عميد «الدراسات الإفريقية»: مصر دعت قادة العالم لحضور قمة التنفيذ وليس الأماني في «COP27»
- تنسيق الموقف العربي والإفريقي أمام قادة العالم في COP 27
- الخارجية المصرية عملت على تنسيق الموقف الإفريقي خلال المشاركة بأسبوع المناخ في الجابون
- وزارة البيئة نسقت الموقف العربي بـ "المنتدى العربي للبيئة"
- آثار تغير المناخ حتى الآن تؤكد حتمية اعتماد إفريقيا على الاقتصاد الأخضر والأزرق للتكيف معه
- لابد من وقفة جماعية حاسمة وإلا سيواجه العالم غضبة الطبيعة
- 2022 عام لم يشهده العالم من قبل في حوادث الحرائق والفيضانات والجفاف
- لابد أن يدعم الغرب إفريقيا بـ 100 مليار دولار لتخفيف حدة المناخ والتكيف معه
- يجب إنشاء نظام تنبؤ عالمي مربوط بشبكة دولية واحدة من أجل التنبؤ بالفيضان والجفاف
- إقامة مشروعات اقتصادية خضراء ومستدامة للحد من آثار المناخ العالمي والتكييف معه
قال الدكتور عطية محمود الطنطاوي أستاذ الجغرافيا المناخية القائم بأعمال عميد كلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة، أن التطورات المناخية التي يشهدها العالم الآن، ظاهرة عالمية خطيرة تزداد خطورتها يوما بعد يوم، ستصيب جميع دول العالم سواء الدول النامية أو الدول المتقدمة، وهذا يؤكد أنه لا توجد دولة ستكون في منأى عن تأثير هذه التغيرات المناخية.
وأوضح أن مصر دعت العالم إلى (COP27) من أجل أن تعلنها قمة لـ"التنفيذ" وليس" الأماني "، لقد بادر الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ مشاركته في اتفاق باريس عام 2015، ومن خلال كلمة مصر في هذه القمة التي كانت تمثل القارة الإفريقية وليس مصر فقط، وتحدث باسم المجموعة المناخية الإفريقية ليؤكد أن إفريقيا جميعًهاعلى قلب رجل واحد
وأكد أستاذ الجغرافيا المناخية القائم بأعمال عميد كلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة، في حواره لـ "الدستور" أن الإنسان هو الذي تسبب في ظاهرة تغير المناخ في سبيل رفاهيته أو مطامعه الشديدة في الحياة.
- كيف حدثت ظاهرة التغيرات المناخية؟
في البداية أود أن أوضح أن ظاهرة التغيرات المناخية تعد مرادفا للاحترار العالمي، وهو مصطلح يشير إلى درجة حرارة سطح الأرض، وبدأت ظاهرة التغيرات المناخية كقضية بيئية تشغل العالم منذ ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض في القرن العشرين بنسبة 0.6 درجة مئوية، وخلال القرن الواحد وعشرين وتحديدًا من 22 سنة ارتفعت درجة حرارة سطح الأرض 2.6 درجة مئوية، وهذا يعني أنه في آخر 22 سنة ارتفعت حرارة سطح الأرض بمقدار ما ارتفعته خلال القرن العشرين بأكمله.
- لماذا ارتفعت درجة حرارة سطح الأرض بهذه الدرجة الزائدة خلال القرن الواحد والعشرين؟
لقد كانت الثورة الصناعية التي شهدها الغرب في مطلع القرن الواحد والعشرين المسبب الرئيسي لارتفاع درجة حرارة سطح الأرض إلى 1.2 درجة مئوية ، وهذا يعد ارتفاعا قاسيا لدرجة حرارة الأرض لا يستهان به، لذلك يعمل العالم الآن على عقد قمة مناخية كل عام من أجل إيقاف ارتفاع درجة الحرارة عند واحد ونصف درجة مئوية زيادة عن معدلاتها الطبيعية بحلول عام 2030، وبحلول عام 2100 يجب ألا تزيد درجة الحرارة عن 2 درجة مئوية وإلا سيكون البديل مُر.
- كيف سيكون المشهد عند ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض عن 2 درجة مئوية؟
إذا ارتفعت درجة حرارة سطح الأرض عن 2 أو 3 أو 4 درجة مئوية سوف يرتفع مستوى سطح البحر، ويحدث ذلك نتيجة لذوبان الجليد في القطب الشمالي والجنوبي، وأيضًا الجليد فوق قمم الجبال، وإذا ما ارتفع سطح البحر سوف يهدد ذلك الحياة في جميع الدول الساحلية، وعلى سبيل المثال الدول الساحلية في قارة إفريقيا.
فقارة إفريقيا بها نحو 30 دولة ساحلية تطل على البحار والمحيطات ومنها الدول الجزرية، وجميعها معرضة للغرق وهذا أضعف الأضرار عند ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض عن 1.5 درجة مئوية في أي وقت قادم.
على أية حال، فالعالم كله يحاول جاهدًا أن يخفف من حدة آثار التغيرات المناخية، ويقلل من أسباب ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض.
- كيف تسبب الإنسان في إحداث ظاهرة التغيرات المناخية؟
لقد جار الإنسان على البيئة وعناصرها، وظهور ظاهرة تغير المناخ، يعني أن البيئة من حقها تقول أنه يكفي هذا الضرر، وأنه يجب على الإنسان أن يتوقف عن استنزاف مواردها، وعليه أن يتركها فترة من الزمن من أجل أن تتعافى مرة ثانية.
- ما هي أهمية ظاهرة تغير المناخ وخطورتها على الحياة والإنسان؟
ترجع أهمية ظاهرة تغير المناخ إلى المناخ نفسه الذي يعد أهم عنصر بيئي، إن المناخ واحد من من أهم عناصر البيئة الطبيعية، لأنه هو الذي يتحكم في كل شيء يخص الإنسان، وإذا نظرنا إلى خريطة الأمراض على سطح الكرة الأرضية نجدها مرتبطة بالظروف المناخية، وإذا نظرنا إلي النمط المزاجي للإنسان وصحته نجد أن المناخ السبب الرئيسي المؤثر فيهما.
- إذن هل هناك علاقة بين الأمن الإنساني والمناخ؟
نعم، هناك علاقة، فمثلًا أن الأمن المائي وهو الأمطار، فإن الماء أصله المطر سواء مياه جارية في الأنهار أو في البحيرات، أو مياه جوفية فالأصل فيها المطر، إذن فهو مُناخ، إذن الأمن المائي مناخ، وكذلك، أن أمن الإنسان الغذائي وهو المحاصيل الزراعية والرعي والثروة الحيوانية والسمكية وكل ما يخص غذاء الإنسان يتحكم فيه المناخ.
- هل تدلل على هذه العلاقة بأمثلة حية؟
الدليل يتضح في نمط حياتنا اليومية، فنحن دائمًا نقول لدينا محاصيل صيفية ومحاصيل شتوية، ومن المحاصيل من ينمو في درجة الحرارة الزائدة، ومحاصيل أخرى تنمو في الحرارة المنخفضة، مثل البرسيم والكتان والفول والقمح من المحاصيل الشتوية، وهناك محاصيل مثل القطن وقصب السكر والأرز من المحاصيل الصيفية.
هناك علاقة أساسية بين الانتاج الزراعي أو الإنتاجية الزراعية نفسها لكل فدان والمناخ، فذلك الأخير يتحكم بعناصره في الإنتاج الزراعي، وكيف لا، إذا كان المناخ يتحكم في مسكن الإنسان نفسه، في شكله وهندسته من خلال درجات الحرارة واتجاه الرياح والعواصف الترابية وما الى ذلك، إن جميع الأنشطة البشرية التي يمارسها الإنسان من سياحة وصناعة وتجارة ونقل جميعها يتحكم فيها المناخ، إذن المناخ من أهم العناصر الفعالة في البيئة التي تؤثر في الإنسان، لذلك نقول إن ظاهرة التغيرات المناخية من الظواهر الخطيرة جدًا التي ستصيب الإنسان بآثارها السلبية في أي مكان في العالم ولكن قارة إفريقيا ستكون الأكثر تأثرًا.
لذا نقول إن ارتفاع درجة الحرارة يعني التغير في نظم الضغط الجوي وتوزيعها على سطح الأرض، وإذا ما تغير نظام الضغط الجوي هنا أو هناك، تتأثر اتجاهات الرياح، التي تهب بسبب الضغط المرتفع، والعكس عند الضغط المنخفض، ويؤثر اتجاه هبوب الرياح على توزيع المطر ومعدلاتها، لآن عند عبور الرياح فوق مسطح مائي تكون رياح خير، أما إذا عبرت الرياح فوق منطقة صحراوية أو جافة فإنها تأتي بأتربة وتكون رياح جافة ومؤذية ومضرة جدًا.
وإذا تكون نظام ضغط مرتفع في مكان ما تكون درجة الحرارة فيه منخفضة، ويصدر هذه المنخفض الرياح دون أن تمر على مسطح مائي أو كان من المفترض أن تمر، ولكن نظام الضغط أحدث لها خلل حول مسار إلي منطقة جافة فسوف تتأثر المناطق التي سوف تعبرها هذه الرياح بالجفاء أيضًا، بينما إذا اتخذت الرياح مسارها فوق مسطح مائي فسوف تصاب المناطق التي تعبرها بالأمطار الغزيرة التي قد تصيبها الفيضان، وهذا ما حدث خلال عام 2022.
- هل تذكر لنا أمثلة من آثار التغيرات المناخية التي حدثت خلال عام 2022؟
عملت كباحث في الجغرافيا المناخية لمدة 30 عامًا، ولم أري ما حدث في عام 2022، حرائق في الغابات في كل قارات العالم، وفيضانات في بعض المناطق، وشهدت شرق السودان فيضان شديد الخطورة، وأيضًا هناك في باكستان مدن غرقت تحت المياه، والولايات المتحدة والصين غرقت بالفيضان.
وأصاب الأمارات والسعودية في ذروة فصل الصيف هذا العام، وحرائق في الجزائر وتونس المغرب، وأسبانيا والبرتغال والدول الأوروبية، وفي أمريكا الشمالية والجنوبية، وحرائق في الصين، وجفاف شديد في القرن الأفريقي وفي جنوب إفريقيا وفي دولة ليسوتو.
- ألم يتنبأ علماء المناخ بهذه المخاطر منذ سنوات سابقة لحدوثها؟
فعليًا كانت هناك تنبأت، وتنبه العالم في عام 2015 لها في مؤتمر باريس، وأنشأوا ما يسمى باتفاق باريس بين الدول الغنية والمسببة للاضطرابات المناخية والدول الفقيرة، واتفقوا على أن يتم مساعدة الدول الفقيرة بحوالي 100 مليار دولار، بالإضافة إلي إقامة مشروعات الطاقة النظيفة وتدريب وتأهيل مواطنيها على مواجهة التغيرات المناخية، ولكن لم يحدث شيئًا من هذا الأمر.
وللأسف الدول الصناعية المسببة للملوثات مثل أمريكا والصين ودول الاتحاد الأوروبي وألمانيا وروسيا والبرازيل من الدول الغنية، بينما دول القارة الإفريقية جميعها لا تصدر من الملوثات ما يصل إلى 4% من إجمالي الانبعاثات الدفيئة عالميًا، ورغم ذلك هي القارة الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية.
- ما هو المقصود بـ"COP" ؟
منذ عام 1992 تم إطلاق ما يعرف بالاتفاقية الإطارية للدول الأطراف للأم المتحدة conference of parties واختصارها (cop)، وتعني اتفاقية الدول الأطراف الموقعة وكان عددهم 191 دولة، وهي القمة الوحيدة في العالم التي يتواجد بها رؤساء الدول، لأن قضية التغيرات المناخية تصيب الجميع، وهذا يعني أنه لا استثناء لأحد من آثارها.
- وماذا عن الدور المصري في إطار التوجه العالمي لمجابهة التغيرات المناخية وقمة "COP 27" ؟
كان لمصر الريادة في التوقيع على جميع الاتفاقيات المتعلقة بمجابهة التغيرات المناخية، وعملت على هذه المجابهة بكل مشاريعها الذكية والتي أبرزها إقامة المدن الخضراء، والتحول إلي الطاقة النظيفة بالاعتماد على مشروعات الطاقة المتجددة (طاقة شمسية ورياح والهيدروجين الأخضر) وفقًا لرؤية مصر 2030، بالإضافة إلى التحول إلى الاستدامة على كافة المجالات، خاصة الاقتصادية منها الاقتصاد الأخضر.
والحقيقة لابد أن نؤكد على حضور مصدر في مقدمة العالم في مبادرات مقاومة ومجابهة التغيرات المناخية، ومنها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050. ولكن؛ مجابهة قضايا التغيرات المناخية لا تعتمد على الحلول الفردية، لابد من العمل الجماعي، فلا يوجد فرق بين دولة وأخرى في التأثير بتغير المناخ.
لذا، فمصر دعت العالم إلى (COP27) من أجل أن تعلنها قمة لـ"التنفيذ" وليس" الأماني "، لقد بادر الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ مشاركته في اتفاق باريس عام 2015، ومن خلال كلمة مصر في هذه القمة التي كانت تمثل القارة الإفريقية وليس مصر فقط، وتحدث باسم المجموعة المناخية الإفريقية ليؤكد أن إفريقيا جميعًهاعلى قلب رجل واحد، وشارك وزير الخارجية سامح فهمي في أسبوع المناخ في الجابون للتنسيق على موقف واحد للدول الإفريقية في "COP 27"، كما شاركت وزارة البيئة مع المنتدى العربي للبيئة للتنسيق بين الدول العربية.
- كيف تري مستقبل التغيرات المناخية في مصر وإفريقيا؟
أن القراءة المستقبلية لواقع التغيرات المناخية عالميًا، وما أظهره تأثر المناخ حتى الآن، يؤكد حتمية اعتماد القارة الإفريقية ومنها مصر على الاقتصاد الأخضر، وهذا يعني التحول المباشر والسريع إلى الطاقة النظيفة، بالإضافة إلي ما يعرف بالاقتصاد الأزرق والذي يعتمد على الاستفادة من البحار والمحيطات كموارد طبيعية، إذ يمكن الاستفادة من صيد الأسماك وكمتنزه طبيعي وفي مجال السياحة والاستفادة من الشُعب المرجانية سياحيًا واقتصاديًا، وأيضًا في تصنيع الإسفنج واستخراج المعادن.
ولابد من تكاتف الدول الأوروبية مع الدول الإفريقية في مجابهة ظاهرة التغيرات المناخية، نظرًا لعدم قدرة دولة واحدة على إحداث فارق مع آثار تغير المناخ، فلابد من وقفة جماعية حاسمة، وإلا سيواجه العالم غضبة الطبيعة التي بدأت في عام 2022.
ونحمد الله أن مصر ليس لديها غابات، وأن إيراد منسوب نهر النيل معقول، وإلا كُنا شعرنا بأثار تغير المناخ خلال هذا العام 2022 الذي لم يشهده العالم من قبل من حيث عدد الحرائق في شمال إفريقيا وأوربا وأمريكا الجنوبية والشمال.
وكذلك الفيضانات وأشهرها الفيضان الذي أغرق المنازل في شرق السودان وجعل السكان هناك يتنقلون بالمراكب في وسط المدن، وما شهدته مدن إفريقية أخرى من جفاف في وسط وغرب إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي.
- ما هي أبرز الإجراءات التي ضرورة العمل على اتخاذها بشكل سريع في الوقت الحالي؟
لابد من تكاتف المغرب مع إفريقيا في مجابهة قضية التغيرات المناخية بكل قوة، وأن تضحي الدول المتقدمة بنحو 100 مليار دولار لدعم الدول الأفريقية في تخفيف حدة المناخ والتكيف معه، خاصة وأن الدول الغربية هي الأكثر تصديرًا للغازات المسببة للاحتباس الحراري، وأن يستخدم هذا الدعم في إقامة مشروعات لأن الدول الفقيرة غير قادرة على التكيف مع الظاهرة أو مجابهتها.
هذا بالإضافة إلى إنشاء نظام تنبؤ عالمي مربوط بشبكة دولية واحدة للتنبؤ بالفيضان والجفاف وعدم وقوعه وتحذير المجتمعات من مخاطره، وكذلك إقامة مدن ذكية وخضراء ومشروعات غذائية بإنتاج محاصيل جديدة تتحمل الملوحة والجفاف تكون قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية وبأسعار معقولة، وتطعيمات ضد الأمراض والأوبئة التي سوف يستحدث ظهورها.
إن القارة الإفريقية تعرضت لسنوات من الفقر رغم أن انتعاش الاقتصاد العالمي مرهون بالاقتصاد الإفريقي، وخاصة الاقتصاد الأوروبي الذي استنزف القارة الإفريقية لعشرات السنين دون أن يغمض له جفن، أو حتى يكتفي و الأكثر من ذلك فهم الآن ممتنعين عن تقديم الدعم المستحق.