تاريخ طويل ومشاكل متعددة: البحث عن حل لأزمة السينما ضرورة واجبة «٢-٢»
يمكن أيضًا تطوير مهرجان قومى للسينما، ورفع قيمة الجوائز إلى مبالغ كبيرة مثل خمسة ملايين، أو عشرة ملايين جنيه مصرى للفيلم الفائز لكى يحفز بعض المنتجين على إنتاج أفلام جديدة
فى ظل الذكاء الصناعى وعالم الروبوتات الذكية وربما مفرطة الذكاء فى المستقبل، يُطرح سؤال حول مستقبل السينما فى عالمنا المتحول؟
كانت السينما المصرية إحدى علامات دخول مصر العالم الحديث، مثلها فى ذلك مثل الهندسات القانونية الوضعية الحديثة. القانون المدنى والجنائى والتجارى كانت علامات تنظيم العلاقات الاجتماعية وبناء الدولة الحديثة. كانت السينما والمسرح تعبيرًا عن مواكبة الثقافة المصرية لعالم مختلف، وشبه حداثى ورؤية مختلفة للذات والعالم، وخروج مصر والمصريين من رتابة العالم التقليدى وسكونه ومعه أوضاعه الاجتماعية وقيمه التقليدية. العالم يتغير ويتحول ومعه أدوار ووظائف تتغير وتنتهى، لكن دونما قدرة من بعضنا على المواكبة والتحول وإعادة التكيف والتأهيل لعدم المتابعة والتكوين والتعلم! ما كان حديثًا تحول إلى ما بعد الحداثة ثم ما بعد بعدها فى الفكر والرؤية والفلسفة والأدوات. من ثم ما كان وظيفيًا أداة حداثة ورؤى جديدة وجزءًا من الصناعات الحديثة وثوراتها يترك فى حالة تداعٍ ووهن وتراجع وتخلف، وهذا حال السينما المصرية والجماعة السينمائية؟! والسؤال: هل هناك مخرج؟!
كانت الفوتوغرافيا، واكتشاف آلة التصوير نقلة كيفية فى ذاكرة العيون، وفى تطوير الثقافة البصرية، ولعبت دورًا هامًا فى الصحافة الورقية، وتطورت من محض التصوير الحرفى للوقائع والأشياء والأشخاص، والطبيعة، إلى فن بكل المعايير لدى بعض كبار المصورين الفوتوغرافيين، وباتت الصورة تشكيلًا بصريًا بالأبيض والأسود، ثم مع الألوان، كانت الصورة الفوتوغرافية أداة توثيق للشخوص، والوقائع، والأمكنة، ومن ثم كانت أداة لبناء الذاكرة الجمعية للجمهور.
وظفت السينما فى مطالعها وتطوراتها ومدارسها الصورة الفوتوغرافية وتراثها، فى التصوير السينمائى، وكثافته، الأمر الذى أدى إلى تطوير السرد السينمائى وتخييلاته، فى الكثافة والإيقاع وأثر فن التصوير على كتابة السيناريوهات والحوار، والمونتاج والعملية الإخراجية. لا شك أن كبار المصورين والمخرجين ساهموا فى تطوير ثقافة العيون فى عالمنا، من خلال السينما وبعض المصورين التلفازيين، وثمة تراث تصويرى بارع، أثر على الجماعات السينمائية فى ثقافات مختلفة، وعلى تطوير أعمالهم، وعلى الدرس النظرى والتطبيقى للتصوير، والإخراج، وبقية العملية السينمائية.
فى مرحلة التحول إلى الثورة الرقمية، ساهمت الرقمنة فى التطوير التقنى للسرد السينمائى، وسيتم تطوير هذا الفن على نحو كبير. من ناحية أخرى أدى وسيدفع الانتقال إلى الذكاء الصناعى والأناسة الروبوتية إلى نقلة كيفية فى التقنيات، وفى اللغة السينمائية، بل وفى اختصار بعض الوظائف والأدوار لبعض العاملين فى الصناعة السينمائية. والأخطر.. الأخطر أن الروبوتات ستلعب دورًا بارزًا فى الصناعة مستقبلًا، من حيث التخييل ومخرجات العمل السينمائى، بل فى الأدوار، والعمليات بما فيها التمثيل والإخراج والسردية. هذا التوجه قد يبدو غريبًا لدينا، نظرًا للجمود وتدهور الفن السينمائى من حيث التجريب الخلاق، ومتابعة التطورات التقنية للذكاء الصناعى وثوراته التى ستتلاحق وتتتابع مع الرقمنة.
فى ظل الذكاء الصناعى، وعالم الروبوتات الذكية، وربما مفرطة الذكاء فى المستقبل، يُطرح سؤال حول مستقبل السينما فى عالمنا المتحول؟
تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على بعض المؤشرات الراهنة فى عالم الروبوتات، خاصة أنها ستدخل عالم الكتابة بلا مدخلات كما حدث وكانت كتابة عادية لكن المستقبل سيؤدى إلى تطور هذه الكتابة من مقال عادى إلى ما هو أكثر من العادى! ثمة استخدامات للروبوتات والذكاء الصناعى فى بعض الأعمال السينمائية الأمريكية. بعض المؤشرات تشير إلى أن الروبوتات بعضها يحمل مشاعر إزاء الإنسان كما ظهر مؤخرًا، وأدى إلى فصل أحد الموظفين الذى أفشى هذا الخبر إلى وسائل الإعلام، وأدى ذلك إلى التحقيق معه وفصله من إحدى شركات الرقمنة الكبرى فى عالمنا!
إذا صدق هذا الخبر، سيعنى ذلك احتمالات كبرى على صناعة السينما، بل وموضوعاتها فى زمن الأناسة الروبوتية، والأهم أن الذكاء الصناعى، والرقمنة، والروبوتات ستفتح آفاقًا بعيدة المدى عن التخييل فى السرود السينمائية فى الكتابة، والسيناريوهات والتمثيل والدراما والكوميديا فى السينما، من خلال التعارف والتناقض والتنافس بين الروبوتات والإنسان، بل وفى العلاقة الحواسية بين المرأة والرجل، وبين المثليين مع بعضهم بعضًا! تغيرات ستحدث فى الشرط الإنسانى والوجودى وفى القيم والعواطف، والعمل والاستهلاك فى الدول الأكثر تطورًا، ومدى انعكاس ذلك على دول جنوب العالم الأكثر فقرًا، والفقيرة والمتوسطة وأنماط الحياة السائدة فيها.
الأمر لن يقتصر على الوجود الإنسانى، والنظام الاجتماعى فى عصر الأناسة الروبوتية، وإنما سيمتد إلى تأسيس أنظمة للحكم مختلفة، وعلاقات جديدة بين الحكام والمواطنين، بل طبيعة الحكم ذاته، إنسانى أم روبوتى وإنسانى معًا؟ أسئلة معلقة، وسيكشف المستقبل عن معطيات ومعلومات يمكن الاعتماد عليها فى استشراف مآلات مستقبل النظم السياسية الديمقراطية التمثيلية أو النظم الشمولية، والتسلطية فى بعض بلدان العالم فى ظل هذه التحولات المحتملة كونيًا. لا شك أن الخيال الإنسانى وإبداعاته لن يخضعا للتطور التقنى الذى أبدعه، ولكن سيتطور هذا الذكاء والخيال الخلاق مع تطور تقنيات الروبوت المتطورة وفائقة التطور من خلال التفاعل والضبط والانفلات والصراع.
السؤال: أين نحن من كل هذا؟
سؤال مفتوح على إمكانيات خروجنا من تخلفنا التاريخى المركب، وهيمنة السلطات الدينية وسردياتها التاريخية الوضعية ومدى قدرتها على إبداع اجتهادات خلاقة جديدة تجاوز التراثات الوضعية والتاريخية التى تكبل العقل النقدى الخلاق، ودعم حريات الفكر والإبداع والتعبير والبحث العلمى.
فى ظل احتمالات التطور فى التعليم والثقافة يمكن الحديث عن كسر سياجات التخلف، والإسراع فى اللهاث وراء عالم متحول، وفائق السرعة فى تطوراته، بما فيها الفنون والثقافة والسينما والموسيقى والقيم والأخلاقيات، وأنماط التدين الشعبى السائدة، بل وانكسار هيمنة السلطات الدينية والأخلاقية الماضوية.
هل هذه التطورات الكونية ستؤثر على صناعة السينما فى بلادنا؟
يبدو أن مع استمرار الأوضاع الحالية، والتحول إلى المنصات الرقمية السينمائية والتلفازية، ستتدهور الصناعة السينمائية وستشكل المنصات الرقمية أداة جاذبة إنتاجيًا وفى بث الأفلام والمسلسلات التلفازية، ومعها الموسيقى والغناء ودور السينما والتليفزيون، وستصبح جزءًا من ثقافة ماضوية، مكانها أرشيفات السينما والمسلسلات، ومعها الخطاب الحكائى الورقى عن السينما سيندثر مع الصحافة الورقية، والخطاب النقدى سيتحول إلى رقمى مع اللغة الوجيزة والمكثفة.
فى ظل هذه التحولات ما الذى يمكن أن تقوم به الأجيال الجديدة من السينمائيين خاصة فى ظل تدهور العملية التعليمية فى معهد السينما، وأكاديمية الفنون؟
أتصور أن ذلك يقتضى إعادة بناء الجسور مع السينما العالمية من خلال بعض المنح، أو البعثات إلى فرنسا وألمانيا، وإيطاليا والولايات المتحدة.. وروسيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا واليابان والهند وكوريا الجنوبية.. إلخ! وضرورة تنظيم ورش عمل فى التخصصات المختلفة مع أساتذة وخبراء أجانب، وتنشيط الترجمة عن اللغات الأجنبية فى الكتابات عن السينما، من ناحية أخرى إعادة النظر فى تنظيم معهد السينما وتطوير استديوهاته وتقنياته وفرض معايير صارمة للقبول به، للحد من الطلاب وخاصة التساهل مع أبناء الفنانين، الأجيال الجديدة من المهتمين بالفن السينمائى وتخصصاته عليهم الابتعاد عن الموضوعات التقليدية فى أعمالهم، وضرورة تحفيز النزعة للتجريب ومقاربة الظواهر الاجتماعية الدالة على التغير الاجتماعى، أو المشكلات الجديدة التى تواجه الإنسان المصرى، فى ظل عسر الحياة اليومية، وتدهور مستويات التعليم، والفقر الثقافى السائد، وذلك من خلال التقاط بعض الوقائع اليومية وحركة الإنسان من خلال صراعاتها وتدافعاتها ومحاولات التكيف، وعسر التكيف معها، وذلك من خلال ما يلى:
١- الانتقال من المدن إلى الأرياف، والقرى، ومشاكل الإنسان داخلها، والتغير فى القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، ونزع الأقنعة اليومية، بحثًا عما وراءها، والازدواجيات السلوكية، وفى اللغة المراوغة التى يستخدمها الإنسان الريفى- المرأة والرجل- وخاصة ما وراء سيطرة النزعة الذكورية، والبطريركية على المرأة روحًا وجسدًا ودورًا فى نظام الأسرة والعائلة، وكيفية تعامل المرأة الريفية فى الصعيد أو الدلتا، مع هذه السياجات الذكورية وكسرها أو المراوغة معها، أو التكيف!
٢- الاهتمام بقضايا أطفال الشوارع، وجماعات المتسولين، والمراهقين.
٣- التقاط مشاكل الأقليات الدينية والعرقية والمناطق الهامشية، وانعكاساتها على الإنسان فى تفاصيل الحياة اليومية، ومشكلات الاختلاف الدينى والمذهبى والعرقى، والمناطقى.
٤- ظواهر ترييف المدن اجتماعيًا، وقيميًا، وتدهور الحياة فى المدن الكبرى.
٥- ظواهر وأقنعة التدين الشعبى، وتحولاته فى الريف، والمدن المريفة، ومثالها سلفنة الثقافة الدينية فى مدينة الإسكندرية.
٦- استعراضات رجال الدين على الواقع الرقمى، وخطابهم الدينى النقلى الموروث، وفتاواهم وآراؤهم المضادة لأسئلة ومشكلات وظواهر حياتنا العصرية، ومحاولاتهم إيجاد جسر يربط الحاضر وإعادته لماضى السرديات التاريخية الدينية، والإفتائية.
٧- ظواهر الثراء المفرط عند قمة النظام الاجتماعى، وحياتهم، والاستهلاك الوحشى، واستعراضاتهم للثروة والنفوذ وتراجع ثقافة هذه الفئات الثرية عند القمة، ومشاكلهم مع بعضهم بعضًا، ومع الأبناء والعلاقات بين النساء والرجال فى إطار الزواج، وخارجه.
٨- ظواهر الطلاق، وارتفاع معدلاته على نحو غير مسبوق فى التاريخ الاجتماعى المصرى، وانعكاساته على قيم الأسرة، وثقافة الجسد، والأطفال.. إلخ.
٩- العلاقات بين الذكور والإناث فى مراحل المراهقة وما بعدها، وخاصة بين طلاب وطالبات الجامعة، سواء أكانت علاقات عاطفية، أو جسدية خارج الزواج، أو من خلال الزواج العرفى، وأشكال ومسميات الزواج خارج القانون أو مسميات لعلاقات جنسية حرة تحاول إيجاد شرعنة ما لها تحت هذا الاسم، أو ذاك!
١٠- زواج الأطفال، وختان الإناث والذكور، كلها ظواهر ضبط اجتماعى بتأويل دينى بهدف السيطرة على الجسد الأنثوى، وتشويه أعضائه، وهى ظاهرة مصرية وسودانية قديمة لا نظير لها عربيًا، بما فيها السعودية ودول الخليج والعالم العربى.
١١- سرديات سينمائية حول جغرافيا الهامش المصرى فى سيناء، وقبائلها وتقاليدها، وقيمها ومشاكلها ونظامها الاجتماعى، وفى منطقة أولاد على وقبائلها وسيوة والواحات وعوالمها الذكورية، وبعض أنماط السلوك المثلى غير المعلن، وأوضاع النساء ومشاكلهن وإبداعاتهن فى الصناعات اليدوية وفنونها، هنا لا نريد سرديات توثيقية فقط فى عموم الظواهر، وإنما تجسيداتها فى السرود الشخصية، والحالات. هناك أيضًا عالم النوبة الذى لا يزال يحتفظ بأسراره، ومضمراته وثقافته، وأساليب الحفاظ عليها، رغم الزواج المختلط على محدوديته، وبناء الثقافات فى المدن الكبرى وعلاقاتهم مع الآخرين/ الأغيار «الجوربتية» باللهجة واللغة النوبية فى القاهرة والإسكندرية وأسوان.. إلخ!
١٢- ظواهر نهايات الوظائف والأدوار والاستعراضات، نجوم أفلت، وضاع بريقها من النساء والرجال من مستويات مختلفة حالهم أوضاعهم وحنينهم/ هن لماضيهم/ هن تحت الأضواء، والكاميرات، والبرامج المتلفزة وعملهم/ هن فى الأفلام، المسلسلات، وظاهرة عدم عمل نجوم السينما، والدراما التلفازية من كبار السن.
١٣- ظواهر وسائل التواصل الاجتماعى وما بعد الحقيقة وسيادة ظواهر الأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة وغير الحقيقية كما تبدو فى خطابات المنشورات، والتغريدات والفيديوهات الطلقة.
١٤- ظواهر تسليع الجسد على مواقع التواصل الاجتماعى، ومحاولة توظيف الجسد الكيرفى فى ثقافات مختلفة، من أجل تغيير مفاهيم الجمال الجسدى، وفرض ما كان يعتبر غير جميل، إلى جميل وأثارى من خلال استعراض الجسد الكيرفى والتعبيرات الحواسية والشهوانية على الوجوه وحركة الجسد الضخم، والمترهل، وأيضًا من أجل تحقيق أعداد كبيرة من المتابعات تسمح بالحصول على المال.
هناك أيضا ظواهر عروض أنواع من المأكولات من نظم الأكل، أو الشراب فى ثقافات متعددة فى عالمنا، الهند، ودول غربية، وعربية، ومصر، فى إعداد الوجبات وبعضها مع إظهار بعضهن أجزاء من أجسادهن للإثارة أثناء إعداد الطعام.. إلخ.
ظواهر جديدة للرقمنة، وأثرها على السلوك والإدراك والوعى، وأيضًا الأهم ما وراء هذه الظواهر والمشاهد المتغيرة التى تحتاج إلى رؤية مختلفة ومعالجات سردية سينمائية أو توثيقية أو صحافة استقصائية.
١٥- ظواهر العنف اللفظى والرمزى، وما وراءهما والتى باتت جزءًا من حياتنا اليومية، وتحليلها عبر الصورة والسرد السينمائى عبر «الفرد».
١٦- عالم الفن التشكيلى، وحكاياته ورموزه وهامشييه من الفنانين، يبدو بعيدًا عن السرود السينمائية، وبعض الأفلام الوثائقية محدودة، لكن الأهم ما وراء سرديات شخوصه الشهيرة، والهامشية، وتراجع الاهتمام العام بهذا العالم الجميل، والصعب ومواهبه وشخوصه، وهو عالم من السرود الدرامية، والسيرية التى نادرًا ما تم تناولها فى أعمال سينمائية.
١٧- نهاية عوالم ووظائف صنعت شهرة رموز كانوا ملء السمع والبصر، من الصحفيين فى الصحف والمجلات الورقية وبعض مقدمى البرامج الإذاعية ونشرات الأخبار وغادرتهم الشهرة والوظيفة، وآخرها إغلاق راديو الـB.B.C العربية، وتحول بعض مواده إلى التليفزيون، والواقع الرقمى، والاستغناء عن ٤٠٠ من العاملين فى الإذاعة! هناك أيضًا التلفازات الحكومية وقنواتها التى لا يراها إلا قلة، ولم يعد مقدمو برامجها لديهم شهرة الماضى الذى أفل، ولا يقبل الجمهور عليهم كما كان فى السابق. ما وراء هذه الظواهر موضوعات درامية سينمائية، وتلفازية وتوثيقية وأفلام قصيرة، أو وجيزة، وتحتاج إلى تخييلات خارج الصندوق السائد فى التفكير السينمائى، لا سيما من الأجيال الشابة التى ترغب فى العمل بالفن السينمائى.
١٨- عوالم الجاليات أو التجمعات العربية المهاجرة والمقيمة فى مصر، السعوديين والسعوديات، والسوريين والعراقيين وأشقائنا السودانيين حياتهم، معاشهم، تفاعلاتهم اليومية مع المصريين، مشاكلهم، كلها ظواهر تحتاج إلى تعامل السينما معها.
١٩- عالم الأجانب من الأوروبيين والأمريكان والروس فى مصر.
٢٠- عالم الحياة فى أسوان وزواج بعض الأجنبيات من أوروبا من الشباب الأسوانى، والنوبى.
٢١- حياة الروس والأوكرانيين وبعض الأوروبيين فى مناطق البحر الأحمر الشاطئية وعملهم فى تقديم الخدمات مثل المأكل والمشرب... إلخ، وعلاقاتهم بالمصريين، سواء من خلال الزواج أو خارجه وخبراتهم وسير حياتهم.
الموضوعات السابقة أمثلة بسيطة على العوالم المتعددة فى الحياة المصرية، وظواهرها السلوكية ومضمراتها وما وراءها، من سرود، تتطلب توظيفها كمواد لبناء سرديات فيلمية-أيًا كانت - والخروج من الموضوعات النمطية التى تعالجها السينما، والدراما التلفازية على قلة إنتاجها، ومن ثم تحتاج الأجيال الجديدة فى السينما المستقلة لأن تخرج من نطاق سياجاتها النمطية التى لم تعد تثير دهشة أو اهتمام جماعات المشاهدين على قلتهم. إن اختيار أى موضوع أو قصص الحياة أو الجرائم أو الظواهر السلوكية والقيم الجديدة والتفسخ الاجتماعى فى الأسرة، وتدهور الأوضاع المعيشية وثقافة الفوضى، كلها أمور تحتاج إلى رؤية غير نمطية ومعالجات بصرية مختلفة عن السيناريو والحوار والتصوير والإخراج عما هو سائد فى السينما المصرية التى باتت فى حالة تدهور إنتاجى وإخراجى وسردى وبصرى. المدخل هو الهم الإنسانى الفردى فى واقع مضطرب وصادم، ويفتقر إلى المعنى، والدلالة لدى الجموع الغفيرة فى غالبها، هذا الواقع الفردى وأبعاده الإنسانية هو ما يؤدى إلى بناء السرد البصرى والدرامى والإخراجى المختلف، وذو الخصوصية الفردية والجماعية الحاملة معانى ودلالات غير مباشرة للهم الإنسانى العابر الثقافات والحدود، والمجتمعات. من هنا يبدو هذا البعد الإنسانى الذى سينطلق من الخصوصية هو مدخلنا للحضور فى المهرجانات الدولية والإقليمية ويجعل من السينما فى عصر الرقمنة، والمنصات الرقمية السينمائية، أداة للارتقاء الجمالى بالوعى الفردى، والجماعى. كسر النمطية يتطلب ثقافة عيون مترعة بالتعدد فى المدارس والتجارب السينمائية فى الغرب، وأوروبا الشرقية وآسيا فى اليابان والصين وكورياالجنوبية واليابان والهند.. إلخ، والتجارب السينمائية فى أمريكا اللاتينية، وأيضًا إفريقيا والعالم العربى، مشاهدات كثيفة، ومتابعات للكتابات النقدية المختلفة باللغات الأساسية الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، وأيضًا اللغة الصينية التى ستكون من ٢٠٥٠ إلى نهاية القرن اللغة الأولى فى عالمنا.
من هنا دعم الدولة سياسة جديدة للترجمة، ومنها السينما من الأهمية بمكان سواء بنشرها ورقيًا أو رقميًا، كى تستفيد الأجيال الشابة من هذه الترجمات، وأيضًا مكتبة سينمائية رقمية كونية، وهى أمور تحتاج إلى تفاهمات واتفاقات على بثها رقميًا مع الدول الكبرى كجزء من التعاون والمعونات الفنية/ الثقافية، والتعاون الثقافى بين مصر وكل بلد على حدة، وهى أمور تحتاج إلى رؤية وجهد أكبر من بيروقراطية وزارة الثقافة ووزرائها وإنما جهد وحركة الحكومات أيًا كانت!
إن تجربة السينما المصرية كرؤى، وتجريب ومغامرات عبر الأجيال الشابة الجديدة تحتاج إلى سياسة ثقافية مختلفة، ورؤية جديدة وتغيير فى اللجان البيروقراطية، ولعضويتها داخل المجلس الأعلى للثقافة ولجنة المهرجانات الدولية، وأيضًا إعادة النظر وتقييم أداء المهرجانات التى تقوم بها جمعيات خاصة، ولم تحقق الأهداف المرجوة من ورائها فى نشر الثقافة السينمائية، وباتت نمطية وكسولة، ولا تعدو سوى تجمع لبعض الممثلين والممثلات والمخرجين، ومحررى الصفحات الفنية فى الصحافة الورقية والمواقع الرقمية وأصدقاء منظمى هذه المهرجانات! مهرجانات ذات طابع سياحى، واستعراض لا يحضر عروضها حتى غالب المدعوين لها، من ثم لا توجد مشاهدات حقيقية، ولم تمتد آثارها إلى كافة الأقاليم الثقافية والمدن والقرى لم لا تعقد هذه المهراجانات فى المحافظات؟ كى تكون لهذه المهرجانات وظيفة وغاية هى نشر الثقافة السينمائية لجميع المصريين ومحبى السينما!
يمكن أيضًا تطوير مهرجان قومى للسينما، ورفع قيمة الجوائز إلى مبالغ كبيرة مثل خمسة ملايين، أو عشرة ملايين جنيه مصرى للفيلم الفائز لكى يحفز بعض المنتجين على إنتاج أفلام جديدة، ومختلفة عن السائد من الأفلام ذات المستوى البسيط، والتقليدى.
يبدو من الأهمية بمكان عمل «سينماتيك» وأرشيف للسينما المصرية والعربية كمدخل للسينما العالمية بدعم دولى لمصر فى الإقليم العربى، من خلال الدعم بالأفلام والكتب النظرية والتطبيقية النقدية.
فى ظل غواية بعض الدول العربية النفطية منذ عقد السبعينيات للجماعة الفنية/ السينمائية للممثلات والممثلين وبعض المخرجين واستقطابهم من خلال الأجور الكبيرة والعطايا وهو ما تزامن مع مشروع وسياسة ثقافة الترفيه، يمكن مواجهة هذه العناصر من خلال سياسة ثقافية، تعتمد على تأسيس بؤرة سينمائية خلاقة وشابة من الأجيال الجديدة تتاح لها حرية المغامرة والتجريب وحرية الإبداع، سواء من خلال جهاز الدولة الثقافى والإعلامى الرسمى أو دعم السينما المستقلة رمزيًا وماديًا على نحو يسهم فى أن تشكل هذه البؤرة التجريبية فى التخييل والسرد السينمائى قوة جذب طاردة للعناصر البراجماتية التى تذهب وراء المال فى دول اليسر المالى العربى.
تشكل هذه البؤرة السينمائية الجديدة جذب نظائرها فى الجماعات السينمائية الجادة فى المنطقة العربية، ويتم التعاون والتعامل فيما بين هذه الجماعات، وعمل مهرجان سنوى للسينما المختلفة عربيًا، إنشاء منصة سينمائية رقمية مصرية تعرض من خلالها الأعمال المصرية والعربية.
إن تراث السينما المصرية يشكل قاعدة حركة وتجديد، لكن من منظور إنسانى وكونى متعدد، وهذا سوف يعتمد على تطوير التعليم فى معهد السينما، وربما فى مرحلة ما، يتم إنشاء معهد حديث للسينما ويتم إلغاء المعهد الحالى، الذى ربما لا يستطيع من حيث تركيبته، ودراسته، أن يواجه عالم الذكاء الصناعى والأناسة الروبوتية والانفتاح على دنيا جديدة مختلفة، وانعكاساتها على بلادنا وحياتنا.