دمشق القاهرة.. القاهرة دمشق
فى العاشر من رمضان ١٣٩٣، خاضت مصر وسوريا، معًا، حرب تحرير سيناء وهضبة الجولان. وأمس الأول السبت، العاشر من رمضان ١٤٤٤، حلّ فيصل المقداد، وزير الخارجية السورى، ضيفًا على القاهرة، فى زيارة هى الأولى من نوعها، منذ اثنى عشر عامًا تقريبًا، أو منذ ما يوصف بالربيع العربى. واستقبله وزير خارجيتنا، سامح شكرى، وعقد معه لقاءً ثنائيًا مغلقًا، أعقبته جلسة محادثات موسعة شملت وفدى البلدين، وتناولت عددًا من الملفات الإقليمية والدولية، ومختلف جوانب العلاقات الثنائية وسبل دفعها وتعزيزها.
جاء المقداد إلى القاهرة ناقلًا تقدير بلاده لموقف مصر الداعم والمساند لسوريا وشعبها طوال سنوات الأزمة، ومقدمًا الشكر على المساعدات الإغاثية والإنسانية، التى قدمتها مصر فى أعقاب زلزال فبراير الماضى، ومعربًا عن تطلعه إلى أن تشهد المرحلة المقبلة مزيدًا من التضامن العربى مع سوريا كى تتمكن من تجاوز أزمتها. وفى هذا الإطار، استعرض خلال اجتماعه مع وزير خارجيتنا، مختلف جوانب الأزمة السورية، والتحديات الاقتصادية والإنسانية والأمنية التى واجهها وما زال يعانى منها الشعب السورى.
لعلك تتذكر أن وزير خارجيتنا زار دمشق، فى فبراير الماضى، بالتزامن مع حلول الذكرى الخامسة والستين لتوقيع ميثاق وحدة مصر وسوريا. ومن هناك، من العاصمة السورية، شدّد على أن مصر ستكون دائمًا مع كلّ ما يمكن أن يساعد سوريا وما من شأنه خدمة مصالح شعبها الشقيق. وبغض النظر عن الأسباب المعلنة لتلك الزيارة، التى كانت الأولى من نوعها، أيضًا، منذ بداية الأزمة السورية. ووقتها، قلنا إن اختيار التوقيت يشير بوضوح إلى أن جمهوريتنا الجديدة، أو دولة ٣٠ يونيو، التى تضع تماسك الكيان العربى نصب أعينها، أرادت أن تستعيد محطة مضيئة فى تاريخنا، تجسدت فيها أسمى معانى العروبة والتكاتف والإخاء.
موقف مصر، الآن، من الأزمة السورية، هو ذاته الذى أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى سبتمبر ٢٠١٤، أى بعد ثلاثة أشهر من توليه الحكم، وخلال مشاركته للمرة الأولى فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ قال وقتها للوفد الإعلامى المرافق له، بمنتهى الوضوح، إن سوريا تمثّل عمقًا استراتيجيًا لمصر، ودعا إلى احترام وحدة أراضيها، وعدم تقسيمها أو تفتيتها، وأكد ارتباط الأمن القومى المصرى بوحدة الدولة السورية.
استكمالًا لهذ النهج، ومن واقع إيمانها بأن العرب جميعًا أعضاءً لجسد واحد، قامت مصر، فور وقوع زلزال ٦ فبراير، بإرسال فرق للإغاثة ومساعدات إنسانية. وأجرى الرئيس السيسى اتصالًا تليفونيًا مع الرئيس الأسد، فى اليوم التالى مباشرة لوقوع الزلزال، أى قبل عشرين يومًا من ذهاب وزير خارجيتنا، إلى دمشق. كما كان الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، واحدًا من رؤساء البرلمانات العربية الذين زاروا دمشق، وأكد، من مطار دمشق الدولى، قبل لقائه الرئيس السورى، دعم البرلمان المصرى وكل البرلمانات العربية للدولة السورية ووقوفها إلى جانب شعبها الشقيق.
فى هذا السياق، توافقت مصر وسوريا، مجددًا، أمس الأول السبت، على «تكثيف قنوات التواصل بين البلدين على مختلف الأصعدة خلال المرحلة المقبلة»، وجدّد وزير خارجيتنا تأكيده على دعم مصر الكامل «لجهود التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية، فى أقرب وقت، بموجب قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ تحت رعاية الأمم المتحدة»، موضحًا أن «التسوية السياسة الشاملة» من شأنها أن تضع حدًا للتدخلات الخارجية، وتضمن استعادة الدولة الشقيقة لأمنها واستقرارها، وتحفظ وحدة أراضيها وسيادتها، وتصون مقدرات شعبها، وتقضى على جميع صور الإرهاب، وكل التنظيمات الإرهابية دون استثناء، وتتيح العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين، بما يرفع المعاناة عن الشعب السورى الشقيق وينهى أزمته الممتدة.
.. أخيرًا، وبغض النظر موعد أو مكان القمة المرتقبة، أو الوشيكة، بين الرئيسين السيسى والأسد، نتوقع أن تعود سوريا إلى جامعة الدول العربية قبل مايو المقبل، موعد القمة العربية التى تستضيفها المملكة العربية السعودية، وننتظر أن تصبح، قريبًا، عضوًا فى منتدى غاز المتوسط، وربما تنضم، أيضًا، إلى التحالف الثلاثى، الذى يجمع مصر والعراق والأردن.