«في الصعيد حتى الأرض لها رائحة خاصة».. حكايات من طفولة صلاح جاهين
كانت لنشأة صلاح جاهين (25 ديسمبر 1930 - 21 أبريل 1986) أثرا كبيرا في حياته، وبدأت تظهر مواهبه واحدة تلو الأخرى، من الحكي والقراءة، للشعر، والرسم، والتمثيل، وإنتاجه للعديد من الأفلام، وكتابته لعدد من سيناريوهات الأفلام، وتأليف الأغاني، وغيرها، ورحل تاركا إرثًا كبيرًا من الأعمال الفنية الخالدة حتى الآن.
وفي حوار له بمجلة "المعرفة" بعددها رقم 190 الصادر بتاريخ 1 ديسمبر 1977؛ كشف عن البيئة التي عاش فيها حياته الأولى وتأثيرها عليه كشف قائلًا: "أنا من مواليد القاهرة، لكن وبحكم أن والدي يعمل في القضاء، والقضاة عادة يتنقلون كثيرًا بين المحافظات فقد غادرت القاهرة وأنا في سن الرابعة وعدت إلى القاهرة فيسن السادسة عشرة، موعد دخولي الجامعة، وكانت هذه السنوات الإثنى عشرة من أغنى فترات حياتي، قضيناها بين محافظات الصعيد.. في الصعيد حتى الأرض لها رائحة خاصة، رائحة الطمي الذي يحمل فتات الغابات الإفريقية، كل شيء في الصعيد يشعرك بالقوة.
وتابع: لا أستطيع أن أقول إنني ابن بيئة معينة إلا إذا اعتبرنا المكان الأصغر الذي ضمني مع الأبوين هو البيئة التي أثرت في، فبحكم أنهما كان يعملان في المحاماة والتدريس، ويهتمان بالثقافة وكان البيت يحوي من الكتب أكثر مما يحوي من الأثاث فتأثرت بهذا الجو كثيرًا، واعتبر أن هذا البيت هو بيئتي.
مرض صلاح جاهين بالتيفود
وكان مرض صلاح جاهين بالتيفود نقطة تحول كبير في حياته وتحديدا طفولته، إذ أصيب به وهو في عمر الثانية عشرة من عمره، وكان يقيم حينها في أسيوط مع والده الذي كان يريده أن يتخرج من كلية الحقوق ويصبح محاميا أو وكيلا للنيابة مثله، وكان والده يسهر معه ويقرأ له كتابا استعاره من مكتبة مدرسة الأمريكان بأسيوط.
وفي حواره مع مجلة «سمير»، بعددها الصادر بتاريخ 14 سبتمبر 1969، قال: «كان لتأثير مرضى، وقراءة حياة الفنانين والمنظر الخلاب الذى شاهدته من النافذة أثر كبير في تحول مجرى حياتى إلى طريق الفن والرسم بصفة خاصة، وهكذا بدأت أعنى بدراسة الرسم، وأرسم فى البداية وجوه من حولى أخوتى وأصدقائى، وبعد عام واحد رسمت لوحتى المشهورة مشهد من "جحيم دانتى" وكنت وقتها طالبا بالصف الثانى الثانوي».
كان صلاح جاهين يتمتع منذ صغره بموهبة الحكي، إذ كان يقرأ كل ما كانت تقع عليه عيناه ثم يقص الرواية على شقيقاته الثلاث بأسلوب سلس وشيق، ويعود الفضل في حبه للقراءة لوالدته، التي قال عنها: قبل أن أتعلم المشي، تعلمت القراءة والكتابة وعمري 3 سنين، أمي كانت مدرسة، استقالت لتتفرغ لتربيتي، وبدأت تعلمني، وفي شهور قليلة كنت أقرأ وأكتب وأضرب وأقسم.