سؤال جاد جدًا: هل نحن فى حاجة إلى «الترفيه» أو «السعادة»؟
مع زيادة معدلات الجريمة وارتفاع حالات العنف المجتمعي، انتبه علماء الاجتماع لوجود خلل ما في الأسرة المصرية، وهو ما أرجعته د. هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها، إلى بعض المواد الإعلامية التي تشجع على العنف، حيث أصبح العنف لغة الحوار بين الناس، واختلت المفاهيم عند الشباب، ما أدى إلى ظهور مثل هذه الجرائم البشعة التي باتت تطالعنا بها الصحف بين يوم وآخر، ورغم ذلك فلا يمكن أن نسلم بما يدّعيه البعض من أن ضيق الناس يرجع لأسباب اقتصادية فحسب، فظني أن الناس قد ضاقت عليهم أنفسهم نتيجة استسلامهم للسوشيال ميديا، تلك التي صارت تحرك الشعور الجمعي للمواطنين بين الإفراط في السعادة والرضا أو الاستسلام للحزن إلى حد الاكتئاب.
وعند هذا الحد ظهرت أصوات تسعى لدراسة الظاهرة، وطالب آخرون بسرعة البت في جرائم العنف التي زادت معدلاتها مؤخرًا إلى حد القتل والتمثيل بالضحايا، وبالطبع تصدى للحديث والتحليل من له قدر من العلم والفقه.
ولكن بقي السؤال: كيف الخلاص إذن من هذا الكابوس المجتمعي؟ وهنا، وجدت أن من واجبي أن أبادر بطرح الاقتراح الذي أراه قد يهذب الأرواح ويعيدها إلى جادة الصواب، إنه الفن- علاوة على الدين طبعًا، حتى لا يتهمنا البعض بما ليس فينا- فالفن فيما أرى هو الذي يهذّب النفوس ويطمئن الأرواح ويسعد القلوب.
فلا تتحقق سعادة الروح إلا بالترفيه عنها من أجل الوصول إلى الرضا والإشباع، حتى وإن كانت بهجة مؤقتة فإنها كفيلة بتحقيق قدر من راحة الأرواح.
وقديمًا كنا نجد ضالتنا في أغنية أو فيلم أو مسلسل أو في متابعة الراديو أو في الذهاب إلى متنزه أو مسرح أو استاد رياضي، وكم حكى لنا الآباء عن قصور الثقافة التي كانت تنشر الفنون الراقية في كافة المحافظات، وعن القوافل الفنية التي كانت تجوب القرى حاملة شاشات العرض التي تنشر ألوان الثقافة وتجعلها "جماهيرية".
وأدركنا بعضا من "حفلات أضواء المدينة" و"الليالي المحمدية" و"ليالي التليفزيون" التي تصطحب نجوم الصف الأول إلى المحافظات ليقدموا فنًا راقيًا لجمهور لا يقل رقيًا، وشاهدنا في ملاعب الكرة جمهورًا يذهب لمشاهدة المباريات في كامل زينته وقمة أناقته، وحتى عهد قريب كانت الكتب تطبع وتوزع بأسعار رمزية، فتنشر العلم والمعرفة بما لا يحمّل الميزانيات مزيدًا من الأعباء.
تغيرت الأحوال وفرضت الظروف نفسها على الجميع، فانشغل الآباء بتدبير قوت يومهم وتلبية متطلبات من يعولون وتوفير احتياجاتهم الأساسية، واضطر كثير من الناس للتخلي عن غذاء أرواحهم من زاد الثقافة والمتعة والترفيه والتسلية والترويح، وتجاهلوا أن غذاء الروح لا يقل أهمية عن زاد الجسد، وهنا ظهرت تلك الآفات المجتمعية التي لم تعد خافية على أحد، وفي الوقت الذي تراجعت فيه كثير من مؤسساتنا الثقافية والفنية والإعلامية عن أداء رسالتها والاستمرار في لعب دورها، وجدنا دولًا شقيقة تلتفت لتجربتنا التي سبقناهم إليها بقرون عديدة.
إذ أدرك الأشقاء أهمية الترفيه وما للسعادة من دور لا يقل نفعًا للإنسان عن زاده من الطعام والشراب، ونجحت تلك المؤسسات العربية في ممارسة دورها المخطط من تأسيسها واستعانوا بنجوم مصر، وفي المقابل أقبل نجومنا على تلبية دعوات المشاركة في الفعاليات والمهرجانات والمسابقات.. ولِمَ لا؟ فهم يمارسون موهبتهم ويصلون إلى جمهور ينتظرهم ويتقاضون في مقابل ذلك المال الوفير والهدايا السخية.
ولكن أين حق مواطنينا من الترفيه والعيش بسعادة وسط ضغوط الحياة؟ لا أظن أن مبررات كصعوبة الأحوال المالية هي التي تمنع الناس من البحث عن متعة الترفيه عن الذات، فهناك من أهلنا من ينجحون في صناعة متعتهم بأقل القليل وفي حدود ظروفهم، إذ يجدون هذا في تمشية على النيل، أو في رحلة إلى حديقة عامة أو بالذهاب إلى سينما درجة ثالثة أو عند لعب مباراة كرة في مركز شباب تحت الأضواء الكاشفة أو في رحلة اليوم الواحد إلى حيث الشواطئ المتاحة بالمجان.
نعم تبذل الدولة جهودًا كبيرة في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، لكن جهدًا كبيرًا يحتاج أن يبذل- علاوة على ما يتم- في إطار السعي إلى إسعاد المواطن والترفيه عنه، نعم يحتاج الأمر ميزانيات كبيرة لكنها في النهاية أوفر كثيرًا من أن نخسر مواطنا، سواء بانعزاله مكتئبا أو بانتحاره يائسًا أو بارتكابه جريمة بسبب أزمة نفسية.
الخلاصة أننا بحاجة ماسة لمزيد من "الترفيه" حتى نصل إلى تحقيق "السعادة".