القصة الكاملة حول إفلاس بنك «سيليكون فالي».. ومدى تأثر مصر به
صدمة كبيرة شهدها العالم بعد إعلان بنك "سيليكون فالي "SVB" إفلاسه، وهو الأمر الذي يعني وقوع الانهيار الأكبر الثاني بالقطاع المصرفي الأمريكي بعد انهيار مؤسسة (واشنطن ميوتشوال) Washington Mutual، التي كانت تعد كبرى الشركات الأميركية العاملة في مجال الادخار والإقراض، في شهر سبتمبر عام 2008.
تتردد التساؤلات حاليًا حول أسباب إفلاس بنك "سيليكون فالي" وانهياره وعما إذا كان متوقعًا أن يتبعه انهيارًا تدريجيًا في الاقتصاد الأمريكي أم لا، كذلك كثرت التساؤلات حول تأثر مصر بهذا السقوط المصرفي الأمريكي الكبير.
سبب الأزمة
بدأت أزمة بنك وادي "السيليكون" بعد أن رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة قبل عام لكبح جماح التضخم، وبعد التحرك القوي لبنك الاحتياطي الفيدرالي، أدت تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى استنفاد زخم أسهم التقنية التي كان بنك وادي السيليكون يستفيد منها.
أدت أسعار الفائدة المرتفعة إلى تآكل قيمة السندات الطويلة الأجل التي التهمها بنك وادي السيليكون والبنوك الأخرى خلال حقبة أسعار الفائدة الشديدة الانخفاض والشبه صفرية، وكانت محفظة سندات البنك التي تبلغ قيمتها 21 مليار دولار أميركي تحقق عائدات بمتوسط 1.79 في المئة.
في الوقت نفسه، بدأ رأس المال الاستثماري في النضوب، مما أجبر الشركات الناشئة على سحب الأموال المودعة في البنك، لذا بدأت تلوح في الأفق خسائر في السندات مع تصاعد وتيرة سحب العملاء لودائعهم.
وأعلن البنك بيع مجموعة من الأوراق المالية وبيع 2.25 مليار دولار من الأسهم الجديدة لدعم ميزانيته العمومية، الأمر الذي أثار حالة من الذعر بين شركات رأس المال الاستثماري الرئيسية، التي ورد أنها نصحت شركات التقنية الناشئة بسحب أموالها منه.
وهو الأمر الذي أدى إلى خفض سهم البنك، وظل يسحب أسهم البنوك الأخرى معه، وذلك لأنه قد خشي المستثمرون تكرار الأزمة المالية التي جرت عامي 2007 و2008.
ظل الأمر هكذا حتى توقف التداول في أسهم بنك وادي السيليكون وتخلّى عن الجهود المبذولة لزيادة رأس المال بسرعة أو العثور على مشترٍ، فتدخل المنظمون في ولاية كاليفورنيا، فأغلقوا البنك ووضعوه في الحراسة القضائية تحت مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية.
وبنك وادي السيليكون تأسس عام 1983، وتخصص في الأعمال المصرفية للشركات التقنية الناشئة، وقدم التمويل لما يقرب من نصف شركات التقنية والرعاية الصحية المدعومة من رأس مال المخاطرة الأميركي، ويُعد من بين أكبر 20 بنكًا تجاريًا أميركيًا، حيث بلغ إجمالي أصوله 209 مليارات دولار أميركي بحلول نهاية العام الماضي.
محاولات أمريكا إنقاذه
وعن محاولات الولايات المتحدة إنقاذ بنك "سيليكون فالي" أوضح الخبير الاقتصادي أحمد أبو علي في حديثه لـ "الدستور" أنه لاشك أن محاولة الولايات المتحدة للتدخل لإنقاذ بنك «سيليكون فالي» من الانهيار أمر كان متوقعًا، حيث إن الخطورة على البنوك تؤثر على كل النظام البنكي للدولة، كما أن هذا البنك هو السادس عشر بالولايات المتحدة من حيث الترتيب، ويتعامل مع عملاء لهم أهمية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.
وأضاف أبو علي، أن هذا البنك قد وقع في بعض الأخطاء الخطيرة لذا كان ضروريًا تدخل الولايات المتحدة إذ أنه استثمر كأي بنك بالسندات لكنه لم يقم بما تقوم به البنوك الأخرى، ولم يتحوط عند تغيير الفائدة وهذا أدى إلى التأثير على قدرته على دفع ما عليه من استحقاقات.
وأردف الخبير الاقتصادي، أنه لاشك من أن للانهيار هذه المرة مجموعة فريدة من الظروف، لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات حول نقاط الضعف الخفية التي قد يكون لها عواقب على العملاء والموظفين في البنوك وربما تسلط الضوء على المشكلات التي تعاني منها بنوك أخرى.
هل سيؤدي إلى انهيار تدريجي في اقتصاد أمريكا؟
كل التوقعات توضح أنه من غير المرجح أن يؤدي انهيار بنك "وادي السيليكون" إلى إحداث نوع من تأثير "الدومينو" الذي سيطر على الصناعة المصرفية خلال الأزمة المالية" هكذا صرح الباحث والمحلل الاقتصادي كريم رضوان في حديثه لـ "الدستور"، مشيرًا إلى رأي (مارك زاندي) كبير الاقتصاديين في (موديز) وهو يقول، إن النظام يتمتع بالسيولة وبرأس المال الجيد كما كان في السابق، وأن البنوك التي تعاني الآن من المتاعب أصغر بكثير من أن تشكل تهديدًا حقيقيًا على النظام الأوسع.
وتابع رضوان: "لكن البنوك الصغرى المرتبطة بالصناعات التي تعاني من ضائقة مالية، مثل: التقنية والعملات المشفرة قد تكون في وضع صعب حاليًا نتيجة هذا الانهيار".
وأضاف أن فقدان الودائع يمكن أن يتسبب في إحداث شلل للقطاع التقني كله في أمريكا والتصفية القسرية لعشرات الشركات، متابعًا أن هذا الانهيار كذلك يضرب صناعة التكنولوجيا والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في مقتل إذ إن البنك منذ إنشاءه في عام 1983، وهو يقدم نفسه على أنه «الشريك المالي لاقتصاد الابتكار»، وكان لفترة طويلة مقرضًا رئيسيًا للشركات الناشئة، وهو ما جعله يقدم خدمات مصرفية لما يقرب من نصف جميع شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة.
وأردف الخبير الاقتصادي، أن انهيار البنك وعلى الرغم من أنه لا يمثل خطرًا شاملاً على النظام المالي الأمريكي إلا أنه سيخلق صعوبات بين بعض الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، والشركات التي تحمل أصولًا كبيرة غير مؤمنة وتدفق نقدي منخفض إذ أنه لن تتمكن العديد من الشركات الناشئة من استرداد أموالها.
وأوضح أن ذلك سيؤدي إلى حصول الشركات على قروض لصرف المرتبات، وذلك لأنه حسب قانون ولاية "كاليفورنيا" فإنه يتطلب دفع رواتب الموظفين في غضون عدد معين من الأيام، ما قد يتسبب معه استمرار عدم القدرة على الحصول على الودائع إلى قيام عدد كبير من الشركات الناشئة بإجازة للعاملين بها، أو تقليل قوتها العاملة من خلال تسريح العمال، أو إغلاقها تمامًا، كما يقلل انهيار البنك من التمويل المتاح للشركات الناشئة في سوق ديون المشاريع، والتي زادت أهميتها حيث قامت شركات رأس المال الاستثماري بتخفيض استثماراتها بشكل كبير.
موقف مصر؟
الخبير الاقتصادي أسامة السعيد أوضح في حديثه لـ"الدستور" أن القطاع المصرفي في مصر الآن وعلى مدار السنوات الـ٨ الماضية أصبح يمتلك أدوات تنافسية عززت من قدرته على امتصاص أيه صدمات قد تصيب النظام المصرفي عالميًا، ليس ذلك فقط بل إنه ليست هناك أيه ودائع لبنوك مصرية داخل بنك "سيليكون فالي"، وهو ما قد لا يؤثر علينا في مصر، ومن ناحية أخرى فإن شركات التكنولوجيا الناشئة داخل مصر تعتمد بشكل قوي علي القطاع المصرفي المصري فيما يتعلق بالتمويل لدعمها في عمليات التشغيل وليست لها أية ودائع أو علاقات مصرفية من فروع بنك "سيليكون فالي" خارجيًا، وهو بالتأكيد لن يعوق قدرتها نحو الاستمرارية بالعمل.
جديرًا بالذكر أنه وفقًا للتقارير التنظيمية في 31 ديسمبر 2022، قُدِّرت الودائع غير المؤمن عليها بـ 89% من إجمالي الودائع في البنك؛ ومع ذلك، ذكرت وكالة موديز إنفستور سيرفيس في 10 مارس أنها تتوقع معدل استرداد للمودعين غير المؤمن عليهم بنسبة 80-90%.