«إسهامات مد جسور التواصل».. دراسة تبرز أهمية القمة العربية الصينية الأولى
أصدر المرصد المصري، التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة بعنوان "القمة العربية الصينية الأولى.. البحث عن تعزيز الشراكة"، متناولا توجه الرئيس الصيني “شي جين بينج” لزيارة إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في ثلاث قمم متتالية؛ قمة سعودية صينية، وقمة خليجية صينية، وأخيرا قمة عربية صينية.
وأوضحت الدراسة أنه تعد القمة الأخيرة هي القمة الأولى من نوعها ما بين الصين والدول العربية، والتي سيجرى في إطارها بحث أفق تطور العلاقات الصينية – العربية، وتنسيق الآراء والمواقف إزاء القضايا العالمية والإقليمية المختلفة، ورسم مجالات وسبل التعاون الصيني العربي في المستقبل.
وتطرقت الدراسة إلى أهم ركائز السياسة الصينية تجاه المنطقة والسياق الذي تعقد فيه القمة العربية الصينية، بجانب محاولة استلهام المجالات التعاونية بين الجانبين لمعرفة ما تستهدفه القمة، والتوصل إلى ما إذا كانت الصين يمكنها من خلال ذلك أن تحل محل النفوذ الأمريكي في المنطقة وكيفية حدوث ذلك، وخاصة أن الصين تعد من الدول المتأخرة نسبيا في التعامل مع المنطقة؛ نظرا إلى ما تستحوذ عليه الولايات المتحدة من علاقات استراتيجية مع العديد من دولها، فوجودها يشهد تزايدا في الآونة الأخيرة، في ظل عدد من العوامل أهمها الترجيحات بتراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة وتوجهه لصالح آسيا بشكل أكبر، بالإضافة إلى الرغبة الصينية في تعزيز مصالحها على الممرات البرية والبحرية لتأمين مبادرة الحزام والطريق التي أُطلقت في عام 2013.
وأشارت الدراسة إلى أنه على مدار ما يزيد على الستين عاما منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، تعمقت علاقات التعاون والعمل الصيني العربي، فتمت إقامة علاقات شراكات استراتيجية شاملة مع مصر، والسعودية، والإمارات، والجزائر، والمغرب؛ وعلاقات شراكة استراتيجية مع: قطر، والكويت، والبحرين، وسلطنة عمان، والأردن، وجزر القمر، وجيبوتي، والسودان، والعراق، فضلا عن إرساء آلية الحوار الاستراتيجي بين الصين ومجلس التعاون الخليجي.
كما تطرقت الدراسة للتعاون الاقتصادي، فتعد الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية، وعزز من تحقق هذا الأمر تأسيس منتدى التعاون العربي الصيني، ومبادرة الحزام والطريق، والتى شاركت الدول العربية والجامعة العربية بنشاط في الدورة الأولى لمنتدى “الحزام والطريق” للتعاون الدولي المنعقدة في بكين في مايو عام 2017، وكذلك العلاقات على المستوي السياسي وفقًا لوثيقة السياسة الصينية تجاه الدول العربية الصادرة في عام 2016، تستند الصين إلى مجموعة من الأسس في سياستها تجاه المنطقة العربية؛ منها الالتزام بمبادئ التعايش السلمي الخمسة القائمة على الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي.
ومن الناحية العسكرية، شهدت السنوات الماضية تناميًا في مستوى التنسيق وتبادل الخبرات العسكرية ما بين الصين والدول العربية، وفى مجال الطاقة النظيفة، انخرطت شركات صينية في تنفيذ مشروعات طاقة كهروضوئية في عدد من البلدان العربية، أبرزهم الأردن والسعودية والإمارات وقطر. فعلى سبيل المثال، شاركت Shanghai Electric في بناء محطة طاقة هجينة تعمل بالطاقة الكهروضوئية والحرارية الضوئية في دبي، وهي حاليًا الأكبر من نوعها في جميع أنحاء العالم.
وفي سياق مكافحة جائحة كوفيد- 19، حقق التعاون العربي الصيني نجاحًا جديدًا في مجالات تطوير اللقاحات والإنتاج المشترك لها وتطوير الأدوية ذات الصلة.
وأشارت الدراسة إلى أن من الأسس التي تقوم عليها السياسة الصينية تجاه المنطقة العربية هي التبادل الثقافي والحضاري وتوثيق التواصل الإنساني بين الجانبين في العديد من المجالات الثقافية والتعليمية والعلمية والتربوية وغيرها، ويعمل الجانبان على تنسيق وجهات النظر حول أجندة التنمية المستدامة 2030 وتعزيز المطالبات الخاصة بإصلاح المبادئ الأممية، بما يحفظ العدالة في المجتمع الدولي، وحماية المصلحة المشتركة للدول النامية التي ترى الصين أنها رائدة لها.
وتطرقت الدراسة لسياقات القمة ومنها المنافسة في مناطق النفوذ، وتطور العلاقات السعودية الصينية في الآونة الأخيرة، و تراجع العلاقات السعودية الأمريكية، وتأكيد سلطة “شي”: تأتي القمة بعد نجاح الرئيس “شي” في الحصول على فترة ولاية ثالثة على رأس الحزب الشيوعي الصيني، وانعقاد المنتدى العربي الصيني للإصلاح والتنمية.
ومن أهداف القمة، من المتوقع أن تحقق القمة تطورًا في العلاقات العربية-الصينية على مستوى التبادل التجاري من ناحية، وعلى مستوى القضايا التي تمسّ أمن المنطقة من ناحية أخرى، خاصةً تلك القضايا التي يمكن لبكين أن تلعب فيها دورًا بارزًا نظرًا لقبول العديد من الأطراف لها.
وأشارت تقارير إلى أن القمة ستشهد توقيع عدد من الاتفاقيات، ويمكن في هذا الإطار ذكر الآتي منها تأمين مسارات الطاقة، وعدم دولرة العلاقات التجارية، وربط خطط التنمية الوطنية مع مبادرة الحزام والطريق، ودعم مبادرة الصين للأمن العالمي، و حل القضية الفلسطينية، والتعاون التكنولوجي والفضائي.
واختتمت الدراسة مؤكدة أن القمة تحمل من المعاني الرمزية التي تتمثل في التعبير بشكل أو بآخر عن سعي دول المنطقة إلى إيلاء اهتمام أكبر لمسألة التوازن مع القوى الدولية الكبرى، خاصةً في ظل التطورات العالمية المتلاحقة التي تفرض نوعًا من الاستقطاب على توجهات الدول في سياستها الخارجية.
وفي نفس الوقت، تعكس القمة الأهمية النسبية التي أصبحت عليها المنطقة بالنسبة للصين، ومحورية دور الطاقة في تنميتها الاقتصادية، وهو ما سيظهر من خلال عقد اتفاقيات تجارية واستثمارية وأمنية بين الجانبين.
وأشارت إلى أن القمة العربية الصينية تُسهم في مد جسور التواصل مع الصين، من خلال تنسيق مواقف الجانبين، والخروج بتصور وآليات تفاهم مشتركة وإطلاق ودعم المبادرات النوعية.
ويعكس انعقاد القمة حرص القيادات الصينية والعربية على تطوير أوجه التعاون المشترك، ومواءمة التوجهات الاستراتيجية للدول العربية مع الصين كثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم.