الكنيسة الكاثوليكية تحيى ذكرى القديسة مريم ليسوع المصلوب البتول
تحيي الكنيسة الكاثوليكية اليوم ذكرى القديسة مريم ليسوع المصلوب البتول، إذ روي الأب وليم عبد المسيح سعيد- الفرنسيسكاني سيرتها قائلا: ولدت مريم بواردي ليسوع المصلوب في قرية عبلين بتاريخ 5 يناير سنة 1846م الابوين فقيرين جرجس بواردي من حرفيش، ومريم شاهين من ولادتهما.أما الأب فقد عمل في صناعة البارود بطريقة أولية، ولذا بقي فقيرًا طيلة حياته، حيث إنّ هذه المهنة لا تدر ريحًا وفيرًا.
وقبل قدوم الأسرة للاستيطان في عبلين كان الأب قد ذاق من المرّ ألوانًا: حيث اتهم بحادث قتل جرى في ترشيحا وسُجِن في عكا ونتيجة لتتابع المصائب على الأب الفقير ققد قرر أن يغادر مسقط رأسه نهائيًا ويستوطن في عبلين الآمنة. وقد كانت الأسرة الضيفة محبوبة في عبلين.
قلنا إنّ الأسرة ذاقت الرزايا ألوانًا، فقد فجع هذان الأبوان الكريمان بفقد أولادهما جميعًا منذ الصغر، وعددهم 12 ولدا فطلبا إلى الله في غمرة الأحزان أن يرزقهما بنتًا، ونذرا أن يسمياّها مريم وقد لبّى الله طلبهما فرزقا بالطفلة التي غدت فيما بعد قدّيسة لامعة يشار إليها بالبنان، وبعد سنتين من ولادة مريم رزق والداها طفلاً دعي بولُس ولكن الفرحة لم تتمّ، ففي غضون أيام توفيّ الأب وتلته الأم فكان يتم الصغيرين مزدوجًا.
وتابع: وبعد وفاة الوالدين عاشت مريم في بيت عمهّا الذي كان يقطن في عبلين أيضا، أما بولُس فقد تبنّته خالة له في ترشيحا، وهكذا افترق الأخوان افتراقًا لم يعقبه لقاء.
رحل عمّ ماري إلى مصر بقرب الإسكندرية، واستوطن هناك مع أفراد أسرته، وماري معهم، وقد حدث وهي في الثالثة عشرة من عمرها أن خطّبها عمّها وزوجته لشقيق الزوجة المقيم في القاهرة، ولكنّ ماري التي كانت العناية الإلهيْة قد أعدتّها لما هو أسمى من الزواج رفضت الزواج الذي كان سيتمّ بعد بضعة أيام وأصرّت على حمل رسالة البتولية.
وهنا تأثّر عمّها وعاملها بالقسوة، ولكنها أصرت على حمل موقفها. ولما يئست من الحياة مع عمّها بعثّت تستدعي أخاها الذي كان لا يزال يعيش في فلسطين لعلّة يواسيها. وكان الوسيط رجلاً يزمع السفر إلى الناصرة. وقد سبق أن عمل خادمًا في بيت عمّها. وقبل سفرة ذهبت لزيارته في بيته، فدعاها هو وأمّه وزوجته إلى تناول طعام العشاء، إلا أنّه ما لبث أن غضب ورفسها بحذائه الحديدي في صدرها، ففقدت الرشد، ثم استل سيفه وضرب به عنقها، والمرأتان لا تقومان لنجدتها. ثم لفها الثلاثة وطرحوها تحت جنح الظلام في شارع موحش، وكان ذلك في 7 سبتمبر سنة 1858م.
إلا أن العناية الإلهيّة قد رقّت لها، فبعثت بعد هذا الاستشهاد، وعاشت عشرين سنة أخرى إلى أن فارقت الحياة وهي في حوالي الثالثة والثلاثين.
وفي سنة 1875م وفي شهر أغسطس بالضبط سافرت من مصر إلى فلسطين وكان وجهتها هذه المرة مدينة بيت لحم. كما تنقّلت إلى بيروت وإلى مرسيليا في فرنسا، وكذلك إلى الهند وكانت مريم في جميع تنقلاتها مثالا للفتاة الصادقة الأمينة المطيعة الطهور، إلاّ أنّها لم تهدأ بالأ إلاّ بعد دخولها دير الكرمل في (بو) بفرنسا سنة 1867م.
وفي سنة 1870م سافرت مع بعض أخواتها الكرميليات لتأسيس أول دير في "منفلور" بالهند، ولكنّها اضطرت العودة إلى (بو). سنة 1872م وفي سنة 1875م سافرت عائدة إلى وطنها مع راهبات كرميليات جديدات، لكي تؤسّس ديرًا للكرميليات في بيت لحم مدينة يسوع وفي سنة 1878م ذهبت إلى الناصرة بقصد تأسيس دير آخر للكرمل هناك.
في فبراير سنة 1869م سمعت صوتًا يقول لها إنّ جمهور الدير في (بو) سوف ينقسم إلى ثلاث فرق، ولم يكن كلام حينئذ إلا عن إنشاء دير في الهند وقد تمت النبوءة في سنة 1875م لّما أنشئ دير بيت لحم فقد أنبئت مرات عديدة بأنها ستنتقل من دير مدينة (بو) بفرنسا إلى بيت لحم، وقد جرى الأمر في الواقع. وكذلك قالت إنها لن تبقى في بيت لحم ثلاث سنين كاملة وقد توفيت فعلاً قبل نهاية السنة الثالثة كما قالت إنها ستدفن في دير بيت لحم، وقد حدث ذلك فعلاً في مدينة (بو) أخذت تحثّ راهبة مريضة على أن تتبع الجمهور قدر استطاعتها في ممارستها العمومية. مؤكدة لها أنّ صحتّها ستكون فيما بعد كافية لتقوم بحفظ رسوم الفرائض برمتّها وبعد 12 سنة برئت السقيمة تمامًا، ثم صارت معلَمة المبتدئات في دير بيت لحم، ثم رئيسة الدير عينه كذلك فإنّ نبوءات عديدة بشأن فرنسا، منها ما هو عامّ، ومنها ما هو عينيّ وقد كانت جميعها صادقة ودقيقة.
وفي السادس والعشرين من أغسطس سنة 1878م توفّيت الراهبة الكرميلية، وابنة عبلّين، القديسة مريم بواردي، أو ماري أمة الروحية يسوع المصلوب. ودفنت في بيت لحم، مهد يسوع الفادي، وكان عمرها عند انتقالها من هذا العالم 32سنة. قضتها على أتمّ ما يكون البرّ والتقوى والتجردّ قام قداسة الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني بتطوببها رسمياً في 13 ديسمبر عام 1983م. فلتكن صلاتها معنا. وأعلنها قديسها البابا فرنسيس عام 2015م.