الصين وتايوان على صفيح ساخن.. خبراء: بكين على شفا الحرب
أجرى الجيش الصينى سلسلة غير مسبوقة من المناورات البحرية والجوية في مناطق قريبة من تايوان، عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، للجزيرة، التي تعتبرها الصين جزءًا من أراضيها.
يأتى ذلك مع التوقعات الأمريكية بوقوع حرب بين البلدين فى الخريف المقبل.
وفي هذا الإطار، تواصل «الدستور» مع خبراء ومحللين لتوضيح أبرز سيناريوهات التصعيد بين الصين وتايوان الفترة المقبلة وإمكانية وقوع حرب جديدة.
محمد منصور: بكين قد تلجأ إلى شن «حرب باردة» على تايوان
بداية، قال محمد منصور، الباحث بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، لـ"الدستور"، إنه رغم أن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى، نانسى بيلوسي، الأخيرة إلى تايوان كانت بمثابة "استفزاز كبير" لبكين، إلا أن الأخيرة تعي أيضاً أنها لا تعد سوى خطوة "رمزية" لها طابع سياسي، وإن كانت تختلف عن زيارات المسئولين الأمريكيين السابقة لتايوان، والتي كانت واشنطن تنسق فيها مع الصين، وهو ما لم يحدث هذه المرة.
وأضاف منصور، فى تصريحاته، أن الجيش الصيني سيقوم من الآن فصاعداً بشكل دوري بتنفيذ تجارب صاروخية أو تحركات عسكرية قرب خط الوسط مع تايوان، خاصة أن قيادة الجيش الصيني أعلنت مؤخراً عن أنها ستنفذ مناورات عسكرية دورية منتظمة شرق خط الوسط من تايوان، وبالتالي هذا يعني عملياً استمرار التوتر حول تايوان في المدى المنظور.
وأشار إلى أن هذا الوضع يؤكده شكل ومستوى المناورات الصينية التي تمت خلال الأيام الماضية، سواء حقيقة أن مناطق هذه المناورات الست كانت تحيط بشكل تام بتايوان، أو حجم القوة البرية والجوية والبحرية التي تم استخدامها، أو حتى عبور الصواريخ الصينية نحو شرق مضيق تايوان، وهو ما يتداخل بشكل فعلي مع المياه الإقليمية لتايوان، ويجعل المناورات الصينية أشبه بتدريب عملي على حصار تايوان أو حتى غزوها، يضاف إلى ذلك إمكانية استغلال المناورات الدورية المزمع إقامتها حول تايوان، للتسبب بأضرار للملاحة التجارية القادمة إليها، وبالتالي التأثير عليها اقتصادياً بشكل سلبي.
واختتم منصور تصريحاته قائلا: "بكين قد تلجأ في الفترة المقبلة إلى شن (حرب باردة) على تايوان، تقوم من خلالها بالتضييق الاقتصادي عليها، بجانب إشغالها على المستوى العسكري بسلسلة من المناورات التي تضع الجيش التايواني تحت ضغوط مستمرة، وفي نفس الوقت يتم من خلال هذا الأسلوب توجيه رسائل حادة للولايات المتحدة الأمريكية، بحيث يتم الحيلولة دون تزويد الولايات المتحدة، تايوان بأسلحة نوعية أو كاسرة للتوازن في المدى المنظور.
نرمين كامل: تايوان تختبر قدرتها على الردع ولا تريد الاحتكاك بالجيش الصينى
من جانبها، قالت نرمين سعيد كامل، الباحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، لـ"الدستور"، إن زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، إلى تايوان انقضت منذ أيام، إلا أن توابعها لا زالت مستمرة ويمكن أن تتحول حسب تقديرات إلى عواقب وخيمة، وفي إطار رصد التطورات حول الأزمة التايوانية تلزم الإشارة إلى أن العشرات من الطائرات الحربية التي تحلّق يوميًا فوق خط الوسط في مضيق تايوان والسفن الحربية تجوب المياه قبالة الساحل بما يشكل تغييراً مهماً للوضع الراهن.
وأضافت «كامل»، فى تصريحاتها، أن دفع تلك الطائرات الحربية فوق خط الوسط لا يؤدي فقط إلى محو الحدود السابقة، ولكن القيام بذلك بالتنسيق مع السفن الحربية والابتعاد عن الصواريخ هو بالضبط نوع التفاعل الذي تقضي الجيوش الحديثة الكثير من الوقت والجهد لإتقانه، ولذلك فإنه على الرغم من أن تحركات الجيش الصيني الحالية تمنح الكثير من المعلومات الأمريكية إلا أنها في نفس الوقت تمنح الكثير من الخبرة التدريبية للجيش الصيني.
وتابعت كامل: "بينما انحسرت ردود الفعل التايوانية في مواصلة رصد عدة دفعات من الطائرات والسفن والطائرات دون طيار الصينية حول مضيق تايوان، الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي، بالإضافة لمحاكاة هجمات على جزيرة تايوان، وإضافة إلى ما تقدم، فقد قالت وزارة الدفاع التايوانية إن سلاح الجو نشر طائرات مقاتلة يوم السبت لإبعاد 20 طائرة صينية، من بينها 14 عبرت الخط الفاصل في مضيق تايوان".
وأكدت أنه من الواضح أن الطرفين يلتزمان بضبط النفس خلال هذه التدريبات على الرغم من أن الصين أعطت صفة الدورية لهذه المناورات والتدريبات العسكرية، ولكن هذا لا يمنع أن حادثا غير مقصود خلال هذه التدريبات العسكرية قد يؤدي إلى اشتعال الأمور.
وعلى صعيد الولايات المتحدة، قالت «كامل»، فيبدو أنها تمارس في هذا الملف نفس الدور الذي مارسته في الأزمة الروسية- الأوكرانية عن طريق التصعيد دون التدخل المباشر حتى وصول الأطراف إلى نقطة تصبح فيها العودة إلى طاولة المفاوضات مستحيلة، وهو الأمر الذي تستهدفه واشنطن لترتيب خريطتها في التحركات الدولية مستقبلًا.
ومن الناحية التايوانية، أوضحت «كامل»: يبدو أن تايبيه تختبر قدرتها على الردع أكثر من كونها تريد الاحتكاك بالجيش الصيني أو إشعال فتيل الحرب، ويمكن رصد ذلك من خلال المناورات العسكرية التي تستخدم خلالها الذخيرة الحية في الجزء الجنوبي من الجزيرة "لاختبار الجاهزية القتالية".
وحول بكين، قالت «كامل»: هي تدرك أن الحالة التايوانية تختلف عن الحالة الأوكرانية، فبينما تشترك أوكرانيا وروسيا في حدود برية طولها 1200 ميل، فإن تايوان جزيرة مفصولة عن البر الرئيسي للصين بمقدار 100 ميل من المياه مما يخلق مصاعب جغرافية جمة، إضافة إلى أن حجم الإنفاق العسكري على القوات البحرية الصينية لا يؤهلها لهجوم بحري ناجح، ويمكن أن يضاف إلى ما تقدم أن العامل النفسي يلعب دورًا مهمًا، ومن خلال فهم الصين لتاريخها العسكري فإنها تعترف بالعلاقة بين الهزيمة الكبرى في البحر واستقرار النظام، وعلى سبيل المثال فقد خسرت الصين معركة كبرى في عام 1894 ضد اليابان، وفي تلك الأثناء جرت أغلب معارك الحرب الصينية اليابانية الأولى في عرض البحر، وخلالها فرضت البحرية اليابانية نفسها بفضل تطور سفنها الحربية وفرضت على بكين هزيمة مذلة.