ليلة ساخنة جدًا.. العراق يغلى على نيران الصراعات السياسية
بدأت الليلة الساخنة في العراق بإعلان زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر، عن اعتزال الشئون السياسية، وإغلاق كافة مؤسسات التيار باستثناء المرقد والمتحف الشريفين وهيئة تراث آل الصدر.
وجاء إعلان الصدر بالتزامن مع قرار المحكمة الاتحادية النظر بدعوى حل البرلمان، يوم الثلاثاء، من دون مرافعة، وعلى خلفية رفضه لتشكيل الحكومة على أساس المحاصصة الحزبية.
تصعيد الاضطرابات السياسية في العراق
وعلى ضوء هذا الإعلان، اقتحم متظاهرون عراقيون، مساء الإثنين، القصر الجمهوري في العاصمة بغداد، مما أثار حالة من الفوضى في البلاد، وقلقا حول تصعيد الاضطرابات السياسية.
وعلى خلفية ذلك، أفاد مصدر أمني عراقي، الإثنين، بمقتل أحد المتظاهرين وسقوط عدد المصابين في المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية بغداد.
ونقلت قناة "السومرية نيوز" عن المصدر الأمني قوله، " إنه تم تسجيل حالة وفاة و27 إصابة في صفوف المتظاهرين بالمنطقة الخضراء".
وأعلن الجيش العراقي عن حظر التجول بدءا من الثالثة والنصف عصرا (12:30 بتوقيت جرينتش)، وحث المتظاهرين على مغادرة المنطقة الخضراء لتجنب الاشتباكات.
الكاظمي يدعو الجميع إلى ضبط النفس
إلى ذلك، دعا رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الجميع إلى ضبط النفس، قائلًا: "التطورات الخطيرة التي جرت في عراقنا العزيز اليوم من اقتحام المتظاهرين للمنطقة الخضراء ودخول مؤسسات حكومية إنما تؤشر إلى خطورة النتائج المترتبة على استمرار الخلافات السياسية وتراكمها".
وأكد الكاظمي أن "تجاوز المتظاهرين على مؤسسات الدولة يعد عملًا مدانًا وخارجًا عن السياقات القانونية، داعيًا السيد مقتدى الصدر الذي لطالما دعم الدولة وأكد الحرص على هيبتها واحترام القوى الأمنية للمساعدة في دعوة المتظاهرين للانسحاب من المؤسسات الحكومية".
القوى السياسية في العراق تحذر من دائرة العنف المسلح
وتوالت دعوات القوى السياسية والشخصيات العامة العراقية، التي تحذر من الانزلاق نحو مزيد من التصعيد السياسي في البلاد.
ودعا رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، إلى إيقاف القتال "العبثي" الذي لا يخدم الوطن ولا يحمي المواطنين.
فيما دعا زعيم تحالف الفتح، هادي العامري، جميع الأطراف إلى التوقف عن استخدام السلاح.
فيما أكد رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، أن الهيئة ستبقى خارج الاصطفافات السياسية.
وقال الفياض، خلال مؤتمر أمني عقده في نينوى، وتابعته وكالة الأنباء العراقية (واع): "إننا في هيئة الحشد الشعبي سنبقى معاهدين أبناء شعبنا البطل على أن نكون خارج الاصطفافات السياسية".
قلق ودعم دولي للعراق
توالت ردود الفعل الدولية إزاء توتر الأوضاع في العراق، يوم الإثنين، وسط دعوات إلى ضبط النفس، وتغليب لغة الحوار.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن ما يجري في العراق يثير القلق، كما يضع سيادة العراق في خطر، مشيرة إلى أن التظاهر حق "لكن يجب حماية الممتلكات العراقية".
فيما أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط متابعته بمزيد من القلق التطورات المتلاحقة والخطيرة على الساحة العراقية.
ودعا “أبوالغيط” الأطراف العراقية إلى تغليب المصلحة الوطنية على أى اعتبارات أخرى لتجاوز الوضع الراهن الذي يمثل خطورة على استقرار البلاد.
فيما حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، جميع القوى السياسية في العراق، على ضرورة اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الموقف وتجنب أي عنف في العراق.
من جانبه، قال الرئيس، عبد الفتاح السيسي، "أتابع باهتمام الموقف الراهن بالعراق وأحزنني ما آلت اليه التطورات الحالية فى هذا البلد الشقيق".
وشدد السيسي على على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار العراق وسلامة شعبه، داعيا الأطراف العراقية إلى تغليب المصلحة العليا لوطنهم لتجاوز الأزمة السياسية عبر الحوار.
سيناريوهات الأزمة الراهنة في العراق
قال المحلل السياسي العراقي محمد علي الحكيم، إن المشهد السياسي في العراق يزداد ضبابية وتعقيدًا، لافتًا إلى أن العراق أصبح يقترب من منطقة اللاعودة، ولاسيما في ظل عدم تضافر الجهود من أجل الخروج من مرحلة الانسداد السياسي.
وأضاف “الحكيم" في تصريحات خاصة لـ"الدستور": "الأيام المقبلة ستكون محملة بالمفاجآت غير المتوقعة، ولكن لابد من تغليب مصلحة الوطن على المصالح الحزبية والشخصية".
الخوف من عودة الوصاية الدولية على العراق
وتابع المحلل السياسي العراقي: "سفينة العراق غارقة في بحر الخلافات السياسية، لذلك فإن أي تصعيد سيولد أنهارًا من الدماء، وسيفتح الأبواب لعودة داعش الإرهابي، وتدخلات الخارج، والوصايا الدولية"، لافتاً إلى أن جميع السيناريوهات باتت مفتوحة على مصراعيها.
واعتبر “الحكيم” أن العملية السياسية تراجعت منذ العام 2003، وباتت تتميز بالمحاصصة الحزبية، مُضيفًا انه من البداية كان لابد من استئصال الفساد المستشري داخل الطبقة السياسية.
العراق يحتاج إلى تغليب العقل والحكمة
وشدد المحلل السياسي، على أن العراق في الوقت الحالي يحتاج إلى تغليب لغة العقل والحكمة، وإلا سيذهب مستقبل العراق باتجاه نفق مظلم، قائلاً: "لن يخدم هذا السيناريو إلا أعداء العراق الذين يريدون يتصيدون من الماء العكر لتحقيق مآربهم، وطموحاتهم في العراق، ولكن هذا لن يحدث، فأعتقد أن الجميع سيندم في الآخر على ما فعله".
وأضاف أن هناك ضرورة لتعديل الدستور العراقي، حتى يتيح حلول سياسية ناجزة للأوضاع الحالية، قائلًا: "أبعاد الأزمة في العراق متعددة ولكن من بينها خلل في النظام والدستور العراقي الملغم، بالاضافة إلى الحكومات الفاشلة المتعاقبة منذ العام 2003".
الوضع في العراق أصبح معقدًا
قال المحلل السياسي العراقي، الدكتور نزار السامرائي، إن الوضع في العراق أصبح أكثر تعقيدًا مما كان، ولاسيما مع اعتزال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، العمل السياسي، مما جعل الكتل السياسية في حيرة من أمرها في التعامل مع أي جهة، للوصول إلى حل مقبول.
وأوضح السامراني في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن السيناريو الأكثر قبولًا الآن هو إعلان حل البرلمان، مضيفاً: "هذا الأمر سيضعنا أمام مسألة دستورية معقدة".
إعلان تشكيل حكومة طوارئ في العراق
وأضاف المحلل السياسي، أن السيناريو الثاني هو إعلان حالة الطوارئ، مع تشكيل حكومة طوارئ مصغرة وهذا الحل لا يبدو مقبولا من جانب الإطار التنسيقي للقوى الشيعية، مردفًا: "أما السيناريو الأقرب هو أن تفرض القوات الأمنية سيطرتها وتقمع المتظاهرين بالقوة، وبالتالي إفساح المجال للبرلمان للانعقاد وانتخاب حكومة جديدة، ولاسيما أن المتظاهرين أصبحوا (ظاهريا) دون غطاء سياسي" .
وتابع: "هذا أيضاً يتطلب اتفاق القوى الكردية على مرشح لرئاسة الجمهورية وهو أمر لم يتحقق حتى الآن".
لا توجد قوى حقيقية على الأرض في العراق
وأكد السامرائي أن الأزمة تتفاقم مع عدم وجود قوة حقيقية على الأرض تستطيع فرض سيطرتها على الأوضاع، الأمر الذي يُنذر بمزيد من الفوضى.
وشدد المحلل العراقي، على ضرورة عدم تحول التظاهرات إلى صراع مسلح بين الأطراف السياسية كما هو الحال في ليبيا الأيام الماضية، قائلاً: "رغم أن هذا حتى الآن سيناريو بعيد، ولكن انفلات السلاح وعدم وجود مؤشرات لحلول يتوافق عليها الجميع يجعل الهواجس تتوارد للجميع".