واسينى الأعرج: معرض القاهرة للكتاب حدث قومى يجمع كل العرب (حوار)
- النص الذى لا يشعرك بأنه يهتم بك يموت.. وأسعى لأن أكون فى تماس مع القارئ
- إعادة سرد حياة مى زيادة فى «ليالى إيزيس كوبيا» مخاطرة كبير
- مشروعى الحالى يركز على سيرة شعبية للعاشقين الجزائريين سعيد وحيزية
أعرب الروائى الجزائرى الكبير واسينى الأعرج عن سعادته بمشاركته فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى نسخته الـ٥٤، معتبرًا المعرض حدثًا قوميًا لا يمكن لأى مبدع عربى تجاهله، وتظاهرة ثقافية رئيسية تهم كل كاتب ومحب للقراءة.
وقال، فى حواره مع «الدستور»، إن مشروعه الأدبى يركز على إعادة سرد التاريخ من زوايا جديدة، انطلاقًا من أن التاريخ المعروف هو ما كتبه المنتصرون، وأن هناك روايات أخرى للأحداث التاريخية، وأنه لا توجد حقيقة تاريخية واحدة.
■ ما تقييمك للدورة الـ٥٤ من معرض القاهرة الدولى للكتاب باعتبارك ضيفًا شبه دائم على كثير من معارض الكتاب العربية؟
- معرض الكتاب المصرى هو معرض قومى يلتقى فيه العرب ويتناقشون، فهو معرض جامع لكل العرب، وأعتقد أن قيمته الأساسية تكمن فى هذا. من جهة أخرى، فزياراتى المتكررة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب تتيح لى اللقاء بنفس القارئ على مدار السنوات، فأتابع تطوره ووعيه فى القراءة بمرور الأعوام، ما يمنحنى نوعًا من الراحة الداخلية وشعورًا بأن العالم بخير، فعلى الرغم مما قد يقال عن المقروئية، فإننى لم أشعر مرة بأنها فى خطر، صحيح أن الأوضاع الاقتصادية فى العالم العربى صعبة، لكن الرغبة الداخلية والسلطان الداخلى الدافع نحو القراءة بإمكانه التغلب على ذلك.
■ كان هناك الكثير من التخوفات بالفعل هذا العام تتعلق بالقدرة الشرائية للقراء فى ظل الأزمات الاقتصادية التى يمر بها العالم.. ما مدى التأثير الذى تلمسه فى هذا الصدد؟
- ننطلق من أوضاعنا الداخلية الفردية أو الجماعية ولا نفكر فى أن هناك حركية أكبر مما نرى، والفكرة أن القارئ الاحتمالى موجود خاصة مع تطور وسائل الاتصال والدعاية للكتاب والتعريف به.
وبالنسبة للكاتب يجب أن يكون فى حالة استماع للقارئ ويكوّن علاقة معه بشكل إنسانى، القارئ المحتمل يجب المحافظة عليه وحقيقة موجودة وهو أيضًا يتطور وخاضع للمعضلات المادية، لكن أنا أيضًا مؤمن بأن هذا القارئ يتأقلم مع الأوضاع، إن كان يشترى عشرة أو عشرين سيكتفى بكتب أقل، فتصير شروطه أكثر وقاسية لن يأخذ إلا الكتب التى يرى أنها تهمه بشكل عميق.
■ هل تجعل هذه الأوضاع الكاتب أكثر التزامًا وشعورًا بالمسئولية فيما يكتبه وبالتالى لا يدفع نحو النشر سوى الأفضل من الأعمال؟
- من حق الكاتب أن تضطلع دار النشر التى نشر معها بالتسويق والدعاية لعمله وألا يبقى كتابه حبيسًا، وأنا أرى أن أكبر معضلة فى العالم العربى ليست القارئ وإنما كيف تذهب نحو القارئ، الذى يتحقق عبر الإعلام والدعاية والتسويق. الكتاب له قيمته المعرفية لكنه حاليًا بضاعة تحتاج إلى التسويق، وهناك الكثير من القنوات التى تحقق ذلك، ومنها بالتأكيد وسائل التواصل الاجتماعى.
لنا أيضًا فيما تقوم به دور النشر فى الغرب وتحديدًا فى فرنسا مثال؛ الدار تخصص ستة أشهر كاملة للدعاية إلى الكتاب فتضعه فى واجهات العرض وتمول تنقُل الكاتب عبر المدن لتوقيع عمله، وإن لم يتحرك الكتاب خلال هذه الفترة يكون غير صالح بالقيمة السوقية فيوضع جانبًا ويأتى كتاب آخر يحل محله.
على الكاتب، بالاتفاق مع الدار، أن يكون جاهزًا لأنه مشروع مشترك، كلما احترمت الدار حق الكاتب وحركية الكتاب، اتسعت الشراكة وتقوّت العلاقة بين الناشر والكاتب، ما يؤدى إلى اتساع المقروئية، فهذا هو المثلث الأساسى بالنسبة للكتاب ولا يمكن تجاهل أى ضلع به، الناشر من حقه أن يراهن على الكاتب وينشر العمل، ومن حق الكاتب أن ينشر كتابه بشكل جيد وبحقوق محترمة ثم القارئ الذى نشر الكتاب من أجله.
■ فيما يتعلق بالقارئ، اختلفت اتجاهات القراءة فى الوقت الحالى، إلى أى مدى يؤثر ذلك فى اختيارك خطابك الروائى؟
- أرى أن على الكاتب أن يظل منصتًا لما يحدث حوله، حينذاك يتمكن من الوصول إلى القارئ، أما حينما ينفصل عن القارئ فإنه لا يجد صدى لما يكتبه.
كنت أعمل على مى زيادة فى «ليالى إيزيس كوبيا»، وكان لدىّ تخوف ألا يهتم القراء بالموضوع، لكن ركزت جهودى على الزاوية التى لا يطرقها الكثيرون لكى يشعر القارئ بأنه موجود، وكثير من القراء والقارئات وجدوا أنفسهم فى العمل.
النص الذى لا يشعرك بأنه يهتم بك قارئًا يموت، يجب أن يشعر القارئ بأن هناك شيئًا يهمه، وبالتالى سعيت لأن أكون فى تماس مع القارئ ولكن هذا يتطلب جهدًا من الكاتب.
أعمل حاليًا على قصة حب حيزية وسعيد، وهى ملحمة حب شهيرة فى الجزائر، كل الناس تعرفها وترويها، ولكنها أيضًا قصة إيروتيكية، فالروايات عنها ربما غير صحيحة تمامًا، ذهبت إلى أماكن القصة ووجدت الروايات القريبة جدًا من الحقيقة، أكبر خطأ فعله الكتاب هو قتل الجانب الشعبى والاعتماد على اللغة العالمة، لأن مخيال القصص الشعبى هو الأساس، ولذلك فهى باقية ومتداولة وبها جوانب تخييلية وإنسانية ثرية.
رجعت بميراث كبير جدًا من هذا التتبع للملحمة، واكتشفت أن القصة حقيقية وأنها أعمق مما تروى وأن الإيروتيكية المذكورة فى القصيدة لها جذور، وهناك جانب مأساوى فى القصة، فالحبيبان يكتشفان أنهما رضعا سويًا وهنا تتفصل المأساة، بالتالى أنا أرى أن كتابة الرواية جهد غير مرئى يبذله الكاتب ويكتشفه القارئ عبر إزالة الطبقات المختلفة بالعمل الروائى.
■ تهتم باستدعاء التراث والتاريخ فى أعمالك بأشكال ومستويات مختلفة، فكيف تنظر إلى دواعى هذا الاستدعاء فى الوقت الراهن؟
- لم تعد عندنا ثقة فى التاريخ، فنحن نذهب إلى التاريخ لنقدم قراءة جديدة وليس لتكرار سرده، ربما مأساة جورجى زيدان وهو رائد الرواية التاريخية أنه افترض وجود حقيقة تاريخية يجب أن نوصلها للأبناء عن طريق الرواية، ولكنه لم يطرح سؤال أن التاريخ ليس هو الحقيقة مطلقًا.
اليوم من المهم أن نكتب عن التاريخ، والرواية التاريخية مهمة لأن لدينا يأسًا من الرواية الرسمية للتاريخ، وندرك أن التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون، ولو تخيلنا التاريخ الرسمى كله مكتوبًا من زاوية نظر أخرى لكان مختلفًا تمامًا، عندما أقرأ هذه الأعمال أوازن بنظرة نقدية ما يقدم، ومن ثم ينبغى على الكاتب أن يزيل الصخور المتراكمة على التاريخ وإلا قدم عملًا بلا قيمة، صحيح أن ذلك يمكن أن يسبب مشكلات ولكن الرواية أيضًا معضلة، إذا لم ندخل بها سنخسر مشروعيتنا أمام القراء، فالقارئ ينتظر الرؤية الجديدة فى تناول التاريخ لأنه أيضًا وجد نفسه ضمن تاريخ لم يصنعه وصنعه الآخرون، ومن ثم فهو يرغب فى التعرف على الخبايا.
■ ثمة تناول ديستوبى عمدت إلى تحقيقه فى رؤيتك للتاريخ العربى الطويل وكذلك الراهن.. ما الذى دفعك نحو هذه الرؤية القاتمة للتاريخ؟
- أظن أنه ليس اختيارًا وإنما هذا هو الواقع، فمن هو العربى الذى يرضى عن تاريخه الحاضر؟ قلت فى بداية الرواية «العربى الأخير»: أتمنى ألا يحدث هذا. تحدثت عن مشكلة المياه بين إثيوبيا ومصر، وهى مسألة حيوية لا يمكن التنازل عنها، تحدثت عن أوضاع سياسية وعسكرية مثل الصراعات العربية العربية والمستقبل الغامض، وقضية فلسطين، كل القضايا التى تناولتها جاءت فى شكل ديستوبيا، ولكنها أيضًا حقيقة.