الفراعنة فى كأس العالم (10).. محمود مختار التتش والاعتزال فى قمة المجد
شارك منتخب مصر في نهائيات كأس العالم ثلاث مرات أعوام (1934 و1990 و2018) وخلال هذه المشاركات تألق عدد من النجوم، وتلقي «الدستور» الضوء عليهم من خلال سلسلة حلقات الفراعنة في كأس العالم.
الحلقة العاشرة.. التتش أسطورة كروية
محمود مختار التتش واحد من أعظم النجوم في تاريخ الكرة المصرية وشارك في مونديال 1934 وثلاث دورات أولمبية ولم يلعب لأي نادي في مصر سوى الأهلي.
محمود مختار الشهير بالتتش مواليد 29 سبتمبر عام ١٩٠5 لأسرة ميسورة الحال كان عائلها الطبيب الأول بمستشفى الإسكندرية العام وسرعان ما انتقل والده إلى القاهرة فسكن فى حى السيدة زينب و التحق بمدرسة محمد على الابتدائية ولعب لفريقها وكان أصغر لاعبي الفريق جسما وسنا وأكثرهم مهارة لكن والده عارض هوايته في لعب الكرة ودفعه عنها بشدة وصادر منه الكرة والملابس.
وفي المقابل كان مدير المدرسة مهتما بالرياضة وبكرة القدم بصفة خاصة وعندما علم بمعارضة والده انتهز فرصة مباراة مهمة ودعاه لمشاهدتها وهنا رأى والد التتش مهارات وأهداف ابنه وهتافات المدرسة له بعد كل هدف يسجله ومن ثم استلام الكأس ومنذ ذلك الوقت أصبح والده يشجعه وصار خبيرا في كرة القدم.
التحق التتش بفريق مدرسة السعيدية الثانوية وفي عام 1922 كان ضمن الفريق الثاني لصغر سنه فكانت المدرسة تضطر لاستبعاد أحد لاعبي الفريق الأول ليحل محله ثم تتحايل لضمه لفريق ثانوي ولم يدرج ضمن الفريق الأول إلا عام 1924 وصار قائد فريق الكرة ولعب مع منتخب ثانوي وبعد انتهاء دراسته الثانوية التحق كلية حقوق حتى تخرج عام 1934وهناك عُرف باسم "مختار الصغير" نظرا لصغر سنه ولتواجد الثنائي محمود مختار لاعب كلية حقوق والأهلي وأحمد مختار لاعب كلية الهندسة والأهلي.
اكتشفه اللاعب القديم محمود مرعي وقدمه للأهلي الذي سارع بقيده في فريق الشباب وصعد للفريق الأول ثم انضم للمنتخب الوطني وظل أساسيا بالفريقين لمدة ١٧ سنة متواصلة وشارك في ثلاث دورات أولمبية أعوام 1924 و1928 و1932 وتم اختياره كأفضل لاعب بدورة أمستردام عام 1928 بإجماع آراء اللجنة الفنية بعدما قاد مصر للفوز على البرتغال 2-1 بتسجيله لهدف وعلي رياض الهدف الثاني وكان هداف المنتخب برصيد 4 أهداف وشارك أيضا مع منتخب مصر في كأس العالم بإيطاليا عام 1934 واختير ضمن منتخب العالم.
انهالت العروض عليه حيث عرض عليه جورج لويد اللعب في إنجلترا بينما عرض عليه صديقه فؤاد صادق اللعب في فرنسا لكنه رفض مفضلا اللعب مع الأهلي.
لقب “التتش" يعود إلى جورج لويد المندوب السامي البريطاني في مصر الذي كان يحب كرة القدم وعندما شاهد محمود مختار أعجبه أسلوبه ولم يترك له مباراة، وفي أحد الأيام استدعاه وهنأه على أداءه وقال له "أنت ممتاز جدا يا تتش" وكلما قابله يقول له يا "تتش" وهي كلمة تطلق في إنجلترا على لاعب السيرك صغير الجسم قوي البنية سريع الحركة.
في عام 1924 وكان عمره 19 عاما التقى الأهلي بقيادة التتش مع المختلط بقيادة حسين حجازي وسجل التتش ثنائية قاد بها الأهلي للفوز 4-1 وبعد تلك المباراة ترك حسين حجازي المختلط وعاد مجددا إلى الأهلي.
الدورة الأولمبية أهم من امتحانات الثانوية
من أغرب المواقف التي تعرض لها التتش أنه كان غائبا عن الفريق لمرضه بينما جاء موعد لقاء فريق الأهلي الأول “ الأحمر” مع الثاني “الأبيض” وخشى أمين شعير مدير الكرة أن يتفوق الفريق الثان على الأول فاتفق مع التتش على استدعاءه وبالفعل تقدم الفريق الأبيض فسارع شعير باستدعاء التتش قبل انتهاء المباراة بـ٢٥ دقيقة فقط ونجح في ترجيح كفة الأحمر بإحرازه هدفين في اللحظات الأخيرة.
وقبل سفر منتخب مصر بأيام للمشاركة في دورة باريس الأولمبية فوجئ الجميع بأن هناك امتحانات الثانوية "الكفاءة " ينتظر التتش ونسى الجميع التفكير في الأمر مسبقا مما أدى إلى أزمة كبيرة حيث رفضت إدارة المدرسة ما يسمى «امتحانات الكفاءة» وهي تعادل الشهادة الثانوية تقريبا أن تعطي له استثناء بتأجيل الامتحانات لما بعد عودته من باريس وكان عليه أن يختار ما بين أداء امتحاناته ومشاركته مع منتخب بلاده واختار التتش أن يشارك مع المنتخب ويهمل الامتحانات ولكن والده رفض وقال له «مستقبلك أهم» ولم يكن يستطيع مخالفة والده وظل حزينا بسبب تعنت إدارة الامتحانات التي لم تقبل أي تدخلات من المسئولين وتصاعدت الأزمة حتى تدخل رئيس الوزراء الزعيم سعد زغلول وأصدر قرارا استثنائيا بعمل امتحانات للاعب بالمفوضية المصرية بباريس على أن يشارك في الدورة الأولمبية.
أم كلثوم تتدخل لمنعه من الاعتزال
كان التتش نموذجا في الملعب ومعلما لكل زملاءه وعندما شعر بأنه لم يعد قادرا على تقديم كل ما لديه قرر الاعتزال وهو لايزال في قمة مجده فسارع محبوه الى فؤاد سراج الدين باشا رئيس الأهلي ووزير الداخلية وصديقته كوكب الشرق أم كلثوم التي هددته باعتزال الفن إذا أصر على هجر الملاعب لكنه أصطحبها إلى الملعب وشرح لها كيف تخونه عضلاته في تنفيذ تكليفات عقله فاقتنعت واعتزل في هدوء.
بعد اعتزاله تقلد كل المناصب الرياضية فهو المدرب والمدير الفني وسكرتير اللعبة ومدير النشاط الرياضي وسكرتير عام اللجنة الأولمبية المصرية وعضو المجلس الأعلى للشباب والرياضة كرئيس للجنة التخطيط ووكيل الوزارة.. وكان التتش محط أنظار الجميع وموضع ثقتهم وملجأهم لطلب المشورة والنصح وعندما تم تعيين أحد رؤساء اتحاد الكرة ولم يكن التتش معجبا بقيادته أرسل له استقالة مسببة بأنه لا يشرفه العمل تحت قيادته وفي عام 1965قام الرئيس جمال عبد الناصر بتكريمه ومنحه وسام الرياضة من الطبقة الأولى.
توفى محمود مختار التتش يوم ٢١ ديسمبر عام ١٩٦٥ عن عمر يناهز ٦٠ عاما. ما