في ظل غلاء الأسعار.. هل يكون الكتاب الإلكتروني بديلًا للورقي؟
ما مصير الكتاب الورقية؟.. لا سيما أن العالم يخوض حروب دون أسلحة هذه الأيام، حروب ضد الغلاء ونقص الغذاء والطاقة، في الواقع هي من أجل البقاء، وتمر بها كافة الدول دون التفرقة بين قدراتها المادية ومستواها المعيشة، وهي نتاج الحرب الروسية على الأراضي الأوكرانية، وما تلاها من تصعيدات وعقوبات تسببت في زيادة أسعار السلع والخدمات ومزيد من معدلات التضخم وانهيار عملات محلية للكثير من الدول، وعالمية أبرزها اليورو، وكانت صناعة النشر من ضمن الصناعات التي باتت مهددة بالانهيار التام بسبب الغلاء.
السبب وراء التهديد المحقق هو ارتفاع أسعار الورق نحو أربع أضعاف من فبراير الماضي، وهي أزمة بدأت منذ وباء كورونا 2020 ورفعت الأسعار عالميًا، لكن في مصر الوضع صار أسوء، فكان سعر طن الورق يناير من العام الجاري 16 ألف جنيه، وفي أقل من 10 شهور تجاوز الأربعين ألف جنيه مصري، هذا إن توفر، والسبب هو زيادة سعر الدولار الأمريكي، وعجزت العديد من دور النشر عن توفير العملة الصعبة للوفاء بالتزاماتها ناحية الكتاب ومواعيد المعارض العربية المقبلة من الرياض للشارقة ثم بغداد، لتنتهي الرحلة بمعرض القاهرة الدولي في نسخته القادمة يناير 2023، وللخروج من الأزمة بدأت عدد من دور النشر في الوصول لحلول لمنع توقف إصدار الكتب وقتل الحياة الإبداعية في مصر على شكل إلكتروني بدل الورق والاستعانة بالتطبيقات الإلكترونية والمواقع لسد تلك الفجوة.
عدد الكتب والإصدارات الإلكترونية زاد في مصر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لكن أزمة الورق مهدت لمضاعفة هذه الكمية في الشهور الأخيرة، فهل في المرحلة المقبلة سترفع دور النشر لجانب الكتاب شعار "وداعًا للورق" وينتهي عصر الكتاب الورقي؟.. نبحث ذلك في هذا التقرير.
دار العربي: أصدرنا كافة كتبنا إلكترونيًا لنصل لفئة كبيرة من القراء الشباب
هناك عدد من دور النشر غامرت الفترة الأخيرة وأنتجت عدد من إصدارتها إلكترونيًا قبل الشكل الورقي، من بينها الدار العربي للنشر، حيث لجأت لحل مؤقت كي تتجاوز الأزمة وهو طرح الإصدارات الخاصة بها إلكترونيًا على المنصات وتطبيقات المدفوعة، بإطلاق مبادرة خاصة بهم حملت عنوان "إلكتروني أولًا"، من هنا أوضح شريف بكر مالك دار "العربي" أن هذا الحل ليس وليد اللحظة، فأزمة الورق وندرتها باتت مشكلة قديمة ومتجذرة منذ عامين وهددت معرض القاهرة الدولي للكتاب العام الماضي، لكنهم استطاعوا بالكاد تجاوزها، لكن العام الجاري وقفوا أما خيارين إما الخروج من المنافسة أو الطرح الإلكتروني، لكنه لم يكن حل نهائي، فلم يعود بالفائدة على الدار والمؤلفين، لكنهم كانوا مجبرين عليه لسداد جانب من الالتزامات، ومن هنا لجأ بعد الناشرين لاتباع منهج "الطباعة عند الطلب" وهو الاكتفاء بطباعة عدد من النسخ تكفي للحاجة فقط.
وأكمل شريف بكر أنه قد تعاون مع تطبيق "أبجد" لنشر إصدارات الدار عبره، وذلك بعد تطور شكل الكتاب المعروض عليه، فقد أصبح شكل الكتاب عليه يضاهي الإصدار الورقي في جودته، فمر الكتاب الإلكتروني بعدد من المراحل تطوير حتى أصبح على صيغتين “PDF “ وهو لا يحبذها كونها تهدر شكل الكتاب ويصعب القراءة أحيانًا، والثانية هي ما يعتمد عليه حاليًا صيغة Epub وهي صيغة مفتوحة المصدر من صيغ الكتب الإلكترونية، واللفظ مشتق من العبارة (Electronic Publication) وتعني: (النشر الإلكتروني)، وكتاب ePub عبارة عن ملف مضغوط، مما يتيح عرض الكتاب كامل مزود بالرسومات والصور وخلافه، وأوضح أن "أبجد" ليس التطبيق الوحيد الذي تعامل معه في هذا الشأن، فهناك تطبيقات تشتري كتاب وحقوقه وتنتهي علاقة دار النشر به من أول بيعه، وتطبيقات أخرى يتم فيها الاتفاق مع دار النشر على التحصل على عوائد القراءة بنسبة معينة، وهو أنسب ليحقق الكاتب ودار النشر جانب من الربح لاستمرار الصناعة.
شريف بكر: الكتاب الإلكتروني ينعش صناعة النشر
يوضح شريف بكر أن كافة إصدارات دار العربي حاليًا متاحة بشكل إلكتروني، وهو مناسب لفئة عريضة من القراء والسواد الأعظم منهم حاليًا من شريحة الشباب الذي يميل أكثر للتقنيات الرقمية، لاسيما في الكتب الكبيرة، فهي أسهل في الحمل، فهناك كتب يتجاوز عدد صفحاتها 1000 ورقة، علاوة على إن إصدارات بهذا الحجم تكون كلفتها عالية ولا يتحملها الشاب خاصة الكتب العلمية والدراسية، وهناك ميزة إضافية جعلت القراء ينجذبوا للإشتراك في التطبيقات الالكترونية وهي أن الدفع مرة شهريًا بمبلغ رمزي يتيح تصفح آلاف الإصدارات، وتضمن عدد من الكتب محظورة التداول وهو ما يحبذه الجمهور، علاوة على أن تلك الطريقة توفر الكتاب للقارئ في الداخل والخارج، محققًا المزيد من النجاح المعنوي والمادي.
دار روافد: الكتاب الرقمي ينعش الثقاقة بدلًا من قتلها على يد الغلاء
أما عن رأيه في فكرة أن الكتاب الإلكتروني سيقضي على الورقي، فيوضح إسلام عبد العاطي، مالك دار نشر روافد، أن ذلك مستبعد، فالورقي له جمهوره ورونقه، لكن سيكون على الجمهور استيعاب الزيادة في الأسعار مع دعم من الدولة لتجاوز الأزمة المادية كي تستمر الصناعة، فدار النشر لن تستطيع الاستمرار إن اعتمدت على الإلكتروني فقط، فبيع النسخة الورقية تقدم مقابل المطبوعة لحظيًا، على عكس الأخرى، فيصل للناشر مقابل سعر عدد الصفحات المقروءة فقط وهو ثمن هزيل جدًا.
شيرين هنائي: الكتاب المشهورون سيصدروا كتبهم إلكترونيًا الفترة المقبلة
هناك عدد من الكتاب حذوا نفس النهج بعيدًا عن دور النشر، من بينهم الكاتبة شيرين هنائي التي بادرت بإصدار عدد من مؤلفاتها إلكترونيًا، وذلك بالتعاون مع دار كوتبيا للنشر، وفكرت في ذلك بسبب اتساع دائرة جمهورها من الشباب، وعجزهم عن شراء الكتاب بسعره الحالي، فبحثت عن وسائط أوفر وأبسط، خاصة أنها رأت عدد كبير من الجمهور ينتظر صدور الإلكتروني بعد نشره ورقيًا، وهي فترة تصل أحيانًا بشهرين وثلاث تجعله يعزف عن قرأته في النهاية أو استعاراته من غيره، لذا فكان النشر الإلكتروني هو الأقرب هذه الفترة.
توضح شيرين أنها استثمرت تلك الوسيلة في إصدار جزء من سلسلتها الناجحة "لاشين" حيث كان ينتظر هذا الجزء عدد كبير من القراء، ويسألونها عنه بصفة مستمرة، لذا كان لجوئها للصيغة الرقمية هو أسرع وأقرب للقارئ، مكملة أن تلك الطريقة سيميل لها عدد كبير من الكتاب خاصة المعروفين، فهم لهم شريحة كبيرة من الجمهور بالفعل، وسيقبلوا على الاشتراك في التطبيقات لقراءته حصريًا ودفع خصيصًا لقراءة الكاتب كاملًا مما يعود على الكاتب بربح، لكن تلك الخطوة لن يتشجع لها الكتاب الجدد، فهم يضمنوا البيع الورقي وتحقيق الربح منه ببيع عدد كبير من النسخ.
أما عن الفكرة المنتشرة عن أن الكتاب الإلكتروني سيقضي على الورقي، فتؤكد “هنائي” أنها فزاعة ليس لها أساس، لكن سيتوفر الشكلان لاستمرار حركة القراءة، وهناك دور نشر ستطبع على حسب المطلوب فقط، خاصة أن الكتاب بات يكلف أكثر من ربحه ويزداد الوضع سوءً عند سرقة الكتاب وطباعته في الأسواق دون حماية لحقوق ملكية دار النشر والكاتب، وهو أمر يقتل صناعة النشر بالتدريج، لكن الكتاب الإلكتروني يكلف 10% من التكلف في التصحيح والتنسيق فقط.
وتكمل أن استمرار الورقي مرهون بدعم دور النشر، لكن الكتاب لا يهمهم شكل الإصدار بأي حال، فكل ما يهمه وصول أفكاره وإبداعاته للقراء بأي وسيط.