اهتم بعلم الأديان.. حكايات الأديب الناقد إبراهيم المازني
استطاع الشاعر الراحل إبراهيم المازني (19 أغسطس 1890 - 10 أغسطس 1949) أن يضع نفسه بين العديد من الكتاب والشعراء الفطاحل، وعرف كواحد من كبار الكتاب في عصره، كان له اتجاه مختلف ومفهوم جديد للأدب، وبدأ حياته المهنية كمدرس، ولكن بسبب القيود التي فرضت عليه، قرر اعتزال التدريس واتجه للعمل بمجال الصحافة، وعمل بجريدة الأخبار مع أمين الرافعي، ثم محرر بجريدة السياسة الأسبوعية، كما عمل بجريدة البلاغ مع عبدالقادر حمزة وغيرهم الكثير من الصحف الأخرى.
إبراهيم المازني من مواليد القاهرة في يوم 19 أغسطس 1890، ويرجع نسبه إلى قرية "كوم مازن" التابعة لمركز تلا بمحافظة المنوفية، لكنه نشأ في بيت كبير من البيوت التي يدعونها "بيوت العز" والمراد المماليك أو من في حكمهم ممن كانوا هم السادة في وقت من الأوقات، وقد كان يقع قريبًا من عين الصيرة مما أثر كثيرًا في نفسه بسبب مروره جيئة وذهابًا على المقابر، وهو مشهد يورث النفس انقباضًا ويذكرها بالفناء، وكان لنشأته وعمله في التدريس، ثم في الكتابة تركت أثرها في نفسه، وخلت طابعًا على صفاته، فكان شديد التواضع، منطويًا على نفسه، عصبي المزاج، يحب الفكاهة، دقيق الملاحظة، جميل الصوت، يحب الموسيقى ويعزف على القيثارة.
كان لدى "المازني" اهتمامات عديدة أبرزها الثقافة الغربية، حيث ترجم العديد من الأعمال الأدبية الشعرية من اللغة الإنجليزية إلى العربية، ونظرًا لتفرده في مجاله استطاع أن يجمع بين التراث العربي والأدب الإنجليزي، ويرجع ذلك لقراءته للجاحظ وكتاب "الأغاني" لأبي فرج الأصفهاني، وتأثره بشعراء العرب، أما في الأدب الغربي فقد تأثر ميرون وشيلي وشكسبير وغيرهم، كما اهتم بعلم الأديان المقارن وقرأ التوراة والإنجيل في الإنجليزية وخاصة السفرين: نشيد الأنشاد وسفر أيوب، بالإضافة إلى قراءته للتاريخ.
أما بالنسبة للمازني "أديبًا" وبحسب تقرير نشر بجريدة "وطني" بعددها الصادر بتاريخ 24 أغسطس 1997؛ فإنه كان ينتمي لمدرسة تختلف عن مدرسة أحمد شوقي وحافظ إبراهيم في القوالب الشعرية والأغراض، فالمدرسة الأولى لم تمش في ركاب أمير أو وزير ولم تؤمن بشعر المناسبات، كما أن هذه المدرسة لم تعترف بالبيت وحده، وتعيب على الثانية عنايتها بالألفاظ دون الجوهر الذي يتمثل في الخلجات النفسية والمشاعر الإنسانية التي يحفل الفن بألوانه بها، ولقد كان المازني شاعرًا مجددًا ولا يعنيه بالتجديد هنا التغيير في القالب الشعري، ولكن المقصود مدى صدق التعبير عن نفسه إذا تغزل أو وصف لو تمنى أو يئس، حتى حكمه مبعثها تجاربه الخاصة، فهو لا يقلد فيها الشعراء أو غيرهم.
أما في مجال النقد فتورد بعض السطور من كتاب "أحاديث المازني"؛ النقد عبارة عن رفع ميزان، والميزان ذو كفتين في واحدة يوضع الإحسان وفي الأخرى توضع الإساءة أو التقصير أو ما يجرى هذا المجرى، والكفة الراجحة هي التي يكون لها الحكم، فإذا رجحت كفة النقد كان الرجل فاضلًا أو حسنًا لو مجيدًا، وإذا رجحت كفة التقصير هوى صاحبها معها، إن النقد النافع هو الذي يتوخى فيه صاحبه القصد والاعتدال، والاعتدال واجب في كل أمر، ولكن في النقد أوجب.