حوار حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد
احترامًا لنهج الإصلاح الاجتماعى الذى تسير عليه الدولة المصرية والذى يهدف إلى ضمان استقرار حياة المصريين الشخصية حتى يستطيعوا أن ينتجوا بشكل أفضل.. أريد أن أشارك فى الحوار المجتمعى حول مشروع قانون الأسرة الجديد الذى يتم العمل عليه داخل وزارة العدل استعدادًا لتقديمه لمجلس النواب.. إننا لا نعرف عن القانون سوى المعلومات الصحفية التى تضمنتها تغطيات مختلفة.. أولاها لاجتماع الرئيس مع الفريق المختص بصياغة مشروع القانون ونقاشه معهم حول النص على أن يتكفل صندوق الأسرة المصرية بالإنفاق على الأسر التى يمتنع عائلها عن الإنفاق عليها إثر انفصاله عنها.. والحق أننى طالعت تصريحًا للسيد المستشار وزير العدل يكشف فيه عن مادة فى القانون تنص على أن يكون الطلاق فى أول ثلاث سنوات بإذن من القاضى المختص!! وأريد أن أكون صادقًا فأقول إننى انزعجت من هذه المادة أشد الانزعاج.. وسبب انزعاجى أنها مادة تصادر الحرية الفردية للأزواج وتصادر إرادتهم فى تقرير مصيرهم.. وتمنح القاضى سلطة تشبه سلطة بابوات الكنيسة فى العصور الوسيطة.. وتفتح بابًا لا داعى لفتحه من شبهات حول قرار القاضى وصواب تقديره لمن يستحق الطلاق من زوجته ومن لا يستحق.. وأنا بلا شك مقدر للدافع النبيل للتفكير فى هذه المادة وهو الحرص على استقرار الأسر المصرية وتقليل معدلات طلاق صغار السن التى ارتفعت ارتفاعًا كبيرًا فى السنوات العشر الماضية وربما قبلها.. ورغم تقديرى لهذا الدافع النبيل إلا أننى ضد هذه المادة التى تقيد حق الإنسان فى الاستمرار فى حياته الزوجية أو إنهائها.. وأول أسباب هذا الرفض أنها ستفتح الباب أمام اللجان الإرهابية للطعن فيها من زاوية الدين.. والادعاء بأنها تقيد حقًا منحه الله للزوج والزوجة أيضًا إذا كان من حقها تطليق زوجها وفق عقد الزواج.. وثانى مبرراتى أننى أتفق مع الدافع النبيل للمشرع وهو الرغبة فى تقليل حالات الطلاق.. ولكننى أقول إن الحل هو نشر الوعى بماهية الزواج.. وتثقيف الطلاب فى المدارس حول ماهية العلاقة بين الزوج والزوجة.. وتعليم شبابنا وشباتنا كيف تكون معاملة كل منهم للآخر.. وتدريس الصحة الإنجابية للجميع لأن عددًا كبيرًا جدًا من حالات الطلاق فى سن صغيرة بسبب الإخفاق فى التواصل العاطفى بين الزوجين وهو سدة الزواج ولحاه.. فالله سبحانه وتعالى يقول «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة» والسكن والمودة والرحمة هى العاطفة وهى الحياة الخاصة السليمة والصحية بين الزوجين.. وهى الحب الذى لا تستقيم الحياة بدونه بين زوج وزوجة ولا يتحمل أحدهما الآخر.. وهذه كلها أمور لا يفرضها قانون ولكن يمكن العمل عليها بنشر الوعى والتثقيف والتدريس العلمى السليم.. من أسباب طلاق صغار السن تصميم بعض الأهالى على تزويج الفتاة ممن لا تحب ولا توافق عليه.. وهذا أمر ضد الإنسانية وضد الشرع ويجب أن نوعى الناس به قبل أن نقيد الحق فى الطلاق وكأننا نساعد على استمرار هذا الوضع البائس.. من أسباب طلاق صغار السن أيضًا ذلك الإرهاق العصبى والبدنى الناتج عن المطالب المادية المبالغ فيها فى تأثيث وتأسيس منزل الزوجية والانهماك فى مئات التفاصيل والكماليات والأجهزة والدهانات و«الرفايع» والمفروشات.. وخلاف الأسر حول من يشترى ماذا.. وهو ما يجعل العروسين يصلان إلى ليلة الزفاف وقد خارت قواهما وتسللت لهما المشاعر السلبية وكره كل منهما الآخر وتمنى لو تفشل الزيجة لولا الخوف من شماتة الأعداء ولوم اللائمين.. والحل أن نوعى الشباب بماهية الزواج كعلاقة عاطفية روحية وجسدية وليس كشراكة مادية وعقود وقوائم وشيكات.. وليس الحل بالتأكيد أن نجبر هذه الحالات التعيسة على الاستمرار بقوة القانون ونقول لها لا طلاق إلا بإذن من القاضى.. حيث يأخذنى هذا السبب الرابع للاعتراض وقبل أن أكتبه سأطلب من سيادة المستشار عمر مروان وزير العدل أن يدرس كل حالات القتل المتبادل بين الأزواج والزوجات فى العشر سنوات الأخيرة، وسيجد أن إجبار الزوجين على الاستمرار معًا كان أحد الدوافع لهذا الانفجار الدموى على يد أحد الزوجين لينهى تعاسته مع الطرف الآخر، أو ليعبر عن كراهيته الدفينة لهذا الطرف الذى أجبر على الاستمرار معه لأى سبب مادى أو اجتماعى أو دينى.. ولا يجوز أبدًا أن نضيف لحالات الاستمرار الإجبارى هذه سببًا قانونيًا يعطل الطلاق إلا بموافقة القاضى.. لأننا بهذا ننزع الأهلية عن الزوج أو الزوجة ونمنحها للقاضى وهذا أمر غير منطقى رغم نبل الغاية من ورائه.. والأكيد أن طلاق الزوجين رغم أضراره أفضل من أن يقتل أحدهما الآخر لأنه أرغم على الاستمرار معه حتى وصل لمرحلة الانفجار.. إننى أقول مخلصًا إن أضرار هذه المادة أكثر من نفعها بكثير وإنها تعتدى على حق أصيل من حقوق الإنسان كفله له الدستور وهو حق تحرير العقود وفسخها ما دام يلتزم بشروط هذه العقود التى وقع عليها الطرفان.. وأقول إن الحل هو فى مزيد من التوعية بتبسيط علاقة الزواج لا فى تعقيدها ولا تحويلها لمؤسسة يشارك فيها القاضى والمأذون والأهل والأقارب.. نحن نريد حل مشكلة تأخر سن الزواج التى تنتج عنها سلبيات مثل التحرش والاغتصاب وزنا المحارم والكبت والاكتئاب وانحراف المزاج وقلة الإنتاجية.. والحل أن ندعو لتسهيل شروط الزواج ولعدم الإنجاب فى أول خمس سنوات حتى يطمئن الزوجان أن اختيار كل منهما للآخر كان صحيحًا.. أما فى حالة الاختيار الخاطئ أو الخداع أو الضعف الصحى أو عدم الانسجام أو العنف من طرف ضد آخر.. فمن حق من يريد أن ينهى زواجه ولو بعد أسبوع واحد من الزواج.. لأن الاستمرار فى الخطأ خطأ.. ولأن الاستمرار فى حياة تعيسة لا يعنى أن رفض القاضى الطلاق سيحولها لحياة سعيدة.. أنا مع تأسيس صندوق الأسرة ومع النص على كل الضمانات فى وثيقة الزواج ومع تقييد الطلاق الشفهى لأن الحياة الحديثة ليس فيها أى معاملة شفهية لا الزواج ولا الامتحان ولا التعامل مع البنك.. إلخ ورغم تأييدى لكل هذه المواد.. فأنا ضد تقييد حق الطلاق فى أول ثلاث سنوات من الزواج من حيث الشكل لأنه اعتداء على حق الإنسان فى تقرير حياته وبأنه عودة للخلف، ومن حيث المضمون لأن أضراره أكثر من منافعه بكثير... هذا هو رأيى الذى أحببت أن أساهم به فى الحوار حول القانون الذى أؤيده بشكل عام وأحتفظ لنفسى بالتحفظ على المواد التى أراها ضارة فيه.