وجهة الرئيس القبرصى الأولى
مدعومًا من أحزاب الوسط، تصدّر نيكوس خريستودوليدس نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية القبرصية، التى جرت فى ٥ فبراير الماضى. وبعد أسبوع، تغلّب فى الجولة الثانية على منافسه القوى أندرياس مافرويانيس، الذى خاض الانتخابات مستقلًا، برغم تلقيه دعمًا من حزب «أكيل» الشيوعى. وهكذا، أدى «خريستودوليدس» اليمين الدستورية، فى ٢٨ فبراير الماضى، رئيسًا لجمهورية قبرص الصديقة.
سيرًا على نهج الرئيس السابق، الذى كان متحدثًا باسم حكومته ورئاسته ووزيرًا لخارجيته، وتأكيدًا لحرصه على استمرار الطابع الاستراتيجى للعلاقات بين البلدين الصديقين، اختار «خريستودوليدس» القاهرة، لتكون وجهته الخارجية الإقليمية الأولى، الثانية بعد اليونان، واستبق الزيارة بتأكيده أننا «أكثر بكثير من مجرد جيران»، واصفًا مصر بأنها «دولة محورية وعامل أساسى فى تطورات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وركيزة لا غنى عنها للاستقرار، ودرع ضرورية للغاية فى مواجهة الإرهاب»، مشددًا على أن إحدى أولوياته الرئيسية تتمثل فى تعميق العلاقات بين البلدين ودعمها وتوسيعها، حيثما وأينما أمكن.
خلال سنوات حكمه العشر، التى بدأت قبل أربعة أشهر من قيام ثورة ٣٠ يونيو، لعب الرئيس القبرصى السابق، السابع بعد الاستقلال، نيكوس أناستاسياديس، دورًا محوريًا فى تعزيز العلاقات المصرية القبرصية وتوطيد أواصر الصداقة بين البلدين، اللذين جمعهما، مع اليونان، آلية للتعاون الثلاثى، استضافت القاهرة قمتها الأولى، فى أغسطس ٢٠١٤، وانتهت بإصدار «إعلان القاهرة»، الذى أعربت فيه الدول الثلاث عن اعتزامها توثيق التعاون بينها فى كل المجالات، وتبادل الرؤى بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
هذه الآلية الثلاثية صارت نموذجًا يحتذى به للتنسيق والتشاور بين الدول، وخلال قممها التسع، التى استضافتها عواصم الدول الثلاث، بالتبادل، تحققت نتائج ملموسة للتعاون فى مجالات الدفاع، الأمن، مكافحة الإرهاب، التجارة، البيئة، السياحة، حماية التراث الثقافى، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، و... و... والطاقة، طبعًا، إذ جمع بين الدول الثلاث، أيضًا، «منتدى غاز شرق المتوسط»، الذى تم تأسيسه بمبادرة أطلقتها مصر، فى أكتوبر ٢٠١٨، وتحول خلال أقل من عشرين شهرًا إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة.
الرئيس القبرصى الثامن أشار إلى أنه يعرف الرئيس السيسى جيدًا، والتقى به عدة مرات، حين كان متحدثًا باسم الرئاسة القبرصية ووزيرًا للخارجية، وقال إنه «لا يخفى على أحد الجهود المضنية والمستمرة التى يقوم بها، سواء داخل مصر أو خارجها»، وأشاد بـ«الإصلاحات غير المسبوقة التى ينفذها على أرض الواقع»، وبـ«استعادته دور مصر الريادى والمحورى»، لافتًا إلى أنه «يُحسب له دوره البارز فى حل خلافات دول المنطقة، وسعيه لاستقرار ورفاهية وأمن الشعب المصرى والشعوب المجاورة». والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن الرئيس السيسى قام، فور إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية القبرصية، بتهنئة الرئيس «خريستودوليدس»، وتمنى له التوفيق فى قيادة الدولة الصديقة إلى مزيد من التقدم والازدهار.
فى هذا السياق، استقبل الرئيس السيسى، الأربعاء الماضى، الرئيس القبرصى الثامن، بقصر الاتحادية. وخلال جلستى المباحثات، المنفردة ثم الموسعة، ناقش الرئيسان القضايا الدولية والإقليمية محل الاهتمام المشترك، وتناولا مختلف مسارات أوجه التعاون الثنائى، واتفقا على استمرار العلاقات العسكرية المتميزة، وتوافقا على أهمية الإعداد الجيد للجولة الثانية من اللجنة العليا المشتركة، بهدف تحقيق نقلة نوعية فى مشروع الربط الكهربائى ونقل الغاز القبرصى لمحطتى الإسالة فى مصر، أو التعاون فى أطر جديدة مثل مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة، وكذا العمل على زيادة معدلات التبادل التجارى و... و... وتعزيز آلية التعاون الثلاثى، مع اليونان، والتى تم الاتفاق على عقد قمتها المقبلة، العاشرة، فى القاهرة، خلال العام الجارى.
.. أخيرًا، وكما كانت «دولة ٢٣ يوليو»، من أوائل الدول التى اعترفت بجمهورية قبرص، فور استقلالها عن الاحتلال البريطانى، طالبت دولة ٣٠ يونيو، بلسان رئيسها، فى سياقات ومناسبات مختلفة، بضرورة إيجاد حل شامل وعادل للقضية القبرصية، يعيد توحيد شطرى الجزيرة، بعد تحرير شطرها الشمالى المحتل، ليس فقط بسبب روابط الصداقة القوية، والعلاقات التاريخية الوثيقة، التى تجمع بين البلدين، ولكن، أيضًا، احترامًا لمبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.