«ترتبط بالتدخين مع خلفية موسيقية».. كواليس نجيب محفوظ مع الكتابة
حكايات وأسرار كثيرة كشف عنها الأديب الراحل نجيب محفوظ، في كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" للناقد رجاء النقاش، الذي عكف على كتابتها بعد أن عرضها عليه مركز الأهرام للترجمة والنشر في أوائل عام 1990، ورحب بها، واستمرت لقاءاتهما من أغسطس 1990 وحتى أواخر 1991.
وبمناسبة الذكرى السادسة عشرة على رحيل أديب نوبل، الذي توفي في 30 أغسطس لعام 2006، نسلط الضوء على طقوس وكواليس الكتابة لدى نجيب محفوظ أثناء كتابته لأعماله الإبداعية، والتي أوضحها عبر سطور الكتاب.
ذكر أديب نوبل أن النظام الذي اتبعه في الكتابة اختلف باختلاف المراحل التي مر بها في حياته، وهي ثلاث: الوظيفة، ما بعد المعاش، وما بعد جائزة "نوبل"، مستطردا: "في مرحلة الوظيفة كنت أفرغ من عملي في الثانية ظهرا، وأعود إلى البيت لتناول الغداء ثم أستريح لبعض الوقت، ثم أجلس على مكتبي عندما تدق الساعة الرابعة، وأبدأ بالكتابة لمدة ثلاث ساعات، ثم تليها ثلاث ساعات أخرى للقراءات المتنوعة، وكنت أبدأ الكتابة أولا، لأنني إذا جعلتها بعد القراءة، فلن أنام الليل، لأن الكتابة تصيبني بصداع يتلوه الأرق، وكان علي أن أستيقظ مبكرا لألحق مواعيد العمل، وكان الموظف في تلك الأيام ملتزما إلى أقصى درجات الالتزام، لأنه لا يستطيع أن يكون غير ذلك".
وتابع: "في مرحلة الوظيفة أيضا كنت أمنح نفسي إجازة من الأدب يومي الخميس والجمعة، إلى جانب الإجازة الإجبارية السنوية طوال شهور الصيف بسبب الحساسية التي تصيب عيني"، مشيرًا إلى أن الكتابة عنده ترتبط بعادتين؛ الأولى هي التدخين، الذي مارسه منذ أن كان طالبا في المرحلة الثانوية، إذ كان في البداية يدخن الشيشة ثم وجد أنها غير عملية، ففي أثناء الكتابة كان يضطر إلى التوقف، بالنزول إلى المقهى لتدخين الشيشة، ثم استبدل الشيشة بـ"البايب"، ومن بعدها السجائر، لأنه لم يجد أسهل منها.
وأوضح: "إلى جانب السجائر، أحب أن تكون هناك خلفية موسيقية أثناء الكتابة، أجعلها على هامش الشعور ولا ألتفت إليها، ثم إنني لا أتناول أية مشروبات بما فيها الشاي والقهوة، ثم إنني لا أستطيع الكتابة إلا على مكتبي في البيت، أما خارجه فلا يمكنني الإمساك بالقلم، وكل أعمالي الروائية كتبتها في البيت، باستثناء السيناريوهات، فأغلبها قمت بكتابتها على المقهى، وذلك لأنها لا تحتاج إلى نفس درجة التركيز التي تحتاجها الروايات".
وعندما خرج نجيب محفوظ على المعاش، لم يختلف نظام الكتابة كثيرا، حيث خصص فترة الصباح للكتابة، والذهاب إلى المقهى مبكرا، ثم يعود ليبدأ الكتابة لمدة ثلاث ساعات، أما القراءة فكانت في فترة ما بعد الظهيرة وحتى بدايات الليل.
وقبل حصوله على جائزة "نوبل" أصيب الأديب الراحل بضمور في شبكية العين، مما جعل موضوع القراءة والكتابة من الأمور العسيرة والمرهقة، وسبب له هذا الأمر إزعاجا شديدا، وأصبحت أقصى مدة يجلس فيها إلى مكتبه لممارسة الكتابة هي ساعة واحدة في اليوم.