الكاتبة جمال حسان: التاريخ مادة ملهمة فى الكتابة الإبداعية (حوار)
الكاتبة جمال حسان، روائية وقاصة، درست الطب في جامعة عين شمس، وتعمل استشارية في الطب النفسي ببريطانيا، صدر لها العديد من الأعمال الإبداعية الأدبية والموزعة بين القصة القصيرة والرواية والترجمة.
ومن أعمال الكاتبة جمال حسان في الرواية: للحقيقة ألف وجه، بنات.. بنات، في أعماق الرجل البهي، وديعة وغيرها. وفي القصة القصيرة صدر لها مجموعات: شهريار ينتظر، عصف اليقين، سندس والملك، ولي بين الضلوع لحم ودم، ظمأ العيون وغيرها.
حول الرواية التاريخية، والجوائز الأدبية، وعن الظواهر الأدبية التي ارتبطت بوسائل الاتصال الحديثة وغيرها كان لـ"الدستور" هذا اللقاء مع الكاتبة جمال حسان.
ـ في روايتك "1956" تناولت كواليس قرار تأميم قناة السويس، كيف ترين من يقول حتى الآن بأنه كان قرار "أهوج" أدى إلى العدوان الثلاثي علي مصر، وأن القناة كانت ستعود خلال سنوات بعد انقضاء مدة استغلال الشركة لها؟
القول بأن القناة كانت ستعود خلال سنوات بعد انقضاء مدة استغلال الشركة لها كلام غير منطقى يفترض حسن النية المطلق لدى المستعمر وينسى مفاوضات الاستقلال المريرة منذ إلغاء معاهدة 1936 ورغم أن العدوان الثلاثى على مصر يبدو كرد فعل مباشر لقرار تأميم القناة، إلا أن نية العدوان على مصر كانت قائمة تنتظر التوقيت المناسب، لأسباب معروفة مثل رفض الحكومة المصرية الانضمام لحلف بغداد ومحاولتها تسليح جيشها ومشروعها الوطنى بالتنمية الشاملة للخروج من التبعية الاقتصادية والسياسية للمستعمر.
ــ في ثلاثيتك الروائية: "بورفؤاد.. وقائع سنوات الجمر٬ من شدوان إلى بور توفيق٬ والطريق إلى بودابست"، تتناول وقائع سنوات الجمر في مصر منذ منتصف الخمسينيات لمنتصف الستينيات. فهل رصدت التغييرات التي طرأت على الشخصية المصرية منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وما هي ملامح هذه التغيرات، وما أسبابها؟ وهل يمكن إصلاحها؟
الشخصية المصرية فى أساسها صلبة وقت الخطر تتحدى وتقاوم بكل جسارة والتاريخ الحديث يسوق عشرات المواقف، فنرى مثلا كيف تحرك الملايين ممن يعرفون بحزب الكنبة فى 30 يونيو لوقف مخطط الإرهابيين ومموليهم من كل مكان لتبقى مصر على خريطة العالم. سياق العولمة وتفشى النزعة الاستهلاكية الفجة بما فيها من نقلات وصدمات اجتماعية أثر على مفردات الانتماء والهوية والثقافة المصرية الهاضمة لكثير من الثقافات وزاد من مشاعر الغربة والاغتراب عند الأجيال الشابة مافى ذلك شك. ما نراه على أرض الواقع من مشروع وطنى شامل جامع فيه تحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة وتكافؤ الفرص وإعلاء قيمة العمل والابتكار وحسن الإدارة والشفافية خاصة فى القطاعات الحيوية والاستراتيجية هو بداية إصلاح ما فسد وتراكم من فترات سابقة.
ــ شهد العقدان الأخيران من الألفية الثانية انتشارا ورواجا لفن الرواية. هل ترين أن الرواية صارت ديوان العرب المعاصر؟
نعم صارت الرواية ومعها القصة القصيرة أكثر رواجا ليس فقط بين العرب ولكن فى كل بلدان العالم، وقد تبوأ الشعر ذات المكانة فى فترات سابقة، سواء المكتوب بلغتنا العربية أو اللغات الأخرى. فى رأى أن ذلك يرجع إلى خصوصية الشعر حيث أن كتابته بها قواعد صارمة وأعنى بذلك الوزن الشعرى وجماليات اللغة والروى والقافية وامتلاك الموهبة والخيال وكذلك نوعية المتلقى، حيث يناسب ذلك ذائقة النخب ورواد صالونات قليلة للطبقات المتميزة. أما الرواية والقصة القصيرة فكلاهما إبحار مفتوح للخيال ومستويات أكثر مرونة تناسب مع ذائقة المتلقى الذى يمثل الآن شريحة أكبر فى كل المجتمعات مع زيادة فرص التعليم ومعها القراءة بغض النظر عن التفاوت من بلد لآخر أضف إلى ذلك النشر الكثيف على شبكة الإنترنت.
ــ هل تعانى الساحة الثقافية المصرية من أزمة نقد.. ولماذا؟ وكيف ترى دور الناقد فى العملية الإبداعية؟
فى فترات سابقة كان نجاح أى عمل أدبى مرتبط بالحركة النقدية والنقاد الكبار المشهود لهم بالتميز وقدرة الحياد. الآن أصبح المتلقى شريكا قويا فى تحديد رواج العمل مع انتشار القراءة الرقمية ومجموعات القراءة وذلك لا يغني عن الاحتياج لنقد مواز لكل هذا الكم المطروح ويقوم على معايير فنية تحدد مستواه .
ــ ما رأيك فى "موضات" القراءة والكتابة، بمعنى فى فترة ما سادت وانتشرت روايات الرعب، وفى فترة لاحقة ظهرت الروايات التاريخية بكثافة، هل توقفت عند هذه الظاهرة وكيف تحليلها؟
أرى أنها ظاهرة طبيعية تحدث فى كل بلاد العالم فالرواية منتج إبداعى يعكس الواقع المعاش بما فيه من اضطرابات وتحولات كبرى وقت الثورات الشعبية والحروب وأزمات الفقر والكوارث البيئية ويستلهم المراجعة عبر الحكى والتخيل من أجل عالم أفضل بفتح ملفات التاريخ بحثا عن الحكمة والدروس مما جرى وفى فترات الأمن والأمان النسبى يبحث عن المتعة والتسلية ثم إن بحر الأفكار المشترك للإنسانية يحوى كل التنويعات عن الصراع بين الخير والشر الدائر من أول الخلق بكل الدرجات والجولات المستمرة بينهما.
ــ لمن تقرأ جمال حسان ولا تفوت عمل له؟
أحرص على قراءة المتاح الجديد من كتابة إبداعية أو نقدية سواء فى مصر أو البلدان العربية والإنجليزية وبفضل وسائل التواصل الاجتماعى والنشر الإلكترونى أصبحت المتابعة أيسر كثيرًا وعليه فالقائمة طويلة لقراءة أكبر عدد ممكن من الأعمال بالإضافة لما يرشحه الأصدقاء.
ــ ماذا تعنى لك الجوائز؟ وهل تكتبين عملاً وعينك على جائزة بعينها؟
بالنسبة لى ما زلت أكتب بحرية فى موضوعات شتى وغرضى أن يكون ما أكتبه معبرًا وصادقًا وإن لاقى ذلك تقديرًا من ذائقة لجنة التحكيم فى أى جائزة فذلك قيمة مضافة لترويج العمل بدون شك.
ــ ما هو كتابك المفضل ولماذا؟
كتاب واحد لكل فترة زمنية مثلا. سأختار كتاب د. طه حسين الفتنة الكبرى بجزئيه وما وجدته فيه من حكمة وبصيرة وحياد ودقة فى التوثيق والسرد تفوق الوصف.
وفى الإنجليزية كتاب لباحث فيلسوف وطبيب نفسى إنجليزى الأصل Ian Mc Gilchrist .The Master and his Emissary
فى كتابه "السيد والمبعوث" يقدم المؤلف رؤية نادرة لدراساته الواسعة التى تشمل تركيب المخ ووظائفه لفهم مكونات وتطور حضارة الغرب التى أسهم المخ فى صنعها حيث المخ نقطة التماس بين المادى والعقل ويبحر بين طب الأعصاب، علم النفس، الفلسفة، الأدب، الفن، الحفريات والأنثروبيولوجى.
ــ ما هو أول كتاب شجعك على الكتابة؟
بدايتى كانت مع كتابة الشعر ثم بدأت أكتب مسرحيات من فصل واحد وبعدها انتقل اهتمامى للكتابة الروائية ولا أنسى وقع قراءة رواية شجرة البؤس لطه حسين وعمرى 9 سنوات.
ــ ما أقرب بيت شعر إلى قلبك وهل ينطبق على موقف من حياتك؟
(وعَذَلت أهلَ العشقِ حتى ذقته فعجبت كيفَ يموت من لا يعشق) من شعر أبى الطيب المتنبى.
ــ من أقرب أبطال رواياتك/ قصصك لك..وما قصته ولماذا؟
فى روايتى "وديعة" تتعرض البطلة لمحنة السقوط فى غيبوبة لمدة شهر إثر إهمال غير مقصود فى جراحة لاستئصال ورم ليفى وفى تلك الحالة ترقب من حافة تجربة الانفصال عن العالم المحسوس وقع المحنة على الناس حولها. وهناك بالطبع حالات مماثلة فى الواقع ودائما يثار السؤال: هل يشعر المصاب بالغيبوبة بما يدور حوله؟
ــ هل تذكرين أول شىء كتبته فى حياتك؟ وما هو؟
ربما كتبت فى كراريس المدرسة ولا أذكر ما كتبت.
ــ هل هناك شخصية فى فيلم مفضلة لك؟ ولماذا؟
شخصية “منى”، فاتن حمامة، فى فيلم الخيط الرفيع إنتاج 1971 وإخراج هنرى بركات وفيه تواجه “عادل”، محمود ياسين، فى أداء عبقرى عن أزمة العلاقة بينهما ونظرة المجتمع لها.
ــ هل لك موقف مع كاتب أو فنان كبير تذكرينه دائما؟ ما هو؟
من حسن حظى أنه جمعتنى مواقف متصلة شكلت صداقة فريدة مع الراحل الكبير إبراهيم فتحى فى فترة استقراره فى بريطانيا وزوجته الصديقة وزميلة المهنة د. هناء سليمان، فكانت لنا أمسيات منتظمة على مر العام للذهاب للمسرح وحفلات الأوبرا معا، وهو نعم المعلم الموسوعى القدير فى أبهى صورة. وكذلك مع المفكر الكبير د. فؤاد زكريا، وكان يسكن قريبا من بيتنا أثناء إقامته فى بريطانيا، وعندما أستمع إليه يبدأ حديثه "آمل أن يستجيب عقلك لما أقول....".
ــ ما هى القصة التى تحلمين بكتابتها يوما ما؟
رواية عن سقوط الإسكندرية وهلاك أهلها على يد بطرس الأول ملك قبرص حين غزاها فى 10 أكتوبر 1365 م.
ــ لو معك تذكرتان سينما من تدعونه من شخصيات تاريخية؟ ولماذا؟
سأدعو إبراهيم الهلباوى ليشاهد معى فيلم "كيرة والجن". وسأشترى تذكرتين أخريين وأدعو إبراهيم الرفاعى ليشاهد معى فيلم "الممر".
ــ إذا كتبت قصة من سطر واحد عن الموت كيف ستكون؟
عند لحظة موعودة لا تقبل الإنكار يلح سؤال: هل كل ما فيها خدعة؟
ــ هل تعترفين بقاعدة "اكتب عما تعرفه" أم أن المبدع من حقه خوض آفاق تجريبية حتى لو لم يعرفها؟
نعم دون أن يطغى الجانب المعرفى على الجزء الأكبر التخيلى، ومع ذلك فإن الكاتب إذا تناول موضوعا ليس بالضرورة ضمن خبرته العملية فمن المفترض أن يقوم بالبحث فيما يعمق واقعية النص للمتلقى.
ــ بين الكتاب الورقى والإلكترونى أيهما الأقرب إليك ولماذا؟ وهل الكتاب الورقى فى طريقه للزوال؟
ما زال الكتاب الورقى الأقرب لى لكن زيادة المتاح من الإلكترونى نعمة كبيرة.
ــ هل عانيت صعوبات فى أول طريقك للنشر؟
نعم لأننى أعيش بالخارج فكانت فرصة تعرفى على أى ناشر محتمل وتعرفه على ما أكتب ليست سهلة.
ــ العديد من الأعمال الأدبية تحولت إلى الدراما المرئية فكيف ترين ذلك؟ وهل تحول الخيال المقروء إلى مشاهد مرئية يضيف أم يضر بالعمل الأدبى ولماذا؟
الأعمال الدرامية المرئية التى تنهض على نص أدبى جيد وتتوافر لها أدوات الإنتاج المناسبة لنوعها وحجمها تنجح وتبقى فى الذاكرة الجمعية من جيل إلى جيل ويراها عدد أكبر من المشاهدين فى أى مكان.
ــ ما رأيك فى "جروبات" القراءة وهل تضيف إلى الحراك الثقافى أم هى فقاعة صنعتها السوشيال ميديا؟
أرى أنها ظاهرة باقية وصحية وتساهم فى رواج المنتج الأدبى وتصل إلى كل الفئات خارج الندوات التقليدية لأوساط المثقفين.
ــ هل تصنع ورش الكتابة الأدبية كاتبًا حقيقيَا أم أنها مجرد ظاهرة من ظواهر الحياة الثقافية التى تظهر وتختفى بين الحين والآخر؟
أتصور أنها تصقل وتضيف إلى الكاتب الموهوب وتقدم له دليلَا ذكيا لتفادى كثير من الأخطاء فى أول الطريق.
ــ هل تعكفين على عمل أدبى جديد حدثينا عنه وعن تفاصيله؟
فى يدى أكثر من عمل مؤجل بين مجموعة قصصية ورواية وأحاول أن أنتهى من أحدهما.
ــ مع انتشار الصالونات الأدبية، هل تثرى الحركة الثقافية بالفعل أم أنها مجرد ظاهرة من ظواهر الحياة الثقافية التى تظهر وتختفى بين الحين والآخر؟ وكيف ترين الصالونات الأدبية قديما وحديثا؟
الصالونات الأدبية ظاهرة صحية وما تضيفه لإثراء الحركة الثقافية يتوقف على قيمة ما تطرحه من نصوص للمناقشة الجادة، أما عن الفرق بين الحالية والقديمة فيعتمد على تغير الزمن، ففى بدايتها كانت قاصرة على طبقة من نخبة المتعلمين من علية القوم، والآن هى مفتوحة متاحة لشرائح أوسع مع انتشار الكتابة والقراءة ووسائل التواصل الافتراضي.
ــ ما رأيك فى أغلفة روايات نجيب محفوظ التى أعلنت عنها الدار الحاصلة على حقوق نشر رواياته مؤخرَا؟
لم ترق لى ولا تعبر عن نصوص العظيم نجيب محفوظ.
ــ كيف ترين دور الفن والثقافة والقوى الناعمة فى عمومها، فى القضاء على الأفكار المتشددة؟
الفن كنشاط إنسانى فى كل صوره هو أحد أجنحة الثقافة التى هى نمط الحياة فى أى مجتمع والاهتمام بالصناعات الثقافية هو فى صميم القوى الناعمة والدواء الحقيقى لصحة المجتمع ووقايته من التيارات المتشددة فى الداخل أو الخارج.
ــ شهد العقد الأخير انتشارا ملحوظا فى كتابة ونشر وتلقى الروايات التاريخية بم تفسرين الأمر؟
التاريخ مادة ملهمة فى الكتابة الإبداعية فى جزء منه للتوثيق أو تفكيك وإعادة صياغة الأحداث فى حقبة ما فى دراما متخيلة وقد تناول العظيم نجيب محفوظ فى بداية مشواره أعمالا عن تاريخ مصر القديمة، مثل رادوبيس وكفاح طيبة وعبث الأقدار على سبيل المثال.