أسرار مسجد «النبي دانيال» في الإسكندرية.. ما العلاقة بمحمد علي باشا؟
تزخر مدينة الإسكندرية بالعديد من المقامات والأضرحة والمساجد التي لكل منها قصة وحكاية ترى في بعضها الغرابة وفي أخرى العظة والحكمة.
حتى الآن لم تفصح الإسكندرية بعد عن الكثير من أسرارها، وما زالت هي المدينة متعددة الثقافات، التي لن تُفاجأ بما تراه فيها، خاصة في سير الأولياء والصالحين الذين نزلوا بها وعاشوا فيها وعلموا أبنائها تعاليم الدين ونشروا منها العلم لكل بقاع الأرض.
ومن بين قصص الأضرحة والمساجد القديمة، ما زال مسجد النبي دانيال وضريحه محاط بالكثير من الأسرار، فهذا المسجد العريق بداخل أحد شوارع المدينة القديمة الشهيرة يختلف الأهالي على صاحبه، فالكثير يعرفه بأنه مسجد نبي الله دانيال، وآخرين على يقين بأنه لأحد الأئمة من أولياء الله الصالحين، وخلال السطور التالية نتعرف على قصة مسجد وضريح النبي دانيال.
قال محمد متولي مدير عام آثار الإسكندرية إن مسجد النبي دانيال ينسب لأحد العارفين بالله وهو الشهيد محمد بن دانيال الموصلي، ثم حُرف اسم المسجد إلى نبي الله دانيال، أحد أنبياء بني إسرائيل، ويقع الضريح داخل حدود المسجد بشارع النبي دانيال بمحطة الرمل، وهو مسجل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية بقرار رقم 231 لسنة 2005 وصادر له قرار بالحرم برقم 168 لسنة 2018.
تاريخ المسجد
وأضاف «متولي» لـ«الدستور» أن تاريخ إنشاء المسجد غير معروف على وجه الدقة، حيث تم بناء الجامع أكثر من مرة ويمكن تأريخه حالياً بالقرن الـ12 ه /18 م.
وذكر علي باشا مبارك أنه في عام 1822 تم تجديد وتوسعة المسجد في عهد محمد علي باشا، ثم جدد في عام 1267ه/ 1850م في عهد والي مصر سعيد باشا، وأن هذا الضريح ينسب لأحد العارفين بالله الشيخ محمد بن دانيال الموصلي أحد شيوخ المذهب الشافعي في نهاية القرن الـ8 ه/14م، لافتًا إلى أن ذكر اسم النبي دانيال هنا يرجع إلى رغبة المسلمين في إطلاق أسماء أنبياء الله على المساجد تبركا بها، مثل مسجد الخضر ومسجد سليمان.
مقابر الأسرة العلوية
ومن جانبه يقول الدكتور إسلام عاصم أستاذ مساعد التراث بالمعهد العالي للسياحة، ونقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية: كان هناك اهتمام كبير بمسجد النبي دانيال في عهد محمد علي باشا، والي مصر، وكان يوجد بالمكان سبيل لسعيد باشا، وأحاط المسجد مقابر الأسرة المالكة العلوية، التي دفن بها سعيد باشا وزوجته، وإسماعيل بن محمد علي، وعائلة طوسون باشا، مشيرًا إلى أنه عقب ثورة يوليو 1952 تم نقل تلك المقابر لمدافن الغفير بالقاهرة، وتم توسعة الشارع وتجديد المسجد.
شواهد رؤية
وأوضح «عاصم» أن المسجد الموجود الآن ليس المسجد القديم بل هو مسجد بني حديثًا على أنقاض المسجد القديم، وبالرجوع للصور القديمة نجد أن المسجد الأساسي قبته بصلية، كما رسمها الرحالة في القرن الـ19، ويوجد تحت الأرض صهاريج للمياه، وشواهد قبور والتي هي «شواهد رؤية» ليس لها علاقة بالنبي دانيال والحكيم لقمان بحسب رائيه.
وتابع أن شواهد القبور وجد حولها عظام، مما يدل على أن تلك المنطقة هي بقايا «جبانة» كانت موجودة في تلك المنطقة، والتي كانت تضم مقابر الأسرة المالكة، ومقابر أخرى للأهالي كان يتم الدفن فيها للتبرك بها، حيث ارجع البعض أنه موقع المسجد دفن به شيخًا من شيوخ الطريقة المالكية، يدعى محمد بن دانيال الموصلي، في القرن الثامن الهجري وهو سبب تسمية المسجد بهذا الاسم.
وأشار إلى أن «شواهد الرؤية» هي عبارة عن أن أحد الصالحين يرى في منامه رؤية لأحد الاولياء فينفذ مشهد الرؤية، ويطلق اسم صاحب الرؤية على مقام أو مسجد، وهذه المشاهد انتشرت في العصر الفاطمي، وهو ما تم بإطلاق اسم النبي دنيال والحكيم لقمان على المقامين بداخل المسجد، مشيرًا إلى أنه لم يذكر أن النبي دنيال جاء إلى مصر أو دفن فيها، كما أن وجوده كان قبل إنشاء وتأسيس مدينة الإسكندرية.
وأضاف أن موقع المسجد يتواجد على أعتاب منطقة «كوم الدكة» والتي بأسفلها توجد طبقات للعصور حيث العصر اليوناني، ثم حدثت زلازل فأصبح العصر الروماني أعلاه، ثم مقابر مسيحية ثم المقابر الإسلامية، هذه الطبقات ظهرت عندما أراد الرئيس عبد الناصر في عام 1960م إزالة الكامب العسكري الموجود في تلك المنطقة منذ الحملة الفرنسية، وتبعها عهد محمد علي، ثم أصبح قاعدة للانجليز خلال فترة الاحتلال، وكان «عبد الناصر» يريد إزالة هذه القاعدة العسكرية ويشيد متحف، ومباني إدارية وأثناء الحفر للبناء، تم العثور على مقابر إسلامية فتم نقلها، ثم عُثر على مقابر مسيحية ونقلت أيضًا، ثم تم إكتشاف المسرح الروماني، كما يوجد أسفله أيضًا طبقة يونانية، ومسجد النبي دنيال كان على أعتاب هذه التلة ويتبع المدافن الإسلامية الموجودة أعلى التل قديمًا وكان يتم التبرك به كعادة الأهالي قديمًا الدفن بمحيط الأولياء.
ولفت إلى أن ما يبرهن ايضًا أن تلك المنطقة هي منطقة مدافن، كان يمر منها سور من أسوار الإسكندرية فكان على أحد أبواب المدينة الإسلامية وهو الباب السوري، أو باب محرم بك، وسمى باب السوري بسبب أنه تم دفن الإمام السوري بها، وله مسجد بأسمه ايضًا على الجانب الاخر، مشيرًا إلى أن تكوين المدن الإسلامية يجعل المقابر خارج المدينة أو على أبوابها، ولذا نجد مقابر عمود السواري كان هناك باب سدرة، وباب البحر كانت منطقة مقابر بنفس الإسم و تم إنشاء مسجد أبو العباس وميدان المساجد بها، وباب رشيد حيث تم إنشاء المقابر المسيحية ثم المنارة في العشرينات.
وصف المسجد
بحسب وصف المسجد بالآثار الإسلامية، يقع الضريح بالجهة الشرقية بداخل المسجد ويتم الوصول إليه عن طريق باب مستطيل الشكل ذو مصراعين من الخشب عليهما زخارف هندسية، تنخفض حجرة الضريح عن مستوي الشارع بنحو 2.5متر، ويتم النزول إليها عن طريق سلم خشبي بفتحة مثمنة بأرضية حجرة الضريح العلوية، وهي عبارة عن مساحة مربعة يطل عليها اربع إيوانات صغيرة سقفها مقبي، والإيوان الجنوبي يحتوي على حنية صغيرة على شكل محراب، وكان يعلو الضريح قبة، لم يتبقى منها سوى الرقبة المثمنة وتحتوي على ثلاث صفوف من المقرنصات وهي غير مسقوفة الآن حيث هدمت خوزة القبة وأصبحت مفتوحة، والإيوان الغربي يؤدي لممر مقبي بقبوات متقاطعة وكان يدخل منه سابقا إلى الضريح، وكان ملحق بالمسجد صهريج مياه مكون من طابقين.
وتحتوي حجرة الضريح على تركيبة خشبية كتب عليها قبر النبي دانيال، يجاورها من الناحية الغربية تركيبة خشبية أخرى كتب عليها قبر الحكيم لقمان.