أبوالحسن الندوى «1-2»
يعتبر أبوالحسن الندوى أحد أهم الأسماء فى مجال الفكر الإسلامى فى القرن العشرين، ويُعد كتابه «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» أكثر كتاباته شيوعًا. ولا نُغالى إذا قلنا إنه صدرت عشرات الطبعات من هذا الكتاب، على مستوى مصر والعالم العربى وأيضًا العالم الإسلامى. وربما لم يحظ باقى الإنتاج الفكرى للندوى، سواء باللغة الأوردية أو الإنجليزية، بمثل شهرة كتابه السابقة الإشارة إليه، لكن بدايةً مَن هو أبوالحسن الندوى؟
يمثل أبوالحسن الندوى فى حد ذاته ظاهرة جديرة بالتأمل والدراسة؛ فهو هندى المولد والجنسية، وبالطبع مسلم الديانة، لكن المثير أنه ينحدر من سلالة عربية هاجرت إلى الهند منذ وقت طويل. كما ينتمى الندوى إلى سلالة الأشراف؛ فأسرته من السادة الأشراف وينحدر نسبهم من الحسن بن علىّ بن أبى طالب. وتحافظ مثل هذه العائلات على نسبها الشريف، سواء وسط المجتمع المسلم فى الهند، أو حتى وسط تنوع وتعدد طوائف المجتمع الهندى.
ويمكن تتبع طبيعة حياة أسرة مسلمة من نسل الأشراف وسط المجتمع الهندى فى النصف الأول من القرن العشرين، من خلال سيرة أبى الحسن الندوى. ويبدأ الندوى خطواته الأولى فى التعليم من خلال حفظ القرآن، وتعلم اللغتين الأوردية، وهى اللغة الأكثر انتشارًا بين مسلمى الهند، واللغة الفارسية لغة الثقافة الإسلامية فى الوسط المسلم فى الهند. ونتيجة لأصله العربى، وانتمائه إلى النسب الشريف، يبدأ الندوى مبكرًا فى تعلم اللغة العربية، لغة القرآن، ولغة أجداده من أشراف العرب. ويتلقى الندوى مبادئ العربية على يد أحد العلماء المهاجرين من اليمن إلى الهند وهو الشيخ الخليل بن محمد. ثم يلتحق بدار العلوم وبندوة العلماء فى الهند ليستكمل دراسته فى العربية وعلوم الحديث. وهنا تجدر الإشارة إلى وجود بعض الأساتذة العرب فى ندوة العلماء، والمثير أنهم من المغرب والمشرق معًا، فنجد الشيخ تقى الدين الهلالى المراكشى من المغرب، والشيخ حسين أحمد المدنى، من الحجاز. ومن المهم فى هذا الميدان بيان التأثير العربى فى ذلك الوقت على مراكز العلم الإسلامى فى الهند؛ إذ أصدرت «ندوة العلماء» فى الهند مجلة باللغة العربية هى مجلة الضياء. كما قام أبوالحسن الندوى نفسه بتأليف عدة كتب ليتم تدريسها فى المدارس العربية فى الهند، لعل أشهرها «مختارات فى الأدب العربى».
ولم يكتف أبوالحسن الندوى بتدريس اللغة العربية وعلوم الحديث، والتأليف فيهما، وإنما سيقوم بمهمة ستلعب دورها فى التأثير على فكره، وسيظهر أثرها فى كتابه الشهير «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين»؛ إذ لن يكتفى أبوالحسن الندوى بالوعظ والإرشاد بين مسلمى الهند، وإنما سيؤسس جمعية للتبشير بالإسلام بين الهندوس، الذين يشكلون أغلبية السكان فى الهند، وستصدر هذه الجمعية عدة نشرات ورسائل بالإنجليزية فى شرح الإسلام والتبشير به فى أوساط غير المسلمين فى الهند، لا سيما الأغلبية الهندوسية.
أما عن المرجعية الدينية الفقهية لدى أبى الحسن الندوى، فقد تأثر- كما يشير هو- بالإمام أحمد بن حنبل، صاحب المذهب الحنبلى، وكذلك كتابات ابن تيمية.
على ضوء هذه الخلفية الاجتماعية والفكرية يمكننا أن نقرأ كتاب الندوى «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» وهو ما سنقوم به فى المقال القادم.