الروائي الفرنسي باتريك موديانو: الكتب الجيدة لها وظيفة أخلاقية
يحظى الروائي الفرنسي باتريك موديانو بأهمية كبرى في مختلف أنحاء العالم، فقد حاز على جائزة نوبل في العام 2014، وتُرجمت أعماله إلى 36 لغة، كما كتب 28 رواية ترتكز حول الذاكرة الشخصية والتاريخية والسياسية.
منح البعد الذاتي خصوصية لكتابات موديانو، تمكن على إثرها من الفوز بنوبل، إذ جاء في خطاب اللجنة إن موديانو استحق الجائزة لتمكنه من "فن الذاكرة الذي أنتج أعمالًا تعالج المصائر البشرية العصية على الفهم".
أجرت صحيفة "نيويورك تايمز" حوارًا مع موديانو حول علاقته بالكتب وما يتصل بذلك من قراءاته الأثيرة وكُتابه المفضلين وأفكاره حول الكتابة.
علاقة مع الكتب
أشار موديانو في الحوار إلى أن هناك أكوامًا من الكتب التي يقرأها كثيرًا قبل النوم وهي من الكلاسيكيات، لكنه استطرد: "أرجوك سامحني، أنا في خضم تأليف كتاب ولا يمكنني إلا أن أقدم لك إجابات موجزة".
رأى موديانو أنه لا يمكن كتابة كتاب عظيم بشكل سيء، إذ يجب أن يكون للكتاب الرائع أسلوب لا يُنسى وموسيقى خاصة.
ولفت إلى أن أفضل تجارب في القراءة قد حققها من قراءة أعمال كل من ستاندال وديكنز وبلزاك وتولستوي وتشيكوف وملفيل، وجميع الكتاب العظماء في القرن التاسع عشر، فضلًا عن كُتاب من القرن الثامن عشر مثل الأب بريفوست، ورستيف دي لا بريتون، ومذكرات دوك دو سان سيمون وغيرهم.
وبسؤاله عن كتاب القرن العشرين الذين نالوا إعجابه قال: "منذ أن كان عمري 16 عامًا، أعجبت بإرنست همنغواي وكارسون ماكولرز وسيزار بافيز ومالكولم لوري والشاعر دبليو بي. ييتس، وكذلك برواية "الجبل السحري" لتوماس مان.
مؤلف مُفضّل غير معروف
تحدث موديانو عن كاتب شاب غير معروف لكنه يتنبأ له بمستقبل إبداعي مزدهر، وهو تريستان إيغولف، وعنه قال: كان هناك كاتب شاب التقيت به وأعجبت به. في رأيي، هو من أعظم أبناء جيله، دخلت غرفته ذات مساء في شتاء عام 1995، وكانت على المنضدة كومة من الأوراق التي تضم تصحيحات لا حصر لها ، فيما كانت الكلمات متقاربة للغاية، أنا متأكد من أن تريستان إيغولف، بكتابته الميكروسكوبية، سيجد مكانته اللائقة بين عظماء الأدب الأمريكي.
الرواية الذاتية
ردًا على سؤال: "كنت أول من يُطلق عليه "كاتب رواية ذاتية" يفوز بجائزة نوبل، وهو إنجاز كررته للتو ابنة بلدك آني أرنو.. من هم كتّاب الأدب الذاتي الذين توصي بقراءة أعمالهم؟ أجاب موديانو: لم أفهم أبدًا ما هو المقصود بعبارة "الخيال الذاتي"، يبدو لي أن جميع الكتاب، سواء كانوا روائيين أو شعراء، يجدون الإلهام من كل ما عاشوه وشاهدوه قبل صياغة هذه المادة في شكل معين.
وأضاف أن معظم الروائيين يعتمدون على الذاكرة في كتاباتهم، فهم ليسوا مثل الصحفيين سجناء الحاضر المباشر، وفي حالة كتابة الروائي لعمل مستوحى من الحاضر المباشر، فإنه سيضفي على هذا الحاضر بعدًا أدبيًا مختلفًا.
واستطرد: الواقع أنه بمجرد إعادة المؤلف النظر في الموضوع وتخيله، فإنه يكسبه قوة جذب إضافية وصدى خاص لم يكن يمتلكه في البداية، وهذا ما يبرر جاذبية الروائي بالنسبة لقارئه.
كتب عن فرنسا
بسؤاله عن الكتب التي يرشحها لمن يريد معرفة المزيد عن فرنسا، قال موديانو إنه لا يعرف كتبًا عن فرنسا وإنما عن باريس، ورشّح في هذا الصدد رواية "عيد متنقل" لإرنست همنجواي.
أما الكتاب الفرنسيون المعاصرون الذين رأى أنهم يستحقون جمهورًا أكبر، تحدث موديانو عن راموز وهو كاتب سويسري يتحدث الفرنسية، قائلًا: "ربما يكون أعظم كاتب في القرن العشرين من حيث النثر والأسلوب الفرنسي، وكذلك أندريه دوتيل، وهو مؤلف لأكثر من 30 رواية من نوع ما يمكن أن يسمى الواقعية السحرية، وأيضًا غاستون باشلار وهو أيضًا أستاذ في النثر الشعري".
لفت موديانو إلى أن أكثر ما يجذبه في العمل الأدبي هو الأسلوب والموسيقى، مشيرًا إلى أنه يفضل الكتب التي تصل إليه عاطفيًا وليس فكريًا.
قراءات الطفولة
قال الكاتب العالمي إن جيله كان يقرأ في الطفولة كثيرًا لأنه لم يكن هناك تلفزيون أو إنترنت، موضحًا أنه قرأ آنذاك "جزيرة الكنز" لروبرت لويس ستيفنسون، و"الفرسان الثلاثة" لألكسندر دوما، كما قرأ لكل من مارك توين وهانس كريستيان أندرسن وأنتوني هوب ومارسيل أيميه.
وردًا على سؤال: هل تخدم الكتب وظيفة أخلاقية في رأيك؟ قال موديانو: "الكتاب الذي يُحركك أو يثيرك بعمق يجعلك شخصًا أكثر حساسية، وبالتالي شخصًا أفضل، وهذه هي وظيفته الأخلاقية".