رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائية الهندية جيتانجالي شري: عندما نكون محاطين بالعاصفة لا يمكننا الكتابة عنها

الكاتبة الهندية جيتانجالي
الكاتبة الهندية جيتانجالي شري

مؤخرًا ألقت الروائية الهندية جيتانجالي شري، الفائزة بجائزة البوكر الدولية في العام الماضي عن روايتها "ضريح الرمل"، خطابًا تحدّثت فيه عن مسئولية الكاتب إزاء المجتمع ومسئولية المجتمع تجاه الكاتب، متطرقة للحديث عن خواطرها الخاصة بصفتها كاتبة إزاء هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة ذات الصلة بالكتابة وعوالمها.  

كيف يرى المجتمع الكاتب؟

تروى شري مقتطفات من حياتها باعتبارها كاتبة امرأة تكتب بلغتها الأم وليس اللغة الإنجليزية، وتحاول من خلال سرد بعض المواقف في هذا الصدد الوقوف على بعض الإشكاليات المتعلقة بالكتابة والنظرة إلى الكاتب في المجتمعات الراهنة.

لا يمنح الكثيرون عمل الكتابة ما يستحقه من تقدير، تروي شري أنها بعد صدور بعض أعمالها وإجراء مقابلات معها ومراجعات لأعمالها، سألها قريب لها ما الذي تفعلينه؟ لم تكن إجابة "أكتب" مقنعة بالنسبة إليه. 

تعلق الكاتبة الهندية: "الكثير من الناس لا يعتبرون الكتابة شيئًا مهمًا، ينظرون إليها كشيء تفعله من أجل المتعة، بشكل عرضي، لكن في الواقع ماذا تفعل؟".

قصة أخرى تكشف جانبًا من التعاطي مع الكتابة ترويها شري، وهي الدهشة من كتابتها بلغتها الأم؛ الهندية. 

تقول: يفترض معظم الناس أنني يجب أن أكتب باللغة الإنجليزية. عندما يعلمون أنني كاتبة هندية،  يسألون: لماذا تكتبين بالهندية؟ لماذا ليس باللغة الإنجليزية؟.

وتتابع: إنهم مندهشون وآسفون لي، ويظنون دائمًا أنه اختيار سيء، لماذا تكتب بلغتك الأم وليس بلغة أجنبية؟ سؤال غريب أن تطرحه على كاتب. أعرف أن اللغة الإنجليزية ليست لغة أجنبية كما كانت في السابق، ولكن لماذا يجب أن تفاجئ كتاباتي بلغتي الأم أي شخص؟ لا أحد يسأل شخصًا فرنسيًا "لماذا تكتب بالفرنسية وليس بالإنجليزية؟". 

حكاية أخرى تسترعى الانتباه تسردها شري في خطابها تتعلق بكونها امرأة كاتبة، تقول: "أنا امرأة محظوظة إلى حد ما، فلم أشعر بتمييز ضدي في مهنتي بالكتابة، لكن أظن أنه لا توجد كاتبة تفلت مما نسميه التمييز المنهجي؛ طريقة معينة للنظر إلى النساء، ما نسميه غالبًا نظرة الذكور في المجتمعات الأبوية، وهذا أمر سائد جدًا".

وتوضح: يُنظر إلى المرأة الكاتبة على أنها تفعل شيئًا محدودًا، أو تحاول التحلي بالجرأة بالتحدث عن الشهوانية والجسد، أو يقال لها بإعجاب لقد كتبتِ عن موضوع لا يتعلق بالمرأة، لقد وسعت عملك إلى ما هو أبعد من النساء. يُظهر هذا محدودية من يقولون ذلك، فالانقسام بين المنزل والعالم هو فجوة مصطنعة خلقها الرجال.

ما هي وظيفة الأدب؟

تقول شري: الأدب هو ما يوقفك في مساراتك عندما تُسرع في أنشطة الحياة والعالم. يوقفك ويجعلك هادئًا ويجعلك تفكر وتلاحظ من حولك. عندما تفعل ذلك، تبدأ أيضًا في التساؤل عن الأشياء. بعد ذلك، تبدأ في طرح الأسئلة ثم الشك وإعادة التفكير في أشياء كثيرة كنت تعتقد أنك تعرفها بالفعل. 

وتتابع: هذه عملية تدفع بالمعرفة إلى الأمام وتدفعك إلى الأمام في البحث عن الحقيقة والمعنى، إنها وظيفة مهمة.

تعتقد شري أن الأدب يتعلق بإجراء حوار مع النفس ومع العالم، ولا يمكن القيام بذلك على عجل. إذا كنت هادئًا وتنظر إلى نفس الأشياء من حولك، فإنها تظهر بمزيد من التفصيل، هذا يشحذ حساسيتك لأنه لا ينبغي أن ننظر إلى الواقع من منظور سطحي ونكتفي بذلك، فخلف السطح توجد طبقات عديدة من الواقع تبدأ في الظهور بالتركيز والمراقبة والتجربة.

ترى الكاتبة الهندية أن الكاتب لا يمثل نفسه فقط، فهو جزء من الإنسانية وجزء من المجتمع، فعبر كتاباته يستطيع التعبير عن اللا وعي الجمعي. 

لماذا لا يُمنح الأدب حقه؟

لماذا لا يُنظر إلى الكاتب على أنه شخص مهم جدًا لإدارة المجتمع؟ لماذا لا يتم اللجوء إلى الأدب بحرية وإيمان لفهم كيفية إدارة المجتمع بشكل أفضل؟

تقول شري: السبب يكمن في شيئين على الأقل؛ الأول هو ماضينا الاستعماري، والثاني هو حاضرنا الكرنفالي المحير، والفكرة التي أعطاها لنا كلاهما عن الفائدة أنها شيء فوري وبالأحرى نفعي.

توضح: جعل الماضي الاستعماري الأدب شيئًا وظيفيًا، موجهًا نحو هدف القومية والإصلاح، كان هذا جيدًا في هذا الوقت الذي سادت فيه الواقعية الاجتماعية لكن المشكلة هي أنه من المخلفات التي نحملها حتى اليوم. 

يجعلنا حاضرنا المربك بتغيراته العاصفة بحاجة إلى إجابات فورية؛  لقد أغرتنا فكرة كل شيء فوري؛ إجابات ونتائج فورية، صرنا بحاجة إلى أن نرى على الفور كيف يتم حل المشكلة، لذلك يمكننا أن نفهم ونحترم المهندس لأنه يصنع جسرا، وأن نحترم العالم الذي يذهب إلى المختبر ويخرج بلقاح، والطبيب الذي ينقذ الأرواح، لكن مع الكاتب، ليس هناك ما تراه، لا يوجد شيء مثير أو فوري.

تستطرد: عندما نكون محاطين بالعاصفة، لا يمكننا الكتابة عنها بالطريقة التي نحتاجها، نحن بحاجة إلى المسافة والانفصال عن الموضوع، الناس يقصرون فكرة ماهية الأدب على شيء فوري يمنحهم تقريرًا لحظيًا عن شيء ما يمكنهم فهمه واستخدامه على الفور، فيضغطون على الكاتب ليكون فوريًا. 

إن العصر والمجتمع والدولة كلهم ​​يضغطون على المؤلفين والأدب لرعاية المجتمع بطريقة معينة، في حين أنه يتعين على المجتمع أن يهتم بالأدب ويتركه يزدهر ويخلق عالمه الخاص، فالأدب مهم بصفته حاملًا للغة والثقافة، وهو ليس مجرد وسيلة لتحقيق غاية، إنه غاية في حد ذاته.