ماذا بعد الزلزال؟.. كيف ستتم عملية الإعمار فى سوريا؟.. خبير يجيب
قال الدكتور محمد كمال الجفا، المحلل السياسي السوري الخبير العسكري: انتهت المرحلة الأولى من الكارثة التي حلت بسوريا التي أثقلت جراح السوريين بعد حرب دامية ومستمرة لم تدخل سوريا مرحلة التعافى التدريجي من نتائجها.
وأضاف “الجفا”، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أنه حتى الآن تم الانتقال من مرحلة استيعاب الصدمة والانتهاء من عمليات البحث عن ناجين وتأمين سكن ومبيت لأكثر من ثلاثمائة ألف نازح ومهجر جديد في في مدينة حلب إلى مرحلة الكشف الميداني والسبر على كل مباني محافظة حلب من خلال تشكيل أكثر من 120 لجنة تعمل على مدى ساعات النهار لتحديد حجم الأضرار الفعلية الأبنية وتقسيمها إلى ثلاثة أقسام: الفئة الأولى هي الأبنية المتضررة آيلة للسقوط التي لا يمكن ترميمها، والفئة الثانية هي الأبنية المتضررة التي يمكن ترميمها وتدعيمها، والفئة الثالثة هي الأبنية غير المتضررة ولا تحتاج إلى أي عمليات تدعيم أو ترميم.
وأوضح الجفا أنه إلى اليوم لم يتم الانتهاء من عمليات الكشف على كامل أحياء المدينة ومن خلال العمل المضني اليوم تم سير حوالي 7500 مبنى، حيث دونت اللجان 230 مبنى بحاجة إلى هدم فوري و1450 مبنى قابلة لتدعيم و5820 مبنى صالحة للسكن وغير متضررة ولا تحتاج إلى أي ترميم أو تدعيم، وبالتالي نلاحظ النسبة المئوية العالية للأبنية التي تحتاج إلى هدم وترميم.
وأوضح أن عدد الأبنية المهدمة تمثل نسبة 22% من عدد أبنية مدينة حلب عدا عن نسبة المناطق العشوائية المرتفعة جدا وهي مناطق تضاعفت أعداد أبنيتها المخالفة خلال فترة انحسار سيطرة الدولة السورية على معظم أحياء حلب وضواحيها.
ولفت الجفا إلى أن بعض التقديرات الأممية تقول إن نسبة الأضرار قبل الزلزال ما بين أضرار جزئية أو كلية تقدر بـ38% للوحدات السكنية وتضاعفت النسبة إلى 59% من البنية التحتية الخدمية ولكن الزلزال الأخير أضاف كارثة جديدة إلى كوارث سوريا خلال سنوات الحرب القادمة.
وأكد الجفا أن هذه الأرقام المرعبة تحتاج أموالا ضخمة وتحتاج تمويلا خارجيا ودولا داعمة ولا يمكن للدولة السورية أن تقوم بهذه الخطوة في الظروف الحالية، وربما تعمد إلى المساعدة في عمليات الترميم الجزئية للأبنية المتضررة لكن لا يمكن البدء بعمليات إعادة الإعمار قبل تأمين الموارد المالية اللازمة ووضع الخطط والقرارات التي ستحكم مستقبل الأحياء العشوائية.
الجفا: عملية الإعمار بالموارد المحلية غير مطروحة
وتابع الجفا: "عملية الإعمار بالموارد المحلية غير مطروحة حاليا وأعتقد أن الخطط المستقبلية هي تأمين إقامات وسكن مؤقت للعائلات التي هدمت منازلها ولمدة زمنية تتراوح ما بين 3 أشهر وحتى سنتين الفئتين الأولى والثانية لحين وضع التصور النهائي لمشروع إعادة الإعمار والأموال اللازمة والجهات الداعمة".
وحول عملية الإعمار وكيفية إعادتها بالجهود المحلية أم بالجهود العالمية، قال الجفا: "تقتصر الجهود المحلية السورية على عمليات الترميم الجزئي والمبسط وعلى الواقع الموجود و بالعمالة السورية المحلية للأبنية الأقل ضررا والأقل كلفة والأبسط فنيا وهندسيا، حيث تمتلك سوريا الأدوات والمواد واليد العاملة المهنية الماهرة التي تستطيع إنجاز هذه الأعمال ، أما الأبنية الضخمة وعمليات الترميم المعقدة والمكلفة، فلا اعتقد أن الدولة السورية بصدد البدء فيها لحين وصول الآليات والتجهيزات ومواد البناء ومستلزمات عمليات الترميم الاكثر تعقيدا والأكبر كلفة.
وحول حجم الخسائر جراء الزلزال، قال الجفا حتى الأن لم تنته اللجان الفنية والهندسية من عمليات التوثيق للخسائر المالية الناتجة عن هذه الكارثة للأبنية المتضررة بفعل الزلزال وخاصة ان هناك آلاف الابنية متضررة خلال سنوات الحرب الأثني عشر والتي نزح منها حوالي 46% من عدد السكان خلال مسح تم إجرائه خلال العام 2018 أي ان مدينة حلب كانت أكثر محافظة سورية تشهد نزوح فاق عدده 1.400.000 مليون وأربعمائة وألف سوري وجميع هؤلاء كان لديهم منازل وأعمال ومنشآت ونشاط اقتصادي وصناعي قبل الحرب.
وأشار الجفا إلى أن خسائر ما قبل الحرب فاقت في البنية التحتية حوالي 80 مليار دولار وبالتالي لا يمكن إعادة الإعمار ما دمره الزلزال بصورة انتقائية؛ بل سيكون شاملا لكل البنية التحتية والخدمية وضمنها حتما المساكن التي أضيفت إلى ماهو مدمر والذي تم تقدير أضراره بشكل مبدئي بـ4 مليارات دولار.
وحول مقدار تكلفة إعادة الإعمار مرة أخرى، قال الجفا: “تكاليف إعادة الإعمار تتم على ما سيتم إعماره وعلى أي مستوى عمراني وضمن أي معايير وهل سيتم إزالة كل المناطق العشوائية أو فقط إعادة إعمار ما دمره الزلزال وهذه الانتقائية غير ممكنة ولا يمكن اعتمادها”.
ولفت الجفا إلى أن سوريا بلد مدمر منهك جار الزمان على أبنائه وعملهم أكثر من طاقتهم وبالتالي حتى الملاءات المالية لأبناء سوريا المقيمين داخلها انهكتهم سنوات الحرب الطويلة وأنهكهم الحصار الخانق على سوريا وأنهكتهم القوة الشرائية المتدنية لمعظم لمكونات الشعب السوري، إذن التكلفة المطلوبة الأولية لإعادة الإعمار تعتمد على الخطط والاستراتيجيات الحكومية والمخططات الهندسية ونوعية الأبنية المطلوب تنفيذها والمشاريع الخدمة الملحقة بمشاريع إعادة الإعمار، وتعتمد عمليات إعادة الإعمار على الخطط الموضوعة والمناطق المستهدفة وهل تعتمد على إعادة إعمار المناطق المتضررة بالزلزال الأخيرة أو على كل المناطق المتضررة بالحرب؟
وشدد الجفا على أن سوريا بحاجة ماسة إلى مشروع كبير وضخم لاعادة الإعمار ولمعظم المدن والمحافظات السورية ولمعظم المؤسسات الحكومية والخدمية وربما بضع مليارات كافية للبدء الفوري بتنفيذ فوري لهذا المشروع وقد لانتهي بمئآت المليارات من الدولات وعبر خطط مدروسة قد تمتد لسنوات.