معركة قضائية تهدد التحقيق في انفجار مرفأ بيروت
ادعى النائب العام التمييزي غسان عويدات، اليوم الأربعاء، على المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار وسط معركة قضائية غير مسبوقة تُهدد بالإطاحة بالتحقيق في الكارثة التي هزت العاصمة في صيف 2020.
ويأتي قرار عويدات بعد يومين على إعلان بيطار، متحدياً الضغوط السياسية والعرقلات القضائية، استئناف تحقيقاته برغم عشرات الدعاوى التي طالبت بعزله وعلّقت عمله منذ 13 شهراً، في خطوة رفضتها النيابة العامة التمييزية.
واستأنف بيطار تحقيقاته بالادعاء على ثمانية أشخاص، بينهم عويدات ومسؤولان أمنيان رفيعان.
وسارعت النيابة العامة التمييزية إلى رفض قرارات بيطار إن كان استئناف التحقيقات أو الإدعاءات الجديدة.
وتفاقمت المعركة القضائية الأربعاء بإعلان عويدات الإدعاء على بيطار، وإخلاء سبيل كافة الموقوفين الـ17 في التحقيق.
وأكد عويدات لفرانس برس الادعاء على "بيطار وقرار منعه من السفر على خلفية التمرد على القضاء واغتصاب السلطة".
من جهته، رفض بيطار التنحي كما الإدعاء عليه.
وقال لفرانس برس "انا ما زلت المحقق العدلي ولن أتنحى عن الملف (...) أما عويدات فلا صلاحية له للادعاء علي، وقراره يجب ألا ينفذ"، مضيفاً "لا يحق لعويدات أي قرار في الملف كونه مدعى عليه. لا يحق له أن يدعي على قاض سبق وأن ادعى عليه".
وأكد مسؤول قضائي رفض بيطار المثول أمام عويدات.
أوقع الانفجار في الرابع من أغسطس 2020 أكثر من 215 قتيلاً و6500 جريح. ومنذ البداية، عزت السلطات اللبنانية الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية، واندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبيّن لاحقاً أنّ مسؤولين على مستويات عدّة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحرّكوا ساكناً.
وكان بيطار ادّعى في صيف 2021 على رئيس الحكومة السابق حسّان دياب وطلب رفع الحصانة عن نواب آنذاك، بينهم وزيرا الأشغال السابقان يوسف فنيانوس وغازي زعيتر، ووزير المالية السابق علي حسن خليل.
ومن بين الأشخاص الثمانية الذين ادعى عليهم بيطار الثلاثاء عويدات وثلاث قضاة، والمدير العام للأمن العام عباس ابراهيم الذي تربطه علاقة جيدة بالقوى السياسية خصوصاً حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأبرز في لبنان، ومدير جهاز أمن الدولة طوني صليبا المقرب من الرئيس السابق ميشال عون.
وحدّد بيطار الثلاثاء مواعيد لاستجواب 13 شخصاً مدعى عليهم، الشهر المقبل، في إطار دعاوى حقّ عام "بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي".
كما قرر عويدات الأربعاء، وفق مذكرة اطلعت عليها فرانس برس، "اطلاق سراح الموقوفين كافة في قضية انفجار مرفأ بيروت دون استثناء ومنعهم من السفر وجعلهم بتصرف المجلس العدلي".
وجاء قراره إثر إعلان بيطار قراره بإخلاء سبيل خمسة فقط من الموقوفين الـ17.
وقال بيطار لفرانس برس إن "عويدات لا يحق له اطلاق سراح موقفين، بل أن المحقق العدلي هو الوحيد المخول ذلك".
وأفادت وسائل إعلام محلية عن بدء إخلاءات السبيل، وقد أطلق سراح مدير عام الجمارك السابق بدري ضاهر.
وأثار قرار إخلاء سبيل كافة الموقوفين، وبينهم لبناني يحمل جنسية أميركية، غضب أهالي الضحايا الذين دعوا إلى التظاهر.
وقالت المحامية سيسيل روكز التي فقدت شقيقها في الانفجار إن عويدات "لا يحق له إخلاء سبيل الموقوفين. هذا جنون".
ومنذ تسلمه الملف، يواجه بيطار عقبات وتدخلات سياسية حالت دون إتمام بيطار عمله، مع اعتراض قوى سياسية عدّة أبرزها حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأبرز في لبنان، على عمله واتهامه بـ"تسييس" الملف، وصولاً إلى المطالبة بتنحّيه.
وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن نواب شغلوا مناصب وزارية، ما حال دون استجوابهم. وامتنعت وزارة الداخلية عن منح بيطار الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيين تحت سلطتهم، وامتنعت قوى الأمن عن تنفيذ مذكرات توقيف.
ورداً على سؤال حول استئناف التحقيقات، قال المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل الإثنين لصحافيين إنّ تحقيق مرفأ بيروت "نقطة سوداء" في القضاء.
وفي اكتوبر 2021، تظاهر مناصرون لحزب الله وحليفته حركة أمل التي ينتمي إليها الوزيران زعيتر وخليل، تخللتها أعمال شغب وعنف ثم إطلاق نار أوقع سبعة قتلى.
ويعكس مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ثقافة "الإفلات من العقاب" التي لطالما طبعت المشهد العام في بلد يحفل تاريخه باغتيالات وانفجارات وملفات فساد، نادراً ما تمّت محاسبة المتورّطين فيها.
ويؤجّج تعليق التحقيق والتدخّلات السياسية المتكرّرة غضب أهالي الضحايا ومنظمات حقوقية تطالب الأمم المتحدة بإرسال بعثة تقصي حقائق مستقلة، أمام تعثّر التحقيق المحلي.