رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى الانتخابات الرئاسية 2012 و2014 (1)


وأنا أشاهد خروج ملايين الشعب المصرى بإرادتهم لاختيار رئيس مصر القادم فى مشهد من البهجة والفرح لمدة ثلاثة أيام، رجعت بالذاكرة إلى مايو 2012 مع إجراء أول انتخابات لرئيس مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، وكانت جماعة الإخوان المسلمين قد أكدت من قبل أنها لن تقدم مرشحا لرئاسة الجمهورية، وستكتفى بالترشح على نسبة معينة من مقاعد البرلمان...

... قالوا بالحرف الواحد: لابد من أن يقود المرحلة ائتلاف وطنى من جميع التيارات السياسية لأنه لا يستطيع أى فصيل وحده أن يقود نظرا للتحديات الكبيرة والمشاكل الاقتصادية التى تعانى منها البلاد. لكنهم يتنفسون الكذب ليل نهار، ويعملون وفق مصلحتهم ومخططهم كما اكتشف حينما وصلوا إلى السلطة.

بدأت معالم مخطط الانفراد بالسلطة وأخونة الدولة مع الإعلان الدستورى فى 19 مارس 2011 وبداية استخدام الدين والجنة والنار والشريعة وخلط الدين بالسياسة وشعارات الإسلام هو الحل. منذ هذا التاريخ بدأت الجماعة وأتباعها من جميع التيارات المتأسلمة (الجهادية والسلفية والجماعة الإسلامية وأحزاب مصر القوية والوسط والعمل وغيرهما) فى استخدام الشعارات الدينية لدغدغة مشاعر المصريين المتدينين بطبيعتهم، وتكفر كل المعارضين السياسيين. واستطاعت الجماعة، والتى هى قائدة التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، الاتفاق مع الدول الاستعمارية الكبرى، وعلى رأسها أمريكا، على مخطط السعى للانفراد بالحكم فى مقابل المشاركة فى مخطط تفتيت مصر والدول العربية وتدمير الجيش والدولة فيما عرف بمخطط الشرق الأوسط الجديد.

استطاعت الجماعة وأنصارها الدخول إلى البرلمان بأغلبية كبيرة، وبدأوا فى تشكيل الجمعية التأسيسية بأغلبية من الفصائل المتأسلمة وإقصاء التيارات المدنية والقوى السياسية باستثناء تمثيل رمزى لا يؤثر فى طابع الدستور المتأسلم الذى يريدونه. نتيجة لهذا جاء دستور 2012 الذى يعبر عن فصيل واحد متاجر بالدين مشوها لهوية الدولة المصرية ومؤسسا للتمييز بين المواطنين على أساس العقيدة وممهدا لدولة دينية على حساب الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

شهدت الانتخابات الرئاسية فى 2012 نزول العديد من المرشحين ممثلين عن كل من جماعة الإخوان المسلمين، وانشقاقها (عبد المنعم أبو الفتوح) ونزول رمز بارز للنظام المخلوع هو آخر رئيس وزراء حلف اليمين أمام حسنى مبارك. كما نزل عدد من المرشحين المحسوبين على تيار القوى الوطنية الديمقراطية الثورية. حصل حمدين صباحى أبرز المنتمين إلى تيار الثورة على 4.8 مليون صوت واحتل المركز الثالث. بينما تمت الإعادة بين اثنين يمثلان كلاهما القوى المضادة للثورة: أحدهما يمثل نظام مبارك الفاسد التابع المستبد، والآخر يمثل لليمين الفاسد التابع ولكن المتاجر أيضا بالدين والمكفر لخصومه السياسيين. تميزت هذه الانتخابات بخروقات عديدة وانتهاكات لم ترعها اللجنة العليا للانتخابات نظرا لضغوط القوى الفاشية الدينية التى هددت بحرق البلاد فى حالة عدم فوز مرشحها، ونظرا للضغوط الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية التى وقفت ومازالت تقف لمساندة هذه القوى الإرهابية. تمت تلك الخروقات تحت أعين وبتواطؤ المجلس العسكرى الذى كان يحكم وقتها. وسط كل هذه الظروف جاء الرئيس المنتخب محمد مرسى بنسبة لا تزيد إلا قليلا جدا عن 50%. فبعد حصوله فى المرحلة الأولى على حوالى ربع الأصوات (أكثر قليلا من خمسة ملايين صوت) ارتفع منتخبوه فى المرحلة الثانية إلى 13 مليون صوت حيث اضطر عدد كبير من المصريين إلى إعطائه صوتهم حتى لا يجىء رئيس من النظام المخلوع وكأن الثورة لم تقم. وفى نفس الوقت قاطعت قوى ثورية وديمقراطية المرحلة الثانية من الانتخابات أو ذهبت لإبطال صوتها، وكنت من الأخيرين لأنه لا يمكن أن نعطى صوتنا لمن نرى أن كلا المرشحين وجهان لعملة واحدة يمثلان القوى المضادة للثورة. كما تميزت هذه الانتخابات فى مرحلة الإعادة باستخدام مكثف للمال السياسى بما فيها شراء الأصوات وإذلال الفقراء بشراء أصواتهم بتوزيع السلع الغذائية بما فيها اللحوم والزيت والسكر. انتهاكات كثيرة منها منع المسيحيين فى بعض قرى الصعيد من الوصول إلى لجان الانتخابات بقيام الجماعات الإسلامية الإرهابية بمحاصرة أحيائهم بالأسلحة. ولا ننسى الاستمارات الانتخابية المزورة سلفا لصالح مرسى والخارجة من المطابع الأميرية، وغير هذا من أشكال التزوير. حصل حكم الجماعة الإرهابية على منصب الرئيس الحاكم فى التقاليد المصرية، واستمر لمدة عام كان كفيلا بكشفهم كجماعة لا دين ولا وطن ولا ضمير ولا أخلاق لهم، يبيعون كل شىء ويفرطون فى أى شىء مقابل مليارات من الدولارات تتدفق عليهم من الغرب. سنة تم فيها محاولة تقويض مؤسسات الدولة. حاولوا أخونة القضاء بإحالة 3500 قاض إلى التقاعد وتعيين محامين إخوان بدلا منهم مستخدمين حصار المحكمة الدستورية العليا كأسلوب. كما حاولوا السيطرة على الإعلام بحصار مدينة الإنتاج العلامى بنية إرهاب الإعلام وربما إغلاق القنوات الخاصة. كما تم الاعتداء لأول مرة على مشيخة الأزهر والكاتدرائية المصرية. حاولوا أخونة جهاز الشرطة، كما أعدوا للدخول فى صدام كبير مع الجيش يستدعى التدخل الغربى وفق السيناريو الليبى السورى.

..وللحديث بقية