حسين نوح: أمى أغلقت الهاتف فى وجه «السادات».. وعبدالوارث عسر علم شقيقى
كتب الفنان التشكيلي حسين نوح "صرخة نوح"، وهو كتاب يدور حول الفنان محمد نوح، وذكر فيه الكثير من الأشياء عن شقيقه في مراحل مختلفة، وكان كتابًا شجيًا وكان حسين يتكلم فيه عن شقيقه بحب، وكأن سطور الكتاب كانت مملوءة بوجع الأخ على أخيه بعد فراقه، "الدستور" التقى حسين نوح وكان هذا الحوار.
قلت إن محمد نوح كان عازفًا لست آلات موسيقية، لكنك لم تشرح في كتابك "صرخة نوح" كيف تعلم نوح على كل هذه الآلات وأتقنها؟
في الحقيقة هي تسع آلات، ولكننا ولدنا في بيئة جميلة، فوالدي كان محاسبًا، وكان يقول لمحمد نوح "لو أنك أصبحت عبدالوهاب سأشاهدك وأدفع ربع جنيه"، ولكن كان له شرط وهو أن ينتهي محمد نوح من كلية التجارة، وكان لدينا بيانو في المنزل، ولذلك كان من السهل أن نتعلم كلنا العزف عليه، ونوح بعد ذلك عزف كمانجا وقانون وناي وغيرها.
كما أنه كانت لدينا مكتبة عامرة بكل صنوف الكتب، فقرأنا في المسرح العالمي، لهنريك أبسن وكولن ولسون ومكسيم جوركي، وألبرتو مورافيا، كان جيل الستينيات عصرًا ثريًا بالمعرفة، وكنا نستخرج المعرفة من بقايا الجيل الكبير، جيل توفيق الحكيم وفكري أباظة وثروت أباظة، وطه حسين وسلامة موسى، ونقرأ عن رفاعة الطهطاوي، وكان عصرًا ثريًا جدًا في الثقافة.
هذا جعل نوح مختلفًا وجعله مثقفًا بدرجة فنان هذا ما حبب وجيه أباظة، وهذا ما جعله يسافر ليدرس الموسيقى في ستانفورد، يدرس فنون الموسيقى الحقيقية وليس تنغيم الكلام، أما تنغيم الكلام ومحض الموسيقى وأصول الموسيقى التي هي علوم رياضية.
أنا حزين لأن هناك الكثير يجب أن يعرفه الشعب المصري بخصوص الموسيقى، وحزين لأن الجيل الكبير يموت ونجد أن الشباب يذهب إلى أمثال حمو بيكا وغيره.
على ذكر حمو بيكا.. كيف ترى الموسيقى الآن؟
شبكات التواصل الاجتماعي أفرزت أنصاف مواهب وشكلًا بلا مضمون وفنانات العري وفنانات النحت والشفط وهذا كلام أرفضه تمامًا، لأنني تربيت على دكتور ناجي وأشعاره مثل الأطلال، وشمس الأصيل والكلمات التي تحمل معاني، وحين نذكر ما يقدم فهو قشور ساذجة تمسح بأول هواء تقتلع تلك الفلول التافهة من جذورها، ولا يبقى سوى ما تركه عبدالوهاب وأم كلثوم وغيرهما.
أما فنون التيك أواي السريعة التي تعاونت معها شبكات التواصل وأظهرتها فهي فقاقيع هواء، وأغنية لولاكي عاشت، فهذه الأغنيات ستعيش.
الحاجة "نوحة" كما كان الفنان محمد نوح يلقب والدته لها دور كبير في حياته؟
نعم ولها قصة سأذكرها لك، في يوم رن جرس الهاتف في بيتنا، وكان المتحدث هو رئيس الجمهورية شخصيًا، الرئيس السادات، وكان يريد من محمد نوح السفر لسيناء حين قمنا باستردادها لترجيع كلمة مصر والوطن ومدد، لم يجعل فوزي عبدالحافظ يكلم بيتنا، وأمي اعتقدت أنه شخص يعاكس.
وطلب فوزي عبدالحافظ بيتنا مرة أخرى وتحدث معه شقيقي، وتناول منه الرئيس السادات سماعة الهاتف وقال له: "يا محمد قول لأمك لا تغلق الخط في وجه رئيس الجمهورية وإلا سأسجنها" وضحك محمد والرئيس.
طلب منه الرئيس أن يذهب لسيناء ويقول مدد شدي حيلك يا بلد، وذهبت معه إلى سيناء، كانت علاقة محمد نوح بالسادات قوية جدًا وكان يرسل العديد من الأشياء مثلًا الرمان والمانجو وغيرهما.
من الصدف أن تكون أول مسرحية يقوم بها محمد نوح هي عن معشوقه الفنان سيد درويش؟
هو عشق سيد درويش، ومن قام بتحفيظ محمد نوح أدوار سيد درويش هو عبدالوارث عسر، لأنه كان في التخت الخاص بسيد درويش، كان من كورال سيد درويش، وحين عرف محمد نوح أن عظمة سيد درويش ليست في اللحن الفردي، وإنما عظمته أنه أحب الدراسة في إيطاليا والعمل على الموسيقى الحقيقية وهي المسرح الغنائي، لم يكن هناك مسرح غنائي وكان حلمه السفر والدراسة في الخارج، ولهذا السبب حين تمكن محمد نوح وأمسك بعض النقود في يده قرر السفر لجامعة ستانفورد ودرس هناك الموسيقى ورجع يكتبها كعلم حقيقي.
هل تقصد أنه أراد تحقيق حلم سيد درويش الذي لم يمهله الموت لتحقيقه؟
نعم بالضبط، لأنه أخذ سيد درويش ووضعه في الزمن ولم يقف عنده، ومزيكته عزفت في الصين وإنجلترا وفرنسا.
نوح عمل مع بليغ حمدي في مسلسل "حبي أنا"، وهو مسلسل لعفاف راضي، وكان فيه ألحان وغناء، وأيضًا مع محمد الموجي في مسلسل ناعسة وغنى له، وكان يعشق عبدالوهاب ولكن عبدالوهاب كان واقفًا عند الأغنية الفردية من وجهة نظره، ونوح كان يتحدث عن المسرح الغنائي وكان لديه طموح، إنما كان يقدر الموسيقيين وعمل مع معظمهم.
ما هي تفاصيل مشاركته في العديد من الأعمال التليفزيونية؟
شارك محمد نوح في أكثر من أربعين عملًا، ولكن للأسف لم يكن مرحبًا به في التمثيل وأحس أنه لن يقدم جديدًا، وكان هذا مأزقًا لم يستطع الخروج منه، خاصة أن أعماله كان معظمها يدور في فلك السياسة ومنع أغلبها وفرج عن أغلبها مؤخرًا.
نوح كان يقول "أنا أغني للوطن كأنه الحبيبة، والحبيبة كأنها الوطن".
مع أن نوح سافر كثيرًا لدول العالم المختلفة وسكن بعيدًا عن دمنهور لكنه لم يبتعد عنها بالروح؟
نعم عاش وكان لديه بيت في باريس ولن يدخل الاستديو ويأكل الفول مع العمال، وألحانه كلها فيها تيمات، ففي المهاجر مثلًا ستجد مقام الحجاز، وهو المقام الذي عمل منه الأذان ومقامات شرقية أخرى.