في رمضان.
وربما تكون اللعبة جهازًا بدائيًا من خشبتين مربوط في أسفلها أعداد كبيرة من عجل صغير كان الأطفال يصنعونه بمعالجة أغطية زجاجات الكازوزة وضمها إلى بعضها.
عند انطلاق آذان المغرب - ولم تكن مكبرات الصوت قد شاعت في استخدام المساجد آنئذ- يبدأ الزحف الكبير، مئات من الأطفال تدفع الأطواق وعجل أغطية الكازوزة وتطير في كل الاتجاهات بصياح مهلل وضجة طفلية شاملة تذيع بها نبأ موعد الإفطار، ليندس كل جزء من أجزاء تلك البهجة السحرية الشاملة سريعًا على طبلية الإفطار إلى جانب أسرته التي تنتظر مع الباقين نبأ انطلاق الآذان.
ولفت "الزهيري" إلى أنه: لعل رمضان يحمل لي بشكل خاص مع قلة من الأطفال الآخرين حنينًا وعلامة خاصة في الذاكرة، فقد كانت تسلية والدي خلال شهر رمضان هي إجلاسي في شباك بيتنا العريض لنطل على الأفق الذي يهل منه القادمون بامتداد الطريق الموازي للبحر (ترعة بحر عروس)، ولينادي أبي بعد أن يطلب مني أن أكرر النداء من خلفه: حمادة.. حمادة، وهو أخي الأكبر الذي كان يحارب في ذلك الرمضان الذهبي في تاريخ مصر، رمضان أكتوبر 1973.