مدخل لتحديث الثقافة المصرية «٣-٣»
لا تكاد تخلو مرحلة من مراحل تطور نظام يوليو ١٩٥٢ من خطاب حول الثقافة، والمثقفين، ودورهم الوظيفى فى التقدم، والتنمية، وتطوير الوعى الاجتماعى، والسياسى. ثمة تشابهات عديدة بين هذه الخطابات والمراحل، وكان الحاكم عند قمة النظام يطرح آراءه حول المثقفين قدحًا وذمًا، أو دعمًا مع توجيههم إلى دعمه، ونظامه باسم الأمة، أو الشعب.
كانت العلاقة بين الثقافة والمثقف، والسلطة ملتبسة، وكان الإدراك الرسمى السائد تاريخيًا، أن دورهم هو دعم سياسات النظام، وأنهم إحدى أدوات أشكال الغضب الاجتماعى، ومن ثم كانت رقابتهم أساسية، والقبض على بعضهم واعتقاله لانخراطهم فى أحزاب سياسية محجوبة عن الشرعية القانونية والسياسية الرسمية، من ثم كانت العلاقة مع الثقافة، والمثقف موضوعًا للريبة لدى الحاكم، وأجهزة الدولة الأمنية. من هنا كان الحصار وفرض السياجات على دور المثقف ورأيه فى أجهزة وزارة الثقافة، إلا لمن والاه، وفى الصحف، والإذاعة، والتلفاز، ودور النشر حيث الرقابة على الجميع، الموالين، والمعارضين، ومن ثم انضباط الخطاب الثقافى.
لا شك أن وضعية الثقافة المصرية، محملة بفائض من الأزمات الممتدة، ومن ثم مستقبلها محفوف بالمخاطر فى ظل تحولات الثقافات الكونية المتعددة فى ظل الذكاء الصناعى والرقمنة والروبوتات، وأيضًا فى ظل ظاهرة موت السياسة مصريًا وعربيًا.
سنتناول أوضاع الثقافة المصرية بين الحاضر والمستقبل فيما يلى:
أولًا: الخطاب حول الثقافة: الجمود النسبى.
ثانيًا: ملاحظات أولية حول أوضاع الثقافة المصرية المتغيرة.
ثالثًا: الثقافة الرسمية: الأزمات المستمرة.
رابعًا: الفجوات بين الوعى والإدراك السلطوى، وبين تغيرات الثقافة عالميًا.
خامسًا: الثقافة المصرية وصدمات التغيير.
سادسًا: بعض من السيناريوهات المحتملة.
سابعًا: أى السيناريوهات محتمل.
فى الجزء الثالث والأخير من هذه الدراسة نواصل طرح بقية التحديات التى تواجه الثقافة المصرية.
خامسًا: الثقافة المصرية وصدمات التغير
المتغيرات الكبرى فى ثقافات العالم المتعددة، واستيعابها والتكيف الجزئى، أو شبه الكلى مع بعضها، يحتاج إلى عقل سياسى، وثقافى خلاق، ويتابع تحولات الدنيا فى السياسة، والتقنيات، والاقتصاد، على نحو يسمح له بإبداع السياسات، والهياكل، وآليات التكيف مع هذه التغيرات المختلفة. غالبًا الثقافة ما تكون هامشية لدى بعض القادة والزعامات السياسية، فى مقابل الأوضاع الاقتصادية، والسياسية، لاعتبارات اتصالها بالاستقرار السياسى، والسيطرة، وتحقيق أمن النظام، فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وآسيا، والعالم العربى، وخاصة الدول الفقيرة، والأكثر فقرًا. من هنا تبدو بارزة صدمة عدم التكيف مع التحولات الثقافية الكونية لاسيما أثر الرقمنة عليها، وتحولها إلى ثقافة الترفيه والاستهلاك، وأنماط جديدة للإبداع فى الموسيقى، والفنون التشكيلية، والغناء، والأفكار، وذلك لجمود السلطة الثقافية، الرسمية، قبل يناير ٢٠١١، وأثناءها، وما بعدها فى مراحل الانتقال السياسى المضطرب. من ناحية أخرى لا يزال مفهوم الثقافة يقتصر على الأدب، والفنون التشكيلية والموسيقى، والغناء، والسينما، أى على إنتاج هذه الجماعات، دونما اهتمام بالثقافة الشعبية، ومكوناتها إلا قليلًا من خلال مفهوم الفلكلور، والفنون الشعبية، وهو اهتمام ظل يتراجع طيلة العقود الماضية خاصة فى أعقاب الناصرية، بالنظر لارتباط هذا الاهتمام بالأيديولوجيا الناصرية، واهتماماتها بثقافة الجماهير، ومن ثم تم إنشاء الثقافة الجماهيرية كهيئة ضمن هيئات وزارة الثقافة المصرية، ثم تحولت إلى هيئة قصور الثقافة التى تراجع دورها بمرور الوقت فى عهد مبارك وما بعد، وتراجع ميزانية وزارة الثقافة لصالح الأجور والمرتبات لموظفى الوزارة، ولأنشطة الهيئة.
إحدى مشاكل الثقافة المصرية الرسمية، واللارسمية بعض التفكك فى الاندماج القومى كنتاج لعدم تطور الثقافة القومية الجامعة للمشتركات الكبرى بين مكوناتها على نحو ما تحقق فى إطار الدولة القومية المصرية الحديثة، وخاصة فى المراحل شبه الليبرالية والناصرية إلى صعود حرك المد الإسلامى، والتغير فى أنماط التدين الشعبى، نحو الأخونة، والسلفية الوهابية، والسفر سعيًا وراء الرزق إلى السعودية ودول اليسر المالى النفطى العربى، وتحولات بعض القيم الاجتماعية، نحو المحافظة والتشدد الدينى، وتوظيف الدين سياسيًا، وطائفيًا فى إنتاج الانقسامات على أساس الانتماء الدينى، وتديين الثقافة العامة للمصريين، أدت هذه الظاهرة إلى انفجار التعدد الثقافى، وصعود الثقافات القبطية، والنوبية، والأمازيغية، والصعيدية، وهو تحدٍّ هيكلى إزاء الثقافة المصرية الرسمية.
من أبرز هذه التحولات، تراجع دور الصحف والمجلات الورقية، لتحول الأجيال الجديدة إلى وسائل التواصل الاجتماعى، والقراءة السريعة، ومن التأصيل، إلى التسليح، ومن ثم تراجع مبيعات الصحف الورقية والإعلانات التى كانت تسهم فى تمويلها، وباتت بأزمات مالية وتزايد مديونية الصحف القومية، وتراجع مستوى أدائها الاحترافى.
هناك تغير فى الذوق الموسيقى للأجيال الجديدة نحو موسيقى المهرجانات، والراب، وهى تعبير عن تجاوز الموسيقى التى كانت سائدة فى عهود سابقة، ولم تستطع نقابة الموسيقيين أو وسائل الإعلام مواجهة هذا النمط الجديد من الموسيقى، والحيلولة دون انتشاره.
الأخطر نهاية المثقف، وأدواره القديمة، ومع ذلك لا يزال إدراك المثقف، وكأنه المثقف الذى ساد المرحلة الليبرالية، والناصرية، والساداتية، بينما الواقع الموضوعى يشير إلى نهاية هذه الأدوار التى يتمسك بعضهم بها فى مواجهة واقع متغير.
السؤال فى ضوء الأوضاع السابقة المتغيرة ما هو المستقبل للثقافة المصرية؟
سادسًا: بعض من السيناريوهات المحتملة لمستقبل الثقافة المصرية
يمكن فى ضوء ما سبق من ملاحظات ومعطيات بناء السيناريوهات التالية لمستقبل الثقافة المصرية.
السيناريو الأول: الجمود والسيولة والاضطراب والفجوات
١- يرتكز هذا السيناريو على استمرارية غياب الطلب السياسى والاجتماعى على الإنتاج الثقافى فى مختلف المجالات، ومن ثم الاستمرار النسبى على نقاط الأوضاع على ما هى عليه فى السلطة الثقافية الرسمية، مع بعض التغير فى قيادات الوزارة- الوزير، ورؤساء الهيئات، مع غياب رؤية وتصورات جديدة لسياسة ثقافية، ومن ثم استمرار التركيز على الأنشطة الثقافية الاستعراضية فى المركز، مع قلة قليلة فى الأنشطة فى الإسكندرية- من خلال مكتبة الإسكندرية، ومعها، أو بموازاتها- وبعض المحافظات على نحو موسمى.
٢- التركيز على الاحتفاليات والمهرجانات، والمؤتمرات الثقافية- الرواية، والشعر- التى تعقد على نحو مستمر، وموروثة من عهد مبارك، وفاروق حسنى، وجابر عصفور فى المجلس الأعلى للثقافة، مع تراجع أهمية هذه الأنشطة وتأثيرها على القوة الثقافية المصرية التى تحولت إلى ضعف متنام فى تأثيرها النسبى فى الإقليم العربى، خاصة فى ظل اهتمام السعودية بالأنشطة الثقافية المتعددة لدعم الطبقة الوسطى، ودورها فى دعم عملية التحول فى نظام الخلافة السياسية للعائلة المالكة، ودعم هذه الطبقة، وتحريرها من بعض القيود السابقة، وخاصة فى مجال دعم المرأة السعودية، ودعم ثقافة الترفيه، ورفع بعض القيود الاحتسابية الدينية على المجال العام.
٣- تراجع السينما المصرية كصناعة، وفن، ومغامرات تجريبية وإبداعية، ومعها الدراما التلفازية لصالح المنصات الرقمية فى هذين المجالين. من ناحية أخرى جذب جماعة الممثلين والممثلات، والمطربين والمطربات إلى سياسة ثقافة الترفيه، ومهرجاناتها، وهو ما يعنى عملها لصالح سياسة الترفيه السعودية، خاصة فى ظل ضعف المهرجانات السينمائية المصرية، بما فيها مهرجان القاهرة نسبيًا، خاصة فى ظل تراجع وزن المهرجانات العربية، وعلى رأسها مهرجان قرطاج للسينما الإفريقية، فى حين أن السعودية ستقيم مهرجان البحر الأحمر، وربما تؤسس لمهرجانات أخرى.
٤- ازداد وزن معارض الكتاب العربية فى السعودية والإمارات العربية- الشارقة وأبوظبى- مع تدهور مستوى معرض القاهرة الدولى للكتاب سنة بعد الأخرى، من حيث الأنشطة والندوات التى لا يقبل الجمهور على المشاركة فيها.
٥- استمرارية تمدد واتساع قاعدة مستهلكى أغانى المهرجانات، والراب بين الأجيال الجديدة من فئات اجتماعية مختلفة مع تراجع الأشكال الموسيقية والغنائية التى سادت تاريخيًا، ومنذ جيل الثمانينيات، والتسعينيات، من القرن الماضى، وما بعد أوائل القرن الحالى.
٦- استمرارية تدهور مستويات الإنتاج الفلسفى السوسيولوجى والقانونى المصرى، والنقدى فى مجال الأدب لصالح الإنتاج المغاربى فى تونس والمغرب والجزائر، واستهلاك بعض الباحثين المصريين لهذا الإنتاج فى هذه التخصصات، مع استمرارية الاعتماد على الترجمات التى يقوم بها المغاربة والتونسيون والجزائريون للمراجع والكتب الصادرة بالفرنسية.. من ناحية أخرى هناك حركة ترجمة فى العراق نشطة، وهناك تشجيع للترجمة فى المملكة العربية السعودية.
لا شك أن ذلك يمثل إضعافًا للثقل الثقافى التاريخى المصرى الذى ضعف، وتراجع تأثيره، والمرجح فى ظل البيروقراطية الثقافية، وتدهور مستويات التعليم أن يستمر.
٧- تراجع الاهتمام الجماهيرى بالفنون التشكيلية وقلة مستهلكى هذه الفنون، وتنامى دور المعارض الخاصة، والجاليرهات، أكثر من معارض قطاع الفنون التشكيلية، مع تأثير الأزمة الاقتصادية على حركة بيع الأعمال التشكيلية، وعلى رأسها التصوير والنحت.
على صعيد الثقافة الجماهيرية، سيستمر تراجع الأنشطة نظرًا للأزمة المالية، ونمطية التفكير البيروقراطى المسيطر على الهيئة.
٨- ستستمر الفجوات بين الثقافة الرسمية والمنظمات غير الحكومية العاملة فى مجال الثقافة، مع تراجع الأخيرة نظرًا للقدرة على تمويل هذه المنظمات من المنظمات الدولية العاملة فى المجال الثقافى.
٩- نظرة على الثقافة الرقمية الجديدة للجموع الغفيرة الرقمية المرجح ازدياد ثقافة السطحية، والتفاهة، وتشكيلها للطلب الاجتماعى على الثقافة الرقمية، وتطوراتها، وهو ما سيكرس قوة وثقل هذه الأنماط الثقافية على استهلاك واهتمام الجمهور بالثقافة الرسمية وأنشطتها، بل وعلى السلع الثقافية والإعلامية التى يتم إنتاجها، فى ظل انفصال الثقافة الرسمية عن التنمية، وعن التعليم ومناهجه، ومقرراته.
١٠- ستستمر فوائض التدين الشكلى والقناعى والطقوس فى ظل الأزمة الاقتصادية، مع استمرارية تدين لغة الحياة اليومية كقناع للازدواجية والمخاتلة، وستنمو الحركة القاعدية للجماعات السلفية والإخوان، والدعاة الأزهريين، فى دعم عمليات تديين المجالين العام والخاص، والتحريض على الإبداع فى المجالات المختلفة.
١١- ستزداد الفجوات بين الأجيال، وبين النخبة وبين غالب الأجيال الشابة، وصغار السن فى المقبل من السنوات على الرغم من استمرارية أزمات النظم التعليمية وتدهورها.
ثانيًا: السيناريو الثانى: الحركة والتغير فى المجال نسبيًا
ينهض هذا السيناريو على بعض من التجديد الجزئى ويعتمد على ما يلى:
١- تحرير المجال العام السياسى نسبيًا، مع رفع بعض القيود القانونية، والأمنية والرقابية على الأنشطة السياسية والثقافية الطوعية والرسمية واللارسمية، وخاصة على المواقع الرقمية المحجوبة، وعلى الصحف القومية، وغيرها من الصحف الخاصة، مع أحداث تغيير فى قيادات هذه الصحف ومؤسساتها، وأيضًا على أجهزة الإعلام المرئى والمسموع القومية، والخاصة.
٢- ظهور طلب سياسى جزئى على الثقافة، وربطها مع السياسة التعليمية، والدينية لمواجهة التطرف الدينى، وأيضًا لدمج الثقافة مع التنمية.
٣- زيادة ميزانية وزارة الثقافة، وهيئاتها لصالح تمويل الأنشطة الثقافية أساسًا.
٤- إعادة تأهيل موظفى الوزارة، على الإدارة الثقافية، وفق التطورات السائدة فى هذا المجال.
٥- إعادة توصيف الوظائف الثقافية، لهيئات الوزارة.
٦- تنشيط دور المجلس الأعلى للثقافة، ووظائفه فى التخطيط والتنسيق والتكامل بين هيئات الوزارة المختلفة.
٧- إعداد سياسة ثقافية تعتمد على تطبيق خلاق للنص الدستورى حول الثقافة حق دستورى للمواطنين، والتركيز على أن الثقافة للشعب كله بجميع فئاته الاجتماعية، وليست للمثقفين فقط، أو استعراضات للسلطة فى العاصمة، وإنما فى الأرياف قبل مدن المحافظات والعاصمة.
٨- ديمقراطية الثقافة وعدالة توزيعها بين المواطنين فى جميع أنحاء البلاد.
٩- دمج الثقافة مع السياسة التعليمية من رياض الأطفال إلى التعليم الجامعى.
١٠- إلغاء جوائز الدولة المختلفة التى تمنحها وزارة الثقافة نظرًا لعديد من الاعتبارات والمعايير السائدة. يتم إنشاء خمس جوائز قومية أو عشر، مع رفع قيمتها المالية من خلال لجنة قومية من كبار المفكرين المصريين، يصدر قرار بتشكيلها كل عامين من رئيس الجمهورية، ويترك لأساتذة الجامعات، منح جوائز للنابهين من أعضائها، وفق معيار تطوير المعرفة النظرية والتطبيقية فى العلوم الاجتماعية، وكذلك للنقابات الفنية، منح ما تراه لأعضائها. هذا المقترح سبق لنا طرحه فى دراسة سابقة، لإعادة الهيبة والإجلال للجوائز القومية الممنوحة باسم مصر تقديرًا لمن ساهموا فى تطوير ثقافتنا الوطنية، والعربية.
١١- العناية ببعض المكونات الثقافية العرقية، كالثقافة النوبية، والأمازيغية، وفى الصعيد.
١٢- تطوير المؤتمرات الأدبية بالأقاليم الثقافية، والأندية الأدبية، وجماعاتها فى الصعيد والدلتا، وسيناء، ومطروح، والواحات الغربية، وإعداد سياسة خاصة لتنشيط هذه المكونات الثقافية، والفنية لهذه المناطق، وخاصة دورها الوظيفى فى تطبيق الحق فى الثقافة وديمقراطية المشاركة فيها.
١٣- إعادة تنظيم الهياكل المختلفة لهيئات الوزارة واستبعاد العناصر غير الكفوءة، والعمالة الزائدة إلى وزارة أخرى.
١٤- إعادة تنظيم وهيكلة أكاديمية الفنون، وإرسال بعثات إلى الخارج فى أمريكا وأوروبا، والصين وكوريا الجنوبية.. إلخ، وعمل ورش عمل من خبراء فى الإدارة الثقافية، وفى التخصصات المختلفة، من خبراء أجانب يشارك فيها الأساتذة فى تخصصات مختلفة، ووضع معايير صارمة للقبول بالأكاديمية من الطلاب المتقدمين، والحيلولة دون الاعتبارات غير الموضوعية فى القبول على نحو ما كان ولا يزال يسود فى اختبارات الأكاديمية، وقصر القول على الموهوبين من المتقدمين دون غيرهم.
١٥- الانفتاح على خاصة المبدعين من كبار العقول العربية والمبدعين من الشيوخ والشباب معًا، سواء فى المؤتمرات، أو ورش العمل فى المجالات المختلفة.
١٦- تنشيط العلاقات الثقافية الثنائية مع الدول العربية خارج الأطر الرسمية، ومع الجماعات الثقافية الطوعية، والرسمية، ثم مع دوائر من العالم العربى.
١٧- التركيز على دعم وتنشيط العلاقات مع دول الأطراف العربية، السودان، وموريتانيا، والمناطق الكردية بالعراق وسوريا.
١٨- عقد مؤتمر سنوى لكل إقليم من الأقاليم الثقافية العربية (مصر والسودان وليبيا- مصر وتونس والجزائر وموريتانيا- مصر والعراق وسوريا ولبنان).
١٩- على مستوى الثقافة بالمعنى العام، ضرورة توظيف الرقمنة فى العمل الثقافى داخل هيئات الوزارة، وفى الإنتاج الثقافى، وعمل قناة ثقافية متميزة، للثقافة عمومًا على المستوى المصرى والعربى والإفريقى والعالمى، مع الانفتاح على ثقافات الدول الآسيوية الناهضة حول الصين والانفتاح على هذه البلدان لأنها ستلعب أدوارًا هامة فى الاقتصاد والسياسة العالمية عالميًا خلال المرحلة من ٢٠٣٠ إلى ٢٠٥٠، ثم إلى آخر القرن حيث ستسود اللغة الصينية كلغة أولى فى عالمنا فى ضوء تقدير خبراء اللغات.
٢٠- إجراء بحوث ميدانية على شرائح اجتماعية مختلفة وممثلة حول القيم الاجتماعية، والتدين الشعبى وأنماطه السائدة، لتوظيف نتائجها، فى إعداد استراتيجيات العمل الثقافى، وخاصة فى عمل هيئة قصور الثقافة.
٢١- إعادة النظر فى مكتبة الإسكندرية وأدائها خلال المراحل المختلفة إلى الآن منذ إنشائها، وضرورة تركيزها على الانفتاح فى أنشطتها على الثقافة المتوسطة، والعالمية، دون التدخل فى الأنشطة الداخلية لهيئات الوزارة.
٢٢- دعم العمل الثقافى الأهلى، من المنظمات والجمعيات الطوعية العاملة فى مجال الأنشطة الثقافية، وتنظيم الدعم الدولى لها، بما لا يؤدى إلى فساد بعض من القائمين عليها، ولا يؤدى أيضًا إلى حصارها من البيروقراطية الرقابية، وبعض فساد أعضائها.
٢٣- إعادة تنظيم المهرجانات السينمائية الخاصة، ولجان المهرجانات، واستبعاد العناصر النقابية التى تؤثر على قرارات هذه اللجان، لاعتبارات انتخابية.
إن إعادة تجديد السلطة الثقافية الرسمية وأجهزتها تحتاج أساسًا إلى رؤية وقرار سياسى داعم للثقافة كمنشط أساسى للتنمية فى كل مناحيها، وأنها محرك أساسى وحيوى لاكتشاف الطاقات الداخلية والروحية والعقلية للإنسان المصرى، وتطوير قدراته وكفاءته، وقيمه، وسلوكه الاجتماعى، ورفع مستويات الوعى الاجتماعى والسياسى.
من ناحية أخرى الوعى السياسى بتجديد الثقافة والعمل الثقافى، هو جزء من هوامش قوى الدولة المصرية فى الإقليم العربى، وإفريقيا التى يجب العناية بها، والترجمة لفكر الإفريقى الآسيوى فى المركز القومى للترجمة، وتحريره من أغلال البيروقراطية، ونقص الإمكانيات والكفاءات، ضرورة فى تطوير الثقافة وأجهزتها، وسياساتها، واستراتيجيات العمل.
السيناريو الثالث: الباب الثقافى المفتوح
يعتمد هذا السيناريو على حدوث تغير سياسى واسع المدى، من حيث الحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير، والبحث، والنشر، وحرية التدين والاعتقاد والضمير، والسماح بالتعدد الحزبى الحر، فى ظل تنظيم يحول دون العنف أو الخروج عن القانون، فى هذا الإطار نطرح المعطيات التالية:
١- إعادة النظر فى السياسات التشريعية والجنائية والعقابية، وإصلاح التشريعات المصرية كلها فى ضوء تطور القوانين المقارنة فى الدول الأكثر تطورًا، ورفع كل القيود القانونية المقيدة للنصوص الدستورية، وخاصة حريات الرأى والتعبير، وازدراء الأديان .. إلخ.
٢- حرية الإعلام فى ظل القانون للحيلولة دون الانفلات، الخارج عن المهنية وضوابطها ومعاييرها.
٣- إلغاء وزارة الثقافة، والهيئة العامة للاستعلامات، والتركيز على المجلس الأعلى للثقافة، كجهة تخطيط ومتابعة للأداء للهيئات الثقافية المختلفة، مع تشكيله من كبار المفكرين والخبراء، وبعضهم من الأجيال الشابة.
٤- حرية تداول السلع الثقافية فى السوق الثقافية المصرية.
٥- تمكين المرأة المبدعة فى المجال الثقافى بكل مكوناته.
٦- فتح المجال أمام حرية الثقافات التكوينية فى التعبير عن ذواتها العرقية والمناطقية، دون قيود سوى اعتبارات التكامل القومى المصرى.
سابعًا: خاتمة: أى السيناريوهات محتمل
كل هذه السيناريوهات يعتمد على وضعية النظام السياسى، وتقديراته وإدراكه لاعتبارات الحرية، والأمن، والاستقرار، وتقديره لأهمية الثقافة فى التنمية وفى مواجهة التطرف والتشدد الدينى، وجماعاته الراديكالية، وأيضًا مصادر الركود، والتخلف الاجتماعى. من ثم يمكن القول إن المرجح هو استمرار الأوضاع على ما هى عليه الآن إلى ما قبل الانتخابات الرئاسية القادمة ٢٠٢٤، المرجح أن بعضًا من التغيير السياسى سيحدث فى إطار رفع القرار نسبيًا على المجال العام المحاصر والمنغلق، وفى مجال الحريات العامة، والإعلام، ومن ثم المجال الثقافى، وفى هذا الإطار سيظل بعض الضوابط التى تمكن السلطة السياسية من التحكم فى قواعد اللعبة السياسية، ومن ثم يمكن القول إن السيناريو الثانى، وبعضًا من عناصره، سيكون هو المرجح فى ٢٠٢٤، فى ظل ثبات المتغيرات السائدة، دونما تغيير أيًا كان.
الوعى السياسى بأهمية الثقافة أساسى، وضرورى فى أى محاولة لخروج مصر من دراما التخلف التاريخى المركب من أسفل، ومن أعلى، الذى جعل إمكانيات النهوض والتقدم معاقة على الجانبين الأسفل والأعلى، فى تطورها التاريخى منذ دولة محمد على وإسماعيل باشا وإلى الآن الثقافة وحرية العقل والضمير هم الحل!
من هنا نبدأ كما ذهب خالد محمد خالد فى كتابه ذائع الصيت.