«نعيمة عاكف.. التمر حنة».. جديد ماهر زهدى عن دار ريشة بمعرض الكتاب
صدر حديثًا عن دار ريشة للنشر والتوزيع كتاب "نعيمة عاكف.. التمر حنة"، وذلك بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ54 والتي بدأت منذ أيام قليلة وتنتهي في 6 من شهر فبراير الجاري.
تناول زهدي حياة الفنانة الراحلة نعيمة عاكف، بصورة أقرب للعمل الدرامي، لا يؤرخ فحسب لسيرة الفنانة المغدورة في عمرها، من قبل وحش لا يرحم، ورحلت عن عمر ناهز 36 عامًا، بل يؤرخ للمرحلة بأكملها، من الناحية الفنية والسياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى الناحية الاجتماعية.
يرصد الكتاب حياة نعيمة منذ ولادتها، كما يستعرض النصف الأول من حياتها الذي جاء ممتلئًا بالأشواك، قبل أن يبتسم لها الحظ في النصف الثاني من حياتها، وتصبح واحدة من أهم نجمات مصر والوطن العربي، حتى كادت تجسد واحدة من الأساطير النادرة في تاريخ التمثيل والغناء والموسيقى والاستعراض، ولم يستطع أن يوقف زحفها نحو عالم الأساطير سوى المرض.
يرى زهدي أن نعيمة عاكف تتخذ موقعًا متميزًا بين نجوم ونجمات عصرها، عبر ما يقرب من ثمانية عشر عامًا، من تاريخ السينما المصرية، صنعت خلالها ما يطلق عليه "الفيلم الاستعراضي في السينما المصرية"، لتؤكد للجميع أنها ليست مجرد ممثلة عابرة، فالمتأمل لتاريخ السينما المصرية والعربية لن يجد فنانة، تم استلهام الكثير من أسماء أفلامها، من ملامح ومواصفات شخصيتها الحقيقية، مثلما حدث مع نعيمة عاكف، فضلًا عن قيامها بمشاركة زوجها الأول المخرج حسين فوزي، بترك بصمة قوية على الفيلم الاستعراضي المصري، ربما لم يأت بعدها من يضيف المزيد في هذا الاتجاه.
قدمت نعيمة عاكف على مدار مشوارها الفني القصير خمسة وعشرين فيلمًا، وحكايات أفلامها - كما يكشف زهدي - تكاد تصل إلى حد التطابق مع حياتها الشخصية، التي أسهمت في صنع أحداثها عبر الكثير مما روته عن حياتها، منذ ولادتها ونشأتها في "سيرك أولاد عاكف" مرورًا بطفولة وصبا يمتزجان بالشقاوة والشقاء، قبل أن يفترسها المرض اللعين.
يختار ماهر زهدي أن يبدأ رحلته مع نعيمة عاكف من النهاية، بطريقة "الفلاش باك"، حين كانت تعمل في يونيو 1962 في فيلم "الحقيبة السوداء" وهاجمتها آلام قاتلة، كادت تقطع أحشاءها، لدرجة أنها انهارت مغشيًا عليها أمام باب بيتها، كان لديها إحساس بأن عمرها قصير، وأن شبح الموت يطاردها، ما جعلها تخشى على نفسها من المرض.
كانت تخشى أن تترك ابنها وحيدًا في الحياة، خصوصًا أن المرض أصبح ملازمًا لها منذ هذا التاريخ، وباتت ملامح الحزن تكسو وجهها، حتى انتشر الخبر في الوسط الفني، ولم يعد يطلبها أحد للعمل، وشعرت بأنها تقترب من نهاية حياتها الفنية، فتحملت آلامها، وكتمت أوجاعها، لتبدو أمام الجميع وكأنها شفيت.
قبل أن تنتهي من تصوير دورها في فيلم "أمير الدهاء" عاودتها الآلام بشدة مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت أكثر شراسة، حيث جاء الألم مصحوبًا بنزيف حاد، وانهيار تام نقلت على إثره إلى المستشفى، كانت بصحبة زوجها حين أخبرها الطبيب بأن سرطان لعين يكمن في الأمعاء.
هنا يعود ماهر زهدي إلى ذلك العالم الساحر المدهش، الذي ولدت فيه نعيمة عاكف، عالم السيرك الذي يضم بين جنباته الفن والمتعة والإثارة، ويستهدف زرع الفرحة في قلوب المشاهدين، حيث كانت مصر أول بلد عربي يعرف "السيرك" بشكله المعاصر، كما كانت أول دولة في التاريخ تعرف هذا الشكل من الألعاب الترفيهية، وهذا ما أظهرته جدران المعابد.
غير أن هذه العروض لم تعرف باسمها الحالي "السيرك" إلا على يدي الإنجليزي فيليب آستلي في عام 1768 الذي كان يقيم استعراضًا للخيول في الإسطبل الخاص به، ويعزف الموسيقى لمصاحبة العرض، وكان العامة يتوافدون على المكان لمشاهدة الاستعراض، وظهر أول وأشهر سيرك عربي عائلي "سيرك الحلو" عام 1889، وبعده بعشرين عامًا جاء "سيرك عاكف".
رحلة طويلة مليئة بالسهر والدموع والفرح والحزن، يتابعها ماهر زهدي ليصل مرة ثانية إلى المحطة الأخيرة، وفي صحبة "نعيمة عاكف" التي كان مقررًا لها أن تسافر خارج البلاد، للعلاج على نفقة الدولة، في 24 أبريل عام 1966 لكن المرض هاجمها بضراوة يوم 21 أبريل، ونزفت بشكل مخيف، فتم نقلها إلى الفور على المستشفى، ووضعت في غرفة العناية المركزة.
قرر الأطباء التبكير بالسفر، لكن نعيمة عاكف سبقت الجميع بتنفيذ قرار القدر، لتصعد روحها إلى بارئها في صباح الثالث والعشرين من أبريل عام 1966 لترحل قبل أن تكمل عامها السادس والثلاثين، وتشيع جنازتها في اليوم الذي قرر فيه الأطباء أن تسافر إلى الخارج.
خرج جثمان نعيمة من بيتها، كما أوصت، وسط جماهير غفيرة، التفت حول البيت منذ الصباح الباكر، وعدد كبير من الفنانين، بينما وقفت كوكب الشرق أم كلثوم في شرفة منزلها بالزمالك، تلوح للجثمان بمنديلها، لم تستطع أن تسيطر على دموعها، لتكون في وداع فنانة أحبتها، كما أحبها الملايين.