يوسف إدريس يكتب: فقر الفكر.. وفكر الفقر!!
كان يوسف إدريس «١٩٢٧-١٩٩١» أمة وحده.. موهبة بركانية متفجرة تحرق ما تصيبه لكنها تترك تربة خصبة تبقى لآلاف السنين.. كان عقلًا جبارًا وقلمًا حادًا وشخصية قوية ومثقفًا واعيًا بألف لام التعريف.. انخرط فى مقاومة الاحتلال وهو طالب فى كلية الطب واعتقل أكثر من مرة وخرج مؤمنًا بأن الكتابة هى طريقه لتغيير العالم.. عمل طبيبًا من ١٩٥١حتى ١٩٦٠ وجرب الطب النفسى لكنه تراجع وقرر أن يكتب عن نفوس البشر لا أن يعالجها.. انفجرت موهبته الأدبية مثل بركان مع مجموعته «أرخص ليالى ١٩٥٤»، ثم «جمهورية فرحات ١٩٥٦» ومنحه طه حسين صك اعترافه قائلًا عنه «أجد فيه من المتعة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثلما وجدت فى كتابه الأول أرخص ليالى وأكثر».. انطلق بعدها مثل قطار سريع من نجاح إلى نجاح ووصفه النقاد بأنه «تشيخوف العرب» وقال البعض إن موهبته لا تقل أبدًا عن أى كاتب عالمى.. احترف العمل فى الصحافة فى ١٩٦٠حين عيّنه الرئيس السادات صحفيًا فى الجمهورية التى كان وقتها مسئولًا عنها وانتقل للأهرام بطلب من الأستاذ هيكل فى بداية السبعينيات.. كان ذا عقل حاد وطبيعة نقدية لا يترك مسافة بينه وبين الواقع اليومى كما كان يفعل الأستاذ نجيب محفوظ.. كتب كل أعماله فى الخمسينيات والستينيات، ومع السبعينيات تفرغ لكتابة المقال الصحفى بشكل شبه كامل.. حين شعر البعض بالقلق من غيابه عن كتابة القصة سألوه لماذا تهتم بالمقال وتترك القصة، فقال لهم «لا أستطيع أن أجلس فى الصالون لأكتب والنار مشتعلة فى بقية المنزل»! كان يشعر بأن عليه واجب المواجهة والاشتباك مع الواقع.. وأن المقال هو سلاحه الأسرع فى هذه المعركة التى يخوضها بهدف الإصلاح.. انطلقت مقالاته مثل قذائف بركانية وتسبب بعضها له فى متاعب وعتاب من أعلى مستويات السلطة، لكنه واصل الكتابة على صفحات الأهرام وعدد من كبريات الصحف العربية.. جمعت مقالاته فى كتب مثل «الإيدز العربى» و«فقر الفكر وفكر الفقر» و«انطباعات مستفزة» وأقبل عليها القراء كما أقبلوا على قصصه ومسرحياته.. شغلته قضية الفكر والثقافة ودورهما فى نهضة مصر والدول العربية، وكتب عن هذه القضية عدة مرات.. فى السطور المقبلة ننشر مقاله الذى نشره فى الأهرام عام ١٩٨٥ من كتاب «انطباعات مستفزة» تحت عنوان كان يحبه ويتحدث عنه كثيرًا وهو «فقر الفكر وفكر الفقر».
وائل لطفي
ليتحدث إخصائيو الاقتصاد فى عالمنا العربى قائلين: إن مشكلة عالمنا العربى هذا، مشكلة بالدرجة الأولى اقتصادية، فائضٌ كبير فى الدخل من ناحية، ونقصٌ كبير فى دخول الأفراد والدول الأخرى من ناحية. ليقولوا إننا— فى مجموعنا— شعوبٌ مستهلِكة مستوردة، حتى الزراعى فيها يستورد القمح واللحم، والبترولى فيها يستورد البترول مصنَّعًا. ليقولوا: إن كل بلد منها محاصَر بالشيء ونقيضه فى آن معًا. وفرة فى السكان رهيبة فى مصر مع قلة فى الأيدى العاملة الخبيرة، وفرة فى البشر وقلة فى الأرض، وفرة فى الأفواه وقلة فى الإنتاج. فى الجزائر مثلًا وفرة فى الثروة الطبيعية، وقلة إلى درجة الشح فى الثروة السكانية، فى السودان أرض لا أول لها ولا آخر، ماءٌ لا أول له ولا آخر، ونقصٌ رهيب فى المال اللازم والفلاح اللازم.
ليقل الاقتصاديون هذا وربما ما هو أكثر بكثير وأدقُّ منه، وليُشخِّصوا مشكلتنا على أنها عدم تكامل اقتصادى عربى بحيث إن الأجزاء الثلاثة موجودة وبكثرة: الإنسان والمال والأرض بثرواتها، ولكنها أجزاء لا تزال متنافرة، لا تريد أن تتحد ليتكوَّن منها ذلك المركَّب العظيم القادر على أن يجعل منها «خير أُمَّة أُخرِجتْ للناس».
وليقل السياسيون ما شاءوا، السياسيون بيمينهم ويسارهم ووسطهم. اليمين ينادى بالارتباط السياسى الاقتصادى، وحتى العسكرى مع الغرب لحل المشكلة القومية، مشكلة الوطن الفلسطينى والأرض المحتلة، واليسار يتفرع من النداء بالحرب الشعبية وسيلةً وحيدة، لتخليص العالم العربى من الاحتلال الإسرائيلى الاستيطانى والاحتلال الغربى الاقتصادى، يتفرع من النداء بهذا والرفض الكامل لأى حل ما عداه إلى قبول لحلول، شرط أن تكون فى إطار الثورية، وشرط ألا تكون فى إطار الاستسلام لمطالب العدو ومطامحه، بل هناك يسار طلع علينا أخيرًا يطالب بأن ينفض اليسار نفسه من الموضوع كله، ويترك اليمين يجرب تجربته، ويمشى فى طريقة إلى منتهاه، عساه ينجح فيما فشلت فيه الثورية اليسارية.
وليقُلْ علماء الاجتماع: إنها مشكلة تطور، إننا فى عالمٍ ثالث، على رأسه هذا صحيح، حضارتنا قديمة، وإنساننا ليس ابن الأمس، وإنما عمره آلاف الأعوام، ولكنا لا نزال نتخبط مع إخواننا المساكين، مثلنا أهالى العالم الثالث الذين فاجأهم الاستعمار الإنجليزى والفرنسى والبرتغالى والهولندى بخروجه المفاجئ المبكر أو المتلكِّئ. ولعلمه أنها مجتمعات تنقصها مكونات الدولة، فقد عادت هى تستعين به وبزعيمته الصاروخية أمريكا. خرج من النافذة ودخل من الباب ضيفًا عزيزًا مكرمًا لا يخسر مليمًا على جيش احتلال، ولا يعانى أفراده من خوف القتل والثورة والهبات.
ولْيقل الكتاب والفنانون: إننا فى مجتمع يعانى الإحباط، وإننا رقصنا على السلم، وإننا بينما كنا نقاوم الاستعمار كأمم وقوميات، ها نحن بعد زوال معسكراته نعود إلى القبلية، والعشائرية والإبطية.
وليقل المؤرخون: إن الإسلام كحضارة ورسالة لم يحدث إلا لزمنٍ قليل، فالوحدة الإسلامية صنعت الفكر والحضارة، وهزمت الإمبراطوريات، واستولت تقريبًا على العالم القديم كله حين انطوى العرب وغيرهم تحت راية الإسلام الواحدة، ولم يعد فرق بين عربى وأعجمى إلا بالتقوى، وأن الأمة تبعثرت، والحضارة تبخَّرت، والعالم الشاسع الواحد تمزَّق حين خفتت راية الرسالة، لتعود تطفح فوق السطح الخلافات بين عرب يعرب وعرب لست أدرى ماذا، هكذا بالتناحر الوحشى بين أبناء العمومة والخئولة، وحتى الأشقاء، انحسرت الشمس عن الأندلس، وجاء المغول، ومن بعدهم الصليبيون والأتراك، وانتهى أعظم فصل من القصة.
ليقل كلٌّ منا ما يقول، فالأقوال كثيرة، وباب الاجتهاد فى التفسير مفتوح، ليفسر الجائع الذى يقرص بطنه الجوع ما يتراءى له من تخاريف الجوع، وليفسر الشبعان «المبسوط كده» ما شاءت له أبخرة الشبع والشراب المتصاعدة إلى مخيلة ضمنت تمامًا حاضرها، وضمنت تمامًا على الأقل مستقبلها ومستقبل أولادها. وليكن بعد هذا ما يكون.
بل لا أبالغ إذا قلت إنه أصبح لكلٍّ منا على حدة، لكل إنسان قادر على التفكير فى أمتنا العربية، أصبح لكل منا رأيه الخاص ورؤاه الخاصة، بل حتى من لا يملكون أدوات التفكير يفكرون، بل ويخرجون بحلول. مائة وعشرون مليون رأى وحلٍّ، حتى ابنتى نسمة «عشر سنوات ونصف» لها تحليل ورأى وحل، فكلما رأت رونالد ريجان على شاشة التليفزيون صاحت: رونى أهه.. رونى أهه. وأسألها مشاكسًا: من يكون رونى هذا؟ فتقول «متأثرة بالجو النفسى الذى تحياه مع ابننا الأكبر والثانوية العامة»: آه عارفاه، مش ده اللى فى إيده ٩٩ فى المائة من أوراق اللعبة!
وقد يَعتبر البعض أنى أخترع نكتة على لسان «نسمة» ولكن لا تتصوروا كم تتمتع أجيالنا الجديدة جدًّا، وخاصة مَن لديه أو لديها استعداد، كم تتمتع بقدراتٍ عقلية وإبداعية مخيفة.
وحين يصبح الرأى ١٢٠ مليون رأى فلا يعود ثمة رأى، ولا يعود ثمة قيمة لرأى، فالرأى يستمدُّ قوَّته وفاعليته من عدد المجمعين عليه.
جاء وقت على أمتنا العربية كان مثلها الأعلى فى حاكمها أن يكون ذلك «المستبدُّ العادل»، فيه وعنده تتركز وسيلتنا للخلاص. كم أرقتنا الأحلام بذلك المستبد! بذلك المستبد العادل الذى سيجتمع رأينا فى رأيه، وبقوة يطبق العدالة والقانون، بل لعل وراء هذا الحلم كثير من الثورات والانقلابات التى حدثت فى عالمنا العربى، وفى العقل الباطن لكل ثائر أو منقلب، أنه لا بد أن يكون أو يحقق ذلك المستبد العادل.
وجاء وقت على هذه الأمة راحت تحلم فيه بالزعيم الواحد أو الأوحد الذى يجمع الجماهير حوله، ويجعل من ملايين الأصفار أعدادًا صحيحة تقبل الجمع والتكاثر والضرب وتصبح لها فعلًا فاعلية الملايين. أناس كانوا يفكرون فى الفرد الزعيم، وأناس يفكرون فى الشعار، وهكذا!
وجرَّبنا..
وجرَّبت هذه الأمة الزعامات أشكالًا وألوانًا وأسماء، بل جرَّبنا أحدث صيحات القيادة، القيادة الجماعية، ومؤتمرات القمة، والقرارات الحاسمة التى لا رجعة فيها.
وسوف نظل نجرب، لأننا سوف نظل نحيا.
ولكن المشكلة أننا بعدُ لم نجرب كلمةً غريبة ينظر الناس إليها دائمًا «وخاصة الحكومات» بريبة، وبنوع من الإحساس بالأرتيكاريا، ألا وهى «الفكر».
أنا أُفكِّر، فأنا موجود. قالها الرياضى الفيلسوف «رينيه ديكارت» من زمن، ولكن لا أقصد ما قال «رينيه ديكارت» ولا أقصد الفكر بمعنى التفكير.
أنا أقصد الفكر بمعنى النور.
أنا أقصد الفكر بمعنى الثراء الفكرى الوافر.
ونحن أغنياء فى بشرنا، أغنياء فى أرضنا، أغنياء فى صحارينا، أغنياء بمحيطنا المتحد الواسع الذى يحتل قلب العالم، وجغرافيًّا يتحكم فيه، وبتروليًّا وأرصدة يتحكم فيه، بل واستراتيجيًّا أيضًا يتحكم فيه. أغنياء فى كل شيء بوفرة، ولكنَّ تفرُّقنا الأزلى هو فقر فكرنا.
ببساطةٍ شديدة تعالوا بنا فى جولةٍ سريعةٍ خاطفة نستعرض كمَّ ونوع الفكر المطروح فى عالمنا العربى. لا أقصد الفكر بذاته أو لذاته وإنما أقصد الفكر كمشاعلَ متعددة الأنواع ولكن هدفها واحد، أن تُنير، لمن يريد أن يفكر أو يحل أو يعرف، الطريق إلى الحل.
إن الذى أحدث الانقلابات الرهيبة فى سياسة أمريكا الخارجية بضعة كتب— من بينها بالطبع كتاب كيسنجر الشهير— التى كانت إحدى الأفكار الهينة فيه فكرةً مبسطة جدًّا: لماذا نقاطع ونعادى المعسكر الشيوعى، لماذا بدلًا من أن نقاطعه ونعاديه لا نتاجر معه، بل ونحيله إلى سوق لبضائعنا.
بهذه الفلسفة الجديدة التى تخلَّت بها أمريكا عن موقفها «المبدئى» من معاداة الشيوعية عالميةً ومحليةً وروسيةً وصينيةً، إلى أن أصبحت الصداقة بين أمريكا والصين ربما أشد من الصداقة التى بين أمريكا وجارتها الرأسمالية المكسيك.
هذه أفكار طُرحت فكانت نتيجتها تثقيفًا للساسة والسياسة، وتعبيدًا للطريق، ومكاسب عظمى ليس لأمريكا وحدها وإنما للنظام الرأسمالى فى العالم كله، بل نتيجتها أن تحوَّل الدولار من هابطٍ على الدوام فى سلم القيمة إلى مرتفع ومرتفع، لتصبح أمريكا قابضة على أقوى اقتصادَين فى العالم ألمانيا واليابان، ومن بعدها فرنسا وإنجلترا وعالمنا العربى والثالث كله، قابضة قبضة لم تحدث لأمة من قبلُ ولا أعتقد أنها ستحدث من بعدُ.
النقود أصلها فكر، وازدهار الاقتصاد أصله فكر، والثورة فكر، والحرب فكر، والسلام فكر. وهناك صحيح أفكار مطروحة فى سوقنا الفكرية العربية، مثل فكرة التعامل الاقتصادى، ولكن، وهذا هو الفارق الهائل بيننا وبين العالم الذكى الذى يفكر من حولنا، الفكر هناك يتحول، ما دام جديدًا وصحيحًا ومقنعًا بسرعة البرق، إلى أعمال، بينما الأفكار عندنا تتحول إلى شعارات تبقى معلَّقة كالنجوم فى سابع سماء، دونك ودون تحقيقها الفورى الفعال خرط القتاد كما قال الأقدمون، بينما العطش الفكرى فى عالمنا العربى تتشقق له شفاهنا وتكاد تقتلنا ظمأً، فهناك عشرات القضايا التى ندركها ولكن لا نراها، لأن رؤيتها فى حاجة لتسليط ضوءٍ فكرى عليها، ماذا بعد المفاوضات وقيام الكيان الفلسطيني؟ ماذا إذا لم يقم هذا الكيان؟ ماذا إذا لم يتحدد موقفنا من الدولتَين العظميَين، أما من نظريةٍ جديدة تُحدِّد لنا كيف نقف المواقف ولماذا نقفها؟ أى مصلحتنا الكبرى فى بترولنا؟ هل نقوده نحن أم يقودنا هو؟ وإلى أين؟ وأى الطرق نسلك لاستثمار الفوائد؟ وهل الأجدى أن ننسلخ عن الأوبك، أم نلتزم جديًّا بقراراته؟
حتى وضعُنا السياسى نفسه فى حاجة إلى إعمال للعقل، وتفكُّر وابتكار فكرٍ جديد، ذلك أنه، وايم الحق، مضحك، هناك المعسكر الاشتراكى العربى، وهناك المعسكر الرأسمالى العربى، وفى الغرب النمط الرأسمالى واحد مع قليل جدًّا من التعديلات، والنمط الشيوعى واحد مع قليل جدًّا جدًّا من التعديلات، أما مَن فى معسكرَينا نحن، فالدولتان اشتراكيتان مثلًا، ولكن البعد بينهما أكبر بكثير من المسافة الكائنة بين أيهما والدولة العربية «الرأسمالية» المجاورة. حتى «الناصرية» فى مصر شكل وفى لبنان شكل، وفى الأردن أو سوريا شكل، الموقف من أفريقيا، الموقف على المدى الطويل من إسرائيل، هل نقيم صناعات، أم الأرخص أن نستورد ونستهلك؟ وما موقف صناعة تخلفت كصناعاتنا المحلية، حتى لقد أصبحنا نستعمل الكبريت أو الشفاط المستورد، هل نغلقها أم الأجدى أن نقويها وندعمها؟
مثلى لا يستطيع فى هذا الصدد إلا أن يحلم، لا بالمستبدِّ العادل ولا بالزعيم «الملهَم» وإنما أنا أحلم بمفكِّرٍ عملاق أو عمالقةٍ مفكرين، يُزيحون أستار الرؤى التقليدية، يَركنون جانبًا أطنانَ الشعارات، بجُرأة وقوة واقتحام يرَون واقعنا، ويخلقون له الحلول، أو على الأقل يقترحون له الحلول، مفكرون أغنياء لأنهم عِصاميون، خارج الأطُر والأجهزة، فيا ويلنا إذا تركنا للِجاننا وأجهزتنا أن تفكر لنا! إن هذا لهُو فكر الفقر المدقِع بعينه، والمشكلة أننا فى سعينا للخروج من الأزمات الاقتصادية والسياسية والفكرية نطرح أفكارًا، تحاول علاج فكر الفقر بفَقر الفكر، حتى إذا لم يَصلح الدواء حاولنا أن نأتيَ بفقر الفكر ليُعالج فكرَ الفقر، وهذه أضغاثُ أحلام، ومعادلات مستحيلةُ التحقيق كما هو مستحيلٌ أيضًا أن نبقى فى انتظار القائد الفكرى الملهم ليُخرِجنا من المأزق العقلى، ومن ثَم المأزق الإنسانى. والردُّ الوحيد على هذا كلِّه هو أن نبدأ صحوةً فكرية أولًا. صحوة لا تَخجل من أن تقول الحقيقة فى وجه مَن يريدها ومن يرفضها. صحوة قبل أن نموت يا حكوماتنا العزيزات، فنحن لو مُتنا مُتُّم أنتم الآخرون، وعليكم أن تُبقونا أحياء، حتى تَبقَوا أحياء، وتبقَوْا تحكمون.
والصحوة وسيلتها الصِّحافة والإذاعة ووسائل الإعلام، وكل هذا كيف يتأتَّى إلا بحدٍّ أدنى من الحرية، ليُعطيَ للكاتب أو المفكر حرية لن يَعبث بها.
صحوة ليس هدفها النقد، وإنما هدفها الصحوة، الإفاقة من غيبوبة الدوامة الرهيبة التى نَحيا فيها. وحتى مجرد رؤية الواقع، رؤيةً واضحةً صريحةً غير مهزوزة، هى فى حدِّ ذاتها بدايةُ أى حل حقيقى.
وإلا لماذا كان الفكرُ أصلًا، لماذا أفرزَت البشَرية مُفكِّريها، إن لم يكن لمواجهة الغيبوبات الفكرية والحضارية كالتى بالضبط نواجهها؟
من كتاب «انطباعات مستفزة»