محمدتوفيق 1/2: لا أتقدم للجوائز والعمل الدبلوماسي يتيح أفقًا بانورامية للكاتب
الكاتب الروائي محمد توفيق روائي ومهندس ودبلوماسي مصري، آخر مواقعه الدبلوماسية سفيرًا لمصر لدى الولايات المتحدة حتى سبتمبر 2015، وآخر أعماله الأدبية رواية "همس العقرب" الصادرة عن دار العين عام 2021 والمستوحاة من رحلة صحراوية قام بها أحمد حسنين (الذي صار لاحقًا رئيسا للديوان الملكي المصري) والمستكشفة البريطانية روزيتا فوربز إلى واحة الكفرة في ليبيا عام 1920، والتي ترشحت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2021، “الدستور” التقته وكان هذا الحوار.
عن رواية همس العقرب أولاً وعلاقتها بجائزة الرواية العربية البوكر، هل ترى أن هناك ثمة توليفة، أو شكل ما من أشكال السرد تعتمد عليها لجان التحكيم المصرية والعربية في الاتكاء على ماهية المنح والحجب فيما يخص الرواية؟
في السنوات الثلاث الأخيرة شاركت في لجان للجوائز المصرية (جائزة ساويرس لكبار الأدباء – جائزة صديق عفيفي للرواية – جائزة ساويرس لشباب الأدباء)، وأستطيع أن أقول أن القرار الأول والأخير في هذه الجوائز للجان التحكيم دون أي تأثير خارجي، ونظرا للتنوع الكبير في عضوية هذه اللجان بين كتاب وأكاديميين ومثقفين، وبين المنتمين لأجيال ومواقف أيديولوجية مختلفة، يصعب وجود توليفات أو أشكال محددة للفوز، وخاصة وأن تشكيل اللجان يختلف من سنة لأخرى. ومن المهم أن يدرك كل من يتقدم لهذه الجوائز أن عمله سيكون ضمن عدد كبير من الأعمال المنافسة تقترب من المئتين في أحوال كثيرة، وأن عملية الاختيار تعتمد على توافق أعضاء اللجنة أو رأي الأغلبية، لذلك لا يكون العمل الفائز بالضرورة هو الاختيار الأول لكل من أعضاء اللجنة، وفي حين إنه من السهل التوافق على الأعمال التي لا تحقق عنصر التميز، فإن الاختيار ما بين الأعمال المتميزة يتوقف على الذائقة الفنية والمواقف العامة لأعضاء اللجنة، لذلك لا يجب أن يشعر الكاتب أن الجوائز تمثل حكما على عمله، وإنما مجرد رأي أمكن للجنة التوافق حوله بالنسبة للعمل الفائز دون أن ينتقص ذلك من قيمة الأعمال التي لم تفز، وأثق بصفة عامة أن لو تغيرت لجنة التحكيم تتغير النتيجة.
وكان هذا توجهي عندما قررت دار العين أن تقدم رواية "همس العقرب" للجائزة العالمية للرواية العربية – الشهيرة بالبوكر – فلم أشعر أن وصولها للقائمة الطويلة يميزها عن غيرها من الأعمال التي تقدمت للجائزة، أو أن عدم حصولها على الجائزة يقل من شأنها، والجوائز لا تصنع الأدباء وإن كان لها تأثير لا يستهان به على الجوانب التسويقية.
أين الكاتب المختلف برؤيته للحياة والفن والمعيشي بل والسياسي المسكوت عنه السارد محمد توفيق من الجوائز في مصر؟
تقدمت في شبابي لجوائز نادي القصة وحصلت على عدة جوائز ثانوية وقتئذ، لكنني لم أتقدم بعد ذلك لأي جائزة مصرية، وهذا ليس اعتراضًا على جائزة بعينها أو إنكارًا للدور المهم الذي تقوم به الجوائز في تشجيع قراءة الأدب بين الجمهور وتقديم شيء من الحافز للأدباء، وإنما لظروف عملي الدبلوماسي، وحتى الآن بعد انتهاء مهمتي الدبلوماسية بست سنوات، لا أرى أنه من المناسب أن أتقدم لجوائز الدولة، مع إمكانية أن أتقدم مستقبلًا للجوائز التي تمنحها المؤسسات المصرية الخاصة.
نعود لبداياتك مع عالم الرواية وتحديدًا في ليلة في حياة عبد التواب توتو/ وطفل شقي اسمه عنتر، أين الكاتب السارد الكبير محمد توفيق من هذه العوالم الفانتازيا والعجائبية بل والغرابية في رؤيته الآنية للرواية؟
أنا بالأساس كاتب تجريبي، أهتم دوما باستكشاف أشكال جديدة للسرد، وبإنتاج أعمال غير نمطية أو مكررة، وأحرص أن يكون كل عمل أكتبه تجربة جديدة ومثيرة ومختلفة عن أعمالي السابقة، وتعتمد روايتي الأربع وعدد كبير من قصصي القصيرة على مدخل الواقعية السحرية، كما تتراوح ألوان أعمالي بين الأدب الواقعي والتاريخي والبوليسي والتجسس والخيال العلمي وأدب الصحراء.
تعمل بالسلك الدبلوماسى وكانت آخر مناصبك التى توليتها هى سفير مصر في الولايات المتحدة الأمريكية حتى العام 2015، كيف إذا ترى علاقة السياسة والدبلوماسية بفضاءاتك الروائية وماذا استفدت من هذا المجال العملي والعلمي في مشروعك الأدبي؟
لا شك في أن العمل الدبلوماسي يتيح للكاتب أفقاً بانورامية للرؤية فيما يتعلق بالقضايا الدولية والتنوع الثقافي بين شعوب المختلفة، وأظن أن هذا يظهر أحيانا في أعمالي لكن بشكل غير مباشر، وقد حرصت على تجنب التناول المباشر لأي وجه من أوجه عملي الدبلوماسي أثناء الخدمة، وإن كان هذا الموقف يمكن أن يتغير مع مرور الزمن وابتعادي عن العمل الحكومي.
عن احتجابك الدائم بعيداً عن الأوساط الثقافية والإبداعية في المشهد المصري، هل هناك تعمد لبعدك أم أن هناك أسبابًا أخرى للاحتجاب والبعد؟
كان هذا طبيعيًا أثناء الخدمة الدبلوماسية حيث يأخذني عملي خارج البلاد، فقضيت بالفعل الجزء الأكبر في حياتي في الترحال بين قارات العالم وبلدانه، لكن بعودتي في 2015 أصبحت متفرغًا للكتابة الأدبية والأنشطة الثقافية، فأدير ورشة للكتابة الإبداعية مكتبة مصر العامة بالجيزة وأخرى على النت، كما أجري حوارات مع عدد من الكتاب العالميين والعرب، وأدير ندوات لمناقشة أعمال من الأدب العالمي، كما أشارك في الندوات الثقافية ونوادي القراء، وإن كنت – كما تفضلت - مقلًا في الظهور الإعلامي.
بصفتك الفكرية بمرجعيات السياسة والدبلوماسية، كيف ترى مستقبل الآداب والفنون في ظل طغيان الاستبداد والديكتاتورية التي تحكم وتتحكم في العالم؟
لا شك أن النظام العالمي يمر بمرحلة حرجة للغاية، فنشهد إرهاصات حرب باردة جديدة واضطرابات سياسية وأمنية في أنحاء مختلفة، متزامنة مع تغيرات عميقة للمناخ، وظهور أوبئة عالمية جديدة، وموجات متعاظمة من الهجرات البشرية، وتلاحق سريع للتقنيات الجديدة القادرة على تفتيت المجتمعات وإحداث اضطراب في أسواق العمل، سيكون لها مجتمعة انعكاسات سلبية عالمية على الصعيدين السياسي والاقتصادي والأمني، وستكون شعوب الدول النامية للأسف من أكبر المتضررين من هذه الظواهر. لكن مثل هذه التحولات العميقة والخطيرة عادة ما تنعكس على الآداب والفنون بظهور طفرات في الشكل وتنوع في الأسلوب وإلحاح في الإنتاج، وهو أمر سيدعمه التقدم التكنولوجي الكبير من حيث الشكل والمضمون، ومصر لا يمكن أن تكون بمعزل عن العالم، وعلى مجتمعنا أن يولد قدراته الذاتية على التكيف مع هذه الظواهر، ودور الكتاب والفنانين أساسي لإحداث القفزة المطلوبة في الثقافة والفكر.
ماهو تحلياك للفضاء السياسي والفكرى العلمي بل والأهم الجمالي الإبداعي في ظل الحروب بالوكالة وبالأوبئة كيف ترى وتتنبأ برؤى المستقبل في علاقة السياسي والجغرافي والتاريخي بمسارات الفنون في القادم؟
تتفاعل الآداب والفنون مع قضايا الإنسان والمجتمع سواء بشكل مباشر أو ضمنًا، لذلك يكون المبدع الحقيقي مدركًا للقضايا الكبرى متابعًا لتطوراتها، فوباء الكورونا أسدى ضربة موجعة للاقتصاد العالمي، والحرب الروسية الأوكرانية رفعت أسعار الغذاء بغض النظر عن قرب البلاد أو بعدها عن مناطق القتال، والتغير المناخي سيؤدي إلى ارتفاع مستوى البحر وتغيير معدلات الأمطار وجعل مناطق من الكرة الأرضية غير لائقة للحياة البشرية، فعلى سبيل المثال سوف تختفي تماما بعض الدول الجزرية رغم أن هذه الدول لم تقم بدور يذكر في تلويث البيئة، فكيف يؤثر هذا في حياة البشر العاديين؟
ماذا تستشرف انعكاسات تلك التقنيات الجديدة على الأنماط وسلوك البشر؟
التقنيات الجديدة من شأنها أن تبدل أنماط الحياة البشرية تمامًا، وهو موضوع كتابي القصصي الجديد المعنون "زهرة من حجر"، وخاصة بالنسبة لكيفية تفاعل المجتمعات التقليدية مع التطورات التكنولوجية المتلاحقة، فتضمين الكاميرا في الهاتف المحمول تسهل التقاط الفيديوهات للفتيات في أوضاع فاضحة، بينما شبكات التواصل الاجتماعي تتيح الفرصة لتطور العلاقات الغرامية مع أشخاص لا نعرف عنهم شيئا، ما يقود إلى نتائج غير محسوبة عند انتقال العلاقة إلى أرض الواقع، ثم كيف تتعامل مجتمعاتنا مع الإنسان الآلي.. وكيف يتفاعل الإنسان الآلي معنا؟ هل تحدث التطورات في العالم الافتراضي المجسم التحامًا كاملًا بين الواقع والخيال.. وهل يحل هذا مشاكلنا أم يضاعفها؟ وماذا عن الاستنساخ.. فهل ينجح الأثرياء في استنساخ أحبائهم المصابين أو المتوفين؟
وعلى جانب إنتاج الكتاب وتسويقه، فقد أحدثت شبكات التواصل الاجتماعي ثورة في الترويج للأعمال الأدبية، بصورة لها إيجابيتها كما لها سلبياتها، ومن جهة أخرى أحدث انتشار الكتاب الإلكتروني والكتاب المسموع ثورة لا زالت في بداياتها.
عن الرمز الفني والجمالي واستخدام تيمات المجاز والخيال في أعمالك الروائية وتحديدًا في سيرة توتو وطفل شقى اسمه عنتر، هل هي أساليب متعمدة للبعد عن المسائلة الرقابية أم أن هناك خطاب تفكيكي آخر منتظر من طروحاتك الروائية تلك الحاذقة؟
الأدب الجيد ثوري بالضرورة، لأنه يطرح رؤية جديدة للعالم، ما يتعارض مع المفاهيم السائدة، وأعمالي ليست استثناء في هذا الشأن، وإن كنت أكره التلقين وأعتبر أن الأدب الناجح هو الذي يترك الخيارات مفتوحة أمام القارئ، والأدب الحديث بصفة عامة، والتجريبي منه بوجه خاص، يتخلى عن عالم الرومانسية المهندس بدقة والتي تسير فيه الأمور وفقًا لمنطق محكم، وفي هذا السياق تخلط رواية "ليلة في حياة عبد التواب توتو" بين الواقعية الصادمة من جهة، والميتافيكشن والواقعية السحرية من جهة أخرى، أما رواية "طفل شقي اسمه عنتر" فهي رواية بوليسية تتضمن نقدًا اجتماعيًا لكنها أيضًا تغوص في الروحانيات، والعملان معًا يقدمان تطور المجتمع المصري خلال قرن من الزمن هو القرن العشرين، من خلال كتابة ديناميكية تشكل عنصر الزمن ثم تعيد تشكيله، وتعتمد على بناء حداثي غير مقيد بالاعتبارات التقليدية.