تبرعوا للأمم المتحدة!
القصة، باختصار، هى أن ناقلة نفط عملاقة، ومتهالكة، ترسو فى البحر الأحمر قبالة شواطئ اليمن، ومعرضة للانهيار أو الانفجار فى أى لحظة إذا لم يبدأ «العالم» بالتحرك للعمل على تفادى هذه الكارثة. وعليه، تطالبك الأمم المتحدة، فى إعلان مموَّل على شبكات التواصل الاجتماعى، بالتبرع لشراء ناقلة نفط بديلة، لافتة إلى أن تبرعك سيوجِّه رسالة قوية للحكومات والشركات الخاصة، للمساهمة فى إنقاذ الموقف قبل فوات الأوان!
جرى تقدير الميزانية الأولية لكل مراحل هذه العملية بحوالى ١٤٤ مليون دولار، لكن سرعان ما ارتفع المبلغ، «مع ارتفاع تكاليف ناقلات النفط العملاقة وجراء عوامل أخرى»، لتصل ميزانية مرحلة الطوارئ الحالية، التى هى المرحلة الأولى، إلى ١٢٩ مليون دولار، نجحت الأمم المتحدة فى جمع ٩٥ مليون دولار منها، ما يعنى وجود فجوة قدرها ٣٤ مليون دولار. وبغض النظر عن أن هذه الفجوة يمكن سدّها بواحد على ألف من قيمة الدعم، الذى قدمته الولايات المتحدة، وحدها، لأوكرانيا، منذ فبراير ٢٠٢٢، فإن المشكلة يمكن حلها، عمليًا، لو تم بيع النفط الذى تحمله الناقلة، أو حتى إهداؤه إلى أى دولة تابعة أو حليفة!
الناقلة المتهالكة، اسمها «صافر»، ودخلت الخدمة سنة ١٩٧٦، وترسو الآن على بعد ٤.٨ ميل بحرى قبالة ساحل محافظة الحديدة اليمنية، الذى يسيطر عليه الحوثيون، وتحمل حوالى مليون برميل من النفط الخام الخفيف، وتم تعليق عمليات التفريغ والصيانة على متنها، منذ مارس ٢٠١٥. ونتيجة لذلك، تدهورت أنظمة سلامتها وتهالكت بنيتها، وأوائل ديسمبر ٢٠١٩ زعمت قناة «الجزيرة» أن النفط بدأ يتسرب منها، ثم أظهرت صور الأقمار الصناعية وأكد الواقع وقتها، وإلى الآن، أن ذلك ليس صحيحًا، وأن تلك القناة تكذب كعادتها.
لاحقًا، قيل إن المياه دخلت إلى غرفة محرك الناقلة، وقالت الأمم المتحدة إن الأمر كان من الممكن أن ينتهى بكارثة، وفى يوليو ٢٠٢٠، عقد مجلس الأمن اجتماعًا خاصًا بهذا الشأن، أعربت فيه الدول الأعضاء عن قلقها الشديد إزاء ما قالت إنه «خطر متنام من حدوث خرق فى جسم الناقلة أو انفجارها محدثةً كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لليمن وجاراتها». ووقتها، جرى تقدير قيمة النفط، الذى تحمله الناقلة، بـ٤٠ مليون دولار، وظهرت مقترحات ببيعه، لكن حدث خلاف حول كيفية تقسيم هذا المبلغ بين الحوثيين والحكومة اليمنية!
المهم، أن «برنامج الأمم المتحدة الإنمائى» أعلن فى ٩ مارس الماضى، عن توقيعه اتفاقية لشراء ناقلة النفط البديلة، التى أوضح، فى بيان، أنها قيد الصيانة، حاليًا، ومن المقرر أن تصل إلى موقع الناقلة المتهالكة فى مايو المقبل، وأن المرحلة العملية فى خطة تفريغ النفط قد تبدأ خلال النصف الأول من العام الجارى، لو تم سد الفجوة المالية الحالية، أى لو تمكّن من جمع الـ٣٤ مليون دولار المتبقية، مشيرًا إلى أن جمع التبرعات سيستمر لمواجهة أى فجوة فى ميزانية مرحلة الطوارئ الحالية، ثم لتنفيذ المراحل التالية!
إذا لم نتحرك الآن، يضيف بيان «برنامج الأمم المتحدة الإنمائى»، ستكون النتائج كارثية على الموارد البيئية والإنسانية والاقتصادية فى سواحل بلد دمرته الحرب لأكثر من سبع سنوات. ثم أوضح البيان أن تسرب النفط سيؤدى إلى تدمير الشعب المرجانية وأشجار المنجروف الساحلية وغيرها من الحياة البحرية فى البحر الأحمر، وسيجعل ملايين البشر عرضةً للتلوث المائى والهوائى. كما ستنعدم سبل نقل الغذاء والوقود والإمدادات الحيوية لليمن، وسيكون الأثر على المجتمعات الساحلية بالغ القسوة، لأن مئات الآلاف من العاملين فى مجال الصيد سيفقدون مصادر رزقهم. و... و... وسيستغرق الأمر أكثر من ٢٥ سنة لاسترداد مخزون الأسماك.
.. وتبقى الإشارة إلى أنك لو استجبت لمناشدة الأمم المتحدة، ستجد فئات التبرع الخاصة بالمصريين تبدأ بـ٧٧٥ جنيهًا وتنتهى بـ١٥.٥ ألف جنيه، وإذا قررت مغادرة الصفحة، دون أن تدفع، ستظهر لك رسالة تذكّرك بأن تبرعك سيساعد فى إحداث التغيير، وبث الأمل فى جميع أنحاء العالم!