عن هوية مصر والمصريين.. الدكتور طه حسين ومستقبل الثقافة
عن هوية مصر والمصريين، عنوان الكتاب الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وفيه يرصد المؤرخ أحمد زكريا الشلق أولى محاولات بلورة فكرة الهوية المصرية وطرح التساؤلات حول ماهيتها وشكلها وكينونتها.
ويشير "الشلق" إلى أن النقاش حول هوية/ شخصية مصر، عادة ما يثور التساؤل بشأنها في فترات التحول أو الأزمات من تاريخها. ففي عام 1936 حصلت مصر على قدر من الاستقلال، ورأى المفكرون والمثقفون أنها على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها، فوضع الدكتور طه حسين كتابه الشهير "مستقبل الثقافة في مصر" عام 1938، الذي بدأه بالتساؤل عن هوية مصر التاريخية، وإلى أين تتجه بثقافتها، ورأى أنها جزء من عالم البحر المتوسط وحضارته الأوروبية، ومن ثم يجب أن تأخذ بها باعتبارها ثقافة إنسانية، ساهم العرب في تكوينها في قرون مضت.
ناقش الدكتور طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، قضية هوية مصر الثقافية وانتمائها الثقافي والحضاري، وعبَّر عن اقتناعه بأن العقل المصري منذ عصوره الأولى تأثر بالبحر المتوسط، وأن مصر تبادلت المنافع مع شعوبه، وأنها يجب أن تلتمس المؤثر الأساسي في تكوين الحضارة المصرية والعقل المصري في البحر المتوسط، وفي الأمم التي عاشت حوله.
ويوضح "الشلق": وعندما تحدث العميد طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، عن عناصر القومية ومكونات الوحدة الأساسية، استبعد منها وحدة الدين ووحدة اللغة ووحدة الجنس، لأنها لا تشكل، في رأيه، أساسًا لتكوين الدول في العصر الحديث. ودعا إلى الاتصال بأوروبا والأخذ بأسباب الرقي التي أخذت بها، لا أن تكون مصر صورة طبق الأصل منها، وذكر أنه لا بأس على حياتنا الدينية من الأخذ بأسباب الحضارة الأوروبية، فقد أخذ المسلمون بأسباب حضارة الروم والفرس.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر": "فلا خوف على شخصيتنا القومية وعلى ميراثنا، ولا أن ننكر أنفسنا ونجحد ماضينا، ولا أن نفني في الأوروبيين.. وإنما أدعو إلى أن نثبت لأوروبا ونحفظ استقلالنا من عدوانها وطغيانها، ومصر تتعرض للفناء إذا عجزت عن أن تقاوم أوروبا بسلاحها. إن شرقنا القريب هو مهد العقل الذي يزدهي ويزدهر في أوروبا، وهو مصدر حضارتها التي لا نريد أن نأخذ بأسبابها".
ــ دعوة طه حسين إلى المثقفين
يدعو الدكتور طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، المثقفين والمفكرين المصريين إلى مقاومة الاستلاب للثقافة الأوروبية الغربية، وإنما ينظر المفكر والمثقف المصري على أنه ند لهذه الثقافة والحضارة.
يقول طه حسين: أريد كما يريد كل مصري مثقف، يحب وطنه، ويحرص على كرامته وحسن رأي الناس فيه، أن تكون حياتنا الحديثة ملائمة لمجدنا القديم، وأن يكون نشاطنا الحديث محققًا لرأينا في أنفسنا حين كنا نطالب بالاستقلال، وحين أظهرت لنا ما أظهرت من الترحيب وحسن اللقاء في جنيف.
نعم وأريد كما يريد كل مصري مثقف، محب لوطنه، حريص علي كرامته، ألا نلقي الأوروبي فنشعر بيننا وبينه من الفروق ما يبيح له الاستعلاء علينا والاستخفاف بنا، وما يضطرنا إلي أن نزدري أنفسنا، ونعترف بأنه لا يظلمنا من الاستطالة والاستعلاء.
ويمضي طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، مشددًا على أنه: "فليحرص كل مصري على أن يجنب نفسه وأمته هذا الخزي، وسبيل ذلك أن نأخذ أمورنا بالحزم والجد منذ اليوم، وأن نعرض على الألفاظ التي لا تغني، إلى الأعمال التي تغني، وأن نبدأ في إقامة حياتنا الجديدة من العمل الصادق النافع على أساس متين".