هل يَخلُص الملحِدون؟.. القمص يوحنا نصيف يُجيب
طرح القمص يوحنا نصيف راعي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في ولاية شيكاغو بالولايات المُتحدة الأمريكية، دراسة للإجابة عن تساؤل يتعلق بالملحدين، ونصيبهم النهائي في السماء، تحت شعار «هل يَخلُص الملحِدون؟».
وقال في دراسته: «جاءني من أحد الشّبان الذين تأثّروا بقراءة بعض الكتابات غير الأمينة، رسالة شديدة اللهجة ملخّصها أنّ الكنيسة متعصبّة ومعتدّة بذاتها عندما تنادي بهلاك غير المؤمنين، وأنّ هناك الكثير من الملحدين لديهم أخلاقيّات ومحبّة أفضل من المسيحيين، فكيف نتصوّر أنّهم سيهلكون؟ وأنّ الكنيسة محصورة في نظرة ضيّقة جدًّا، ولا تفهم أنّ البشر متساوون، وأنّ الروح القدس يعمل في جميع الناس، مع اتهامات أخرى للكنيسة بأنّها لا تقوم بدورها الكرازي كما يجب».
وأضاف قائلًا: «نحن كمسيحيّين نحترم غير المؤمنين ونشتاق لخلاصهم ونصلِّي لذلك، لكنّ يجب أن يكون واضحًا أمامنا أنّ طريق الخلاص فتحه المسيح لكلّ مَن يؤمن به ويدخل معه في عهد بالمعموديّة ويسير في طريقه الضيّق إلى النفس الأخير.. فنحن نؤمن بخلاص غير المؤمنين عندما يؤمنون بالمسيح، ولكن وهم بعيدون عن المسيح نحبّهم ونصلّي لأجلهم، ونقدّم لهم محبة المسيح الخادمة، ولا نَحكُم على مصير أحد لأنّنا لا نعلم الغيب ولا المستقبل ولا أفكار القلوب.. ومادُمنا لا نحكُم بهلاكهم فأيضًا لا نستطيع أن نحكُم بخلاصهم. هذا الأمر متروك لله».
وتابع: «فكرة أنّ كلّ البشر واحد، أي في مستوى إنساني متساوي، هذا ما تنادي به المسيحيّة، بل وقد بذل السيّد المسيح نفسه لأجل كلّ البشر، أي ساوى الجميع بنفسه، وبذل دمه وحياته لأجل الجميع.. فهذه الفِكرة ليست هي محور الإلحاد، وإنّما فكر الإلحاد في حقيقته هو فكر غير متوازن منطقيًّا ومملوء بضلالات شيطانيّة كثيرة، أهمّها أنّه لا توجَد حياة أبديّة أو عقوبة للأشرار.. وفكر الإلحاد مهما تظاهر بالإنسانيّة والمحبّة فهذا مجرّد غطاء غاشّ ومخادع لتمجيد الذّات، لأنّ هذا الفكر يجعل مَن يؤمن به يدور حول ذاته فقط ولا يعرف معنى البذل والحبّ الحقيقي، إذ لا جدوى من التضحيّة. ومادامت لا توجَد مكافأة في الأبديّة، فالتضحية خسارة.. ومع كلّ ذلك نحن نحبّ الملحدين كبَشَر، ولكنّنا في نفس الوقت نبغض ضلالاتهم».
وأكمل: «المسيح جاء لكي يهب لكلّ البشريّة حياة جديدة، ولكن مَن هو الذي سيتمتع بهذه الحياة إلاّ الذي يؤمن به ويقبل فداءه، وليس كلّ البشر.. فالإيمان ليس للجميع كما قال معلّمنا بولس الرسول، وبالتالي فالخلاص ليس للجميع.. ولا يستطيع أحد أن يقول أنّ غير المؤمنين بالمسيح إذا استمرّوا في عدم الإيمان للنهاية سوف يخلصون.. كيف يحدث هذا بدون مُخلّص؟! هذا كلام لا يقبله المنطق السليم».
وأردف: «نحن ككنيسة لسنا محصورين في نظرة ضيّقة كما تقول.. نحن فقط ملتزمون بالطريق الذي رسمه لنا ربنا يسوع المسيح.. والرب يسوع الآن فاتحٌ أحضانه للجميع، ومَن يُقبِل إليه لن يُخرِجه خارجًا.. ولكن الذين يرفضونه يرفضون خلاص أنفسهم، لأنّ ليس بأحدٍ غيره الخلاص.. لذلك سنظل نسعى بكلّ حُبّ وتوسُّل ليعرف كلّ الناس محبة المسيح وخلاصه.. نسعى كسفراء عن المسيح ندعو الجميع لكي يتصالحوا مع الله».
واستطرد: «خروجنا للكرازة بالمسيح المُحِبّ خارج أسوار الكنيسة هي واجب أساسي لكلّ إنسان عرف المسيح معرفة حقيقيّة، كما أن الاعتداد بالذات ليس من المسيحيّة في شيء، بل هي ضربة من عدو الخير. كلّنا خطاة فاض علينا المسيح برحمته وغفرانه.. ومن الخطأ أن نتعالى على أيّ أحد».
واختتم: «وأخيرًا، نحن نؤمن أنّ الروح القدس، روح الله، كما يعمل في الكنيسة والأسرار، هو يعمل أيضًا خارج الكنيسة في كلّ مكان، في الفنّ والموسيقى والسياسة والأدب والعلوم المتعدّدة.. يعمل في غير المؤمنين كما في المؤمنين، هؤلاء بمستوى وأُولئك بمستوى آخَر.. يعمل في غير المؤمنين لكي يتوبوا ويؤمنوا، كما يعمل في المؤمنين من أجل تقديسهم واستنارتهم ونموّهم في الشركة مع الله.. ولكن يجب أن نميِّز بين أنّه يعمل في غير المؤمنين من ناحية، وموضوع خلاصهم من ناحية أخرى.. فلا يجب خلط الأمور أبدًا.. فعمل الروح القدس في غير المؤمنين هو نعمة وفضل منه، فهو يُلهِم بعمل الخير والبرّ وصُنع السلام.. أمّا موضوع خلاص الناس فيلزمه جانب أساسي جدًّا من جهتهم، وهو تجاوب إرادة الشخص مع نداء التوبة، ثمّ الإيمان وعهد المعموديّة، من أجل التمتُّع بفداء المسيح، وبدون ذلك سيظلّ الروح يعمل فيهم، ولكن لا يعني هذا خلاصهم إذا استمرّ رفضهم للمخلّص الإلهي».