وليد الخشاب: المجتمع يخلق الرقيب الداخلي لا الناشر ولا المؤسسات
أثارت التغييرات التي قامت بها دار بنجوين للنشر في أعمال كاتب الأطفال الإنجليزي “روالد دال”، انتقادات العديد من المثقفين في بريطانيا، وهو ما سبق وقامت به دور نشر مصرية في أعمال نجيب محفوظ، أو ما تعرض له مؤخرا المترجم سمير جريس، في ترجمته لـ كتاب “فهرسُ بعض الخسارات”، وحذف 640 كلمة دون الرجوع إليه.
وفي هذا الصدد الكاتب وليد الخشاب، أستاذ الدراسات العربية بجامعة يورك، كندا: قال إنه من البديهي أنه ليس من حق ناشر أن يبدل في العمل الأدبي أو أن يحذف منه شيئاً، بعد الاتفاق على شكل العمل النهائي.
وأوضح “الخشاب” في تصريحات خاصة لـ “الدستور”: بالأحرى هي جريمة معنوية مكتملة الأركان أن يحذف الناشر كلمات أو سطورا من عمل كلاسيكي سبق نشره من عقود. يدخل هذا في باب التزييف. لكن للأمانة، من الطبيعي أيضاً أن الكاتب حين يقدم عملاً لناشر، عليه أن يتوقع نقاشاً واقتراحات بالحذف والإضافة والتعديل.
هذا هو صميم عمل الناشر، أياً كانت الدوافع وراء طلبه التعديل. لكن هذا يتم بالمناقشة والتفاوض بين الكاتب والناشر، وللكاتب أن يبحث عن دار نشر أخرى إن لم يقبل بما يقترح عليه. المشكلة الحقيقية في رأيي هي التصرف المنفرد من قبل الناشر.
ــ الرقيب الداخلي يخلقه المجتمع بأسره
هل شيوع ذلك المنطق ينمي رقيباً داخليا في نفس كل كاتب؟ نعم. لكن الرقيب الداخلي يخلقه المجتمع بأسره، لا الناشر فقط ولا المؤسسات وحدها.. في كل مجتمع معايير متفق عليها بقدر أو بآخر لتناول مثلث المحرمات الكبرى: الجنس – الدين – السياسة، والكل في المجتمع يلتزم بقدر أو بآخر بالخطوط الحمراء غير المكتوبة، أو غير المعلنة. عندما يتجاوز مبع هذه المحرمات، هو يفعل ذلك في إطار "رخصة فنية" حيث يقبل المجتمع من الفنان ما لا يقبله من الإنسان العابر.. بهذا المعنى فالرقيب الداخلي هو مجرد بوصلة تمثل تلك الخطوط الحمراء.
ولفت “الخشاب” إلى مشكلة مجتمعاتنا العربية هي ضيق المساحة التي يسمح فيها بتناول تلك المحرمات، لكن الأدهى هو عدم وجود حدود واضحة لها. فقد تجد فنانا أو إعلاميا يتجاوز كل الحدود ولا يعاقب، بحجة احترام حرية التعبير. ثم تجد مبدعاً أو كاتبا آخر يتعرض لعقاب الجمهور أو لمساءلة قانونية رغم أنه لم يتجاوز الخطوط الحمراء بأكثر مما تجاوزها غيره.
تتحدد المساحة وفقاً للمدينة أو الحي أو الطبقة التي يتحرك فيها الكاتب أو المؤدي، ووفقاً لمواقفه السياسية، أو لتحالفاته المجتمعية. فغياب الاتفاق المجتمعي حول الحدود التي لا ينبغي تجاوزها في الفن عموما والأدب تحديداً هو ما يجعل ناشرين كثيرين يغالون في الرقابة الذاتية على حساب حرية المبدع، عملاً بمبدأ الأخذ بالأحوط.
يحتاج المجتمع إلى حوار صريح للوصول إلى تفاهمات حول المسموح والممنوع، ويحتاج المبدعون إلى حشد أكبر قدر من الدعم لأن توسيع مساحات الحرية لا يتحقق إلا بالضغط. ونحتاج جميعاً إلى التعامل مع تغير المشهد السياسي.
حتى 2011 كانت الرقابة الأخلاقية تتم بضغط من اليمين المتطرف وكانت الدولة هي الحكم بين ذلك التيار والمبدعين. الآن، ينبغي على الدولة توضيح رؤيتها في هذا الصدد وإلا استمرت قيم اليمين المتطرف في التسيد، لمجرد أن أحداً لم يطرح بديلا لها.