محمد حسين هيكل ناقدا «المجرمون في الأدب والفن »
تمر اليوم الذكرى 134 لميلاد الروائي والسياسي الراحل محمد حسين هيكل، والذي ولد في مثل هذا اليوم الموافق 20 أغسطس عام 1888، وهو روائى ومؤرخ وسياسى مصرى كبير، صاحب أول رواية عربية "زينب" باتفاق نقاد الأدب العربي الحديث، كما أنه قدم التاريخ الإسلامى من منظور جديد يجمع بين التحليل العميق، والأسلوب الشائق، وكان أديبًا بارعًا، كما كان له دورا حركيا كبيرا فى التاريخ السياسي المصري الحديث.
وأشار «هيكل» عبر مقاله المنشور بمجلة الهلال، والذي جاء في عددها الخامس عام 1935، وتحت عنوان "الكتابة والأدب.. الأدب فن وحده له حدوده ومراميه"، إلى العالم الإيطالي وكاتب الفلسفة الجنائية فري صاحب كتاب "المجرمون في الأدب والفن"، تناول هيكل ما تناوله كتاب الكتاب حول رجال الأدب ورجال الفن من شؤون المجرمين وما صوروه من حالاتهم النفسية لم ألم بعضهم حقائق، في أحوال المجرمين النفسية لم يكشف العلم الجنائي عنها إلا بعد قرون من حياة هؤلاء الكتاب، وكيف وفق بعضهم إلى تصوير هذه الحقائق النفسية تصويرا أوفي على الغاية من البراعة والدقة.
وذكر هيكل مثلين من الكتاب يصوران الإلهام في أحدهما وبراعة التصوير في الثاني.
فأما الأول فشخصية هاملت في روايات شكسبير، هذه الشخصية الفذة من الناحية الروائية الدقيقة غاية الدقة من ناحية علم النفس الجنائي، فها هو ذا هملت يقتل دنكان ولا يعلم بأمره إلا امرأته، ومع ذلك يقف وخنجره مسلول يقطر منه الدم يروى لنفسه حديث جريمته ويصور بشاعتها وعجز مياه البحار جميعا عن أن تطهر هذا الخنجر المخضب بدم الجريمة، ذاهلا عمن قد يسمعه فيعرف خبره فيحدث الناس عنه ليثأروا منه، هذا الذهول الذي يصيب الجاني في أعقاب ارتكاب جنايته، والذي يدفعه ليطوف بمكانها وليدور حولها، والذي ينتهي به آخر الأمر إلى الاعتراف، حقيقة كشف عنها علم النفس الجنائي، بعد قرون من موت شكسبير ومن وضعه روايته الخالدة وتمثيلها على المسارح مئات المرات بل ألوفها، فالهام الحياة لعبقرية شكسبير هو إذن الذي جعله يأسس الحقيقة قبل أن يراها العلم، ويصورها في هذه الصورة الشعرية القوية، التي ما تزال مثلا من أروع ما أخرج الأدب للناس في مختلف عصور الحياة.
أما المثل الثاني فشخصية راسكلنيكوف في قصة الجريمة والعقاب لدستويفسكي، راسكلنيكوف، هذا شاب فقير يدرس في الجامعة ولا يجد ما يقتات به، فيقترض من عجوز مقابل رهنه لديها ما يملك من متاع، ثم يدفعه فقرة وبؤسه فيقتل هذه العجوز، ويتمكن من الفرار، لكنه مع ذلك يظل يطوف حول مكان جريمته حتى تقوم الشبهات حوله وحتى يتنبه قاضي التحقيق لامره إلى أن ينتهي به إلى الاعتراف، فقد بلغ ديستوفيسكي من براعة التصوير لحال راسكلينكوف النفسية مبلغا سجله "فري" في كتابه باعجاب غاية الإعجاب.
ولفت هيكل إلى أن فري حينما يتحدث عن هذين المثلين وعن غيرهما ما تناوله الأدب والفن من شؤون المجرمين ، يتحدث ببراعة في العبارة وحماسة في الأسلوب وحسن أداءه للمعاني لاتقل كلها روعة عن تصوير شكسبير لهاملت ودتسويفسكي لراسكلينكوف، مع ذلك لم يقل أحد أن فرى أديب أو أن كتابه هذا بعض كتب الأدب، إنما فرى عالم مدقق في البحوث الجنائية، وفي مباحث علم النفس الجنائي.