بين عبد الهادي الجزار وحامد ندا.. من الأسبق في ريادة السريالية الشعبية؟
من الأسبق في ريادة السيريالية الشعبية، هل هو الفنان عبد الهادي الجزار، أم حامد ندا؟، وهو محور من المحاور التي تضمنها كتاب “الفنون التشكيلية في السينما المصرية”، والصادر حديثا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ــ سلسلة آفاق الفن التشكيلي ــ من تأليف الكاتب السيناريست والمخرج أحمد فؤاد درويش.
وفي المبحث الذي عنونه “درويش” ــ ضمن مباحث الكتاب ــ بــ “الفنان عبد الهادي الجزار .. من هو؟”، يستهل درويش بتعريف عن الفنان التشكيلي الذي غادر الحياة في مقتبل العمر الذي لم يتجاوز الواحدة والأربعين. لافتا إلى أن وفاة “الجزار” المبكرة ضاعفت من اهتمام النقاد والصحفيين وباحثي رسائل الدكتوراه والماجستير، فتم تصنيفه مع أكثر عباقرة الفن المصري الحديث الذين لم يعيشوا إلا قليلا، مع سيد درويش ومحمود مختار وكمال سليم وغيرهم. بل أنه قد كتب عنه ما لم يكتب عن رواد مثل محمود سعيد أو محمود مختار. خاصة وأن “الجزار” كان ودودا في الحياة اليومية.
في المقابل يصف “درويش” شخصية الفنان التشكيلي حامد ندا بأن: “صفة التمرد والعناد عند حامد ندا، كانت توحي للكثيرين بأنها استعلاء، وهو ما لاحظته في مصاحبتي لـ ”ندا" في حياته اليومية، وذكرها لي فنان تشكيلي من جيل محمود بقشيش هو محمد حجي، وقد أسهمت نجومية ندا المتألقة في الحياة والفن في غيرة الكثيرين منه، فقد كان كمال الملاخ يغار منه.
ــ المبالغة الشديدة في القيمة الإبداعية لـ “الجزار”
ويوضح “أحمد فؤاد درويش” أن عبد الهادي الجزار حظي باهتمام غير مسبوق في مصر والخارج، واتخذ المنتفعون من ذلك منطلقا للمبالغة الشديدة في القيمة الإبداعية للجزار حتى ترتفع أسعار لوحاته في السوق، على حساب القيمة الإبداعية لزملائه من تلاميذ العلامة حسين يوسف أمين الذين كانوا جماعة الفن المصري المعاصر عامة، وعلى حساب حامد ندا خاصة، وبدأ الموضوع من نهاية الستينيات تكسير لعظام “ندا”، حتى يستفيد سماسرة بيع اللوحات أكبر فائدة، وكم من لوحات راحت من زوجته السيدة “ليلي عفت”، بسبب هؤلاء التجار.
ويضيف “درويش” حول الغبن الذي تعرض إليه الفنان حامد ندا في مقابل الفنان عبد الهادي الجزار: تقول الباحثة “أميمة السويفي”: “حامد ندا كان الأسبق من عبد الهادي الجزار في هذا المجال ــ تقصد السريالية الشعبية ــ ووضح ذلك من خلال الطرح المميز، الذي قدمه حامد ندا لإبراز المرأة ورسمها بصورة بدائية فجة، وفي استخدامه لرموز مثل ”السمكة"، “الدرويش”، “المسبحة”، “الديك”، “العصفور”، وتجسيد البؤس الروحي.
فلم يكن الفنان عبد الهادي الجزار هو من فتح باب الفن أمام الاستفادة من الموروث الشعبي، لأن الفنان حامد ندا سبق الجزار بثلاث سنوات، وهو صاحب الكشف بطريقة قاطعة في إبراز هذا النوع الفني من السمات التصويرية. فنجد أن ندا أنجز لوحة “مصباح الظلام” عام 1946، في حين قدم عبد الهادي الجزار لوحته “دورة الحياة” عام 1949، ثم لوحة “دروس في عالم الروح” عام 1950. مستخدما بعض الرموز التي وظفها حامد ندا سابقا.
ويشدد “درويش” في كتابه “الفنون التشكيلية في السينما المصرية”، على أن: "كان حامد ندا رومانسيا حزينا ومتفائلا في الوقت نفسه، بينما نجد عبد الهادي الجزار على النقيض من ذلك دراميا متشائما قويا، لقد استطاع ندا أن يهضم الروافد التي تلقى منها الخبرة وأن يعيد صياغتها في معظم إنتاجه منذ منتصف الأربعينيات حتى معرضه الأخير عام 1989، والذي قدم فيه فكرة انتصار الفضيلة التي مثلت لديه المزاوجة الخلاقة بين الإيمان بالغيب المقدس والنزوع إلى التجريب في الوقت نفسه.