إيتالو كالفينو يتحدى النقاد في «العالم المكتوب والعالم غير المكتوب»
يحظى الروائي والناقد الإيطالي إيتالو كالفينو بتقدير القراء والنقاد من مختلف أنحاء العالم لما قدمه من روايات تحتفظ بأسلوبها التجريبي الخاص، إذ قدّم أعمالًا تمزج ما بين الواقع والأسطورة في سرد روائي مميز.
وتُرجمت أعمال كالفينو إلى كثير من اللغات، ومنها العربيّة، فقد اهتم القراء العرب بإصداراته الروائية وغير الروائية على الرغم من صعوبتها في بعض الأحيان، ومن أعماله المترجمة إلى العربية "مدن لا مرئية"، والسيد بالومار"، وناسك في باريس"، و"لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي"، وغيرهم.
منذ وفاة الموسوعي الإيطالي في عام 1985، ظهر ما لا يقل عن ستة كتب غير روائية باللغة الإنجليزية، وتم تجميعها في سيرته الذاتية "الطريق إلى سان جيوفاني"، و"ناسك في باريس"، وكذلك في كتابات النقد الأدبي وهي "المذكرات الست للألفية الجديدة"، و"لماذا تقرأ الأدب الكلاسيكي".
كتاب جديد
في كتاب صدر له حديثًا بعنوان "العالم المكتوب والعالم غير المكتوب" تقدم مقالات العبقري الإيطالي استكشافًا عميقًا لفن القراءة والكتابة، كما تغطي كتاباته الأدبية منذ عام 1952 إلى عام 1985.
يحكي كالفينو في الكتاب، حسبما توضح المراجعة التي قدمتها "الجارديان" للكتاب"، عن كُتّابه المفضلين، وهم مجموعة من الكتاب الموثوقين الذين يمكن توقعهم؛ ستاندال وبوشكين وتشيكوف، ومن الكاتبات جين أوستين وكاثرين مانسفيلد.
قارئ حاد
يكشف الكتاب عن جانب من حدة كالفينو إزاء قراءات الآخرين لأعماله، فباعتباره قارئًا صعب المراس، لم يكن ليجد سهولة في الإذعان لقراءات الآخرين لعمله، وهذا ما يتبيّن فيما كتبه إلى الناقد الذي امتدح عمله "وقت الصفر ".
كتب كالفينو: "يسرني أنك أحببت عملي، لكن كلما كان الكتاب غير محبوب، زادت أهميته، وكلما زادت صعوبة استيعاب العمل، كانت أهميته أكبر".
رغم ذلك، كان كالفينو قد صرّح في مكان آخر أنه يأخذ على عاتقه "إمتاع القراء، أو على الأقل عدم إشعارهم بالملل".
يقدّم كالفينو في أعماله هذه الموازنة بشكل ما، إذ يطرح أفكارًا معقدة بأسلوب سلس، وهذا ما يظهر في جميع أعماله الناضجة لا سيما "مدن لا مرئية"، و"السيد بالومار".
ويعبر كالفينو عن هذا التوتر بين استرضاء القارئ وتحديه بطريقة أخرى حينما يقول: " بدون الطليعة يموت الأدب، لكن "الطليعة الدائمة" لا تقل إشكالًا.
مراجعات لأعمال أدبية
يضم الكتاب مراجعات لكتب علمية قدمها كالفينو، ومراجعات أخرى لأعمال روائية، يجادل كالفينو في أحد المقالات بأن توماس مان هو في الحقيقة مؤلف من القرن التاسع عشر، بينما قام ويليام فولكنر بإفساح الطريق نحو التقدم. يقول: إما أن نكتب بهذه الطريقة أو سيُحكم على الأدب بأن يصبح شكلاً فنيًا ثانويًا".
ويصف رواية "لوليتا" لنابوكوف بأنها "عمل رائع لأنه يقدم الكثير من الأشياء في نفس الوقت، كما أنه يوجه الانتباه إلى اتجاهات لا نهائية في الوقت ذاته"، هذا الوصف ينطبق على أدب كالفينو أيضًا.
ويطرح في مقالات أخرى تأملات حول طرق النظر إلى الأشياء، ففي مقال له يتأمل قلقه من العالم الحقيقي خارج الكتب، ويسأل نفسه؛ "لماذا ترغب في المغامرة في هذا العالم الشاسع الذي لا يمكنك إتقانه؟"، وكانت إجابته عبر كتابة هذا العالم لمساعدة القراء العاجزين مثله عن رؤية العالم وفهمه أيضًا عبر ما هو مكتوب.