رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وزارة الثقافة السورية تطرح كتابًا عن «رفاعة الطهطاوى».. ما القصة؟

رفاعة الطهطاوي
رفاعة الطهطاوي

طرحت وزارة الثقافة السورية، ممثلة في الهيئة السورية العامة للكتاب، ضمن سلسلة “أعلام ومبدعون”، كتاب بعنوان “رفاعة الطهطاوي” للكاتب بيان الصفدي، والذي يستهل كتابه بمقولة لـ رفاعة الطهطاوي: “خير الأمور العلم، وإنه أهم من كل مهم”. 

ومن الغرائب التي يكشف عنها الكتاب إعلانا نشر في جريدة الأهرام بتاريخ 1910 مفاده بأن السلطات المصرية تطلب القبض على عدد من الطلاب المصريين الهاربين، الذين تقرر إرسالهم في بعثات تعليمية إلى أوروبا.

ويوضح “الصفدي”: قد يبدو الأمر أشبه بالطرفة، لكن التغرب في ذلك الزمن لم يكن أمرا هينا، لذا فإن فكرة السفر إلى قارة مجهولة وبلدان غريبة أشعرت الطلاب بالرهبة والخوف من هذه المغامرة، ولم نعرف ما الذي حدث بعد ذلك.

فالعالم وقتها كان متباعدا جدا، ولا يسهل التواصل والسفر الذي عرفناه في أيامنا، ولا يمتلك الطلاب كلهم العزيمة والجد نفسيهما في طلب العلم وفي تحمل الصعاب لأجله في ذلك الوقت.

ويلفت “الصفدي” إلى أن حكاية رفاعة الطهطاوي، هي حكاية مغايرة للخبر الذي نشرته جريدة الأهرام، مشيرة إلى أن رفاعة الطهطاوي عاش طوال حياته لأجل العلم والتعليم، وفي سبيل ذلك لم يمنعه عائق من إكمال مسيره، واستصغر الصعوبات والمشقات، وتحمل المرض والسهر والغربة، لكنه استطاع في النهاية أن يحقق ما يعجز عنه العشرات معا من زملائه.

ــ المناخ الثقافي العام الذي نشأ فيه رفاعة الطهطاوي

يعرج مؤلف كتاب “رفاعة الطهطاوي” بيان الصفدي، إلى وصف ورصد المناخ الثقافي قبل تولي محمد علي مقاليد حكم مصر، ففي فترة احتلال الحملة الفرنسية لمصر، كان لاتصال المصريين بعلماء الحملة وما شاهدوه من تجارب علمية لفتت انتباههم إلي العلم وأهميته في حياة الشعوب والأمم، وهو ما بدأ تحقيقه محمد علي من خلال إرسال البعثات التعليمية إلي أوروبا.

وأرسل أول بعثة إلى إيطاليا عام 1813، ثم تلتها بعثة إلى فرنسا عام 1818، ثم البعثة الثالثة إلى فرنسا عام 1826 وكان فيها رفاعة الطهطاوي، ليس كطالب فيها إنما إماما للطلاب. 

ويذهب “بيان الصفدي” إلى أن الحملة الفرنسية كان لها كبير الأثر على المصريين، إذ دقت ناقوس الخطر، ونبهت الكثيرين للحاجة إلى نهضة جديدة، لهذا لما جاء محمد علي حاكما اندفع إلى كثير من الإصلاح، فأقام القناطر والسدود، وطور أنظمة الري، كي يبث الحياة في الزراعة التي كانت بدائية، وبلا رعاية من الدولة، وعمل على تحسين الإدارة في البلاد، وبدأ في افتتاح المدارس العصرية التي تدرس الحساب والجغرافيا والعلوم، ولو على نحو بسيط.

ثم ينتقل الكاتب إلى دراسة رفاعة الطهطاوي في الأزهر على يد الشيخ “حسن العطار” والذي رشحه لإمامة البعثة العلمية إلى فرنسا، وأوصاه بتسجيل كل ما يشاهده، لأنه بذلك سيقدم خبرة كبيرة وخدمة لا تنسى إلى شعبه، فوعده وقال له: “سيكون لك ذلك يا شيخي العزيز، وكل نصائحك لي ستظل مشعلا يضئ لي في عتمة الليالي”.

ــ رحلة رفاعة الطهطاوي في باريس

بدأ رفاعة الطهطاوي يتعرف على الناس في حياتهم التي تثير العجب والإعجاب، لأن الفارق كان كبيرا بين ما عاشه في مصر، وما بدأ يشاهده في فرنسا، وقد كتب يقول: “ومن طباع الفرنساوية التطلع والتولع بسائر الأشياء الجديدة وحب التغيير والتبديل في سائر الأمور، وخاصة في أمر الملبس”.

ولفت رفاعة الطهطاوي النظر إلى ما للمرأة من مكانة عندهم فقال: “الأنثى دائما في المجالس، معظمة أكثر من الرجل”، وهذا ما جعلها مواطنة تقاس قيمتها بعلمها وعملها لا بشكلها: “إن قول أرباب الأمثال: جمال المرء عقله، وجمال المرأة لسانها، لا يليق بتلك البلاد، فإنه يسأل فيها عن عقل المرأة وقريحتها وفهمها، وعن معرفتها”. بل هو يؤكد على قوة دور المرأة فيقول: “إذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال فهي مذمومة عظيمة في حق النساء”.

ــ رفاعة الطهطاوي طالب مجتهد يصل الليل بالنهار

منذ وصول رفاعة الطهطاوي إلي فرنسا تحول إلى طالب مجد، بل صار في مقدمة الطلاب، ومع أنه كان إمام البعثة بحسب الترتيب الذي جرى، إلا أنه استطاع بسبب حرصه ودأبه أن يبدأ بالترجمة بعد سنة و18 شهر من الدراسة، لأنه كان يصل الليل بالنهار قراءة واطلاعا، وبحثا ومحاورات وأسئلة مع أساتذته، ولفت الأنظار بقدراته الكبيرة، وإصراره على الإفادة من وجوده في باريس، فقد كانت إقامته في باريس حلقة درس لم يكد يتوقف فيها إلا لنوم قليل، يسابق الزمن لاكتساب المعرفة، حتى خشي على بصره من المحيطين به. 

وكان من نتائج هذا الدأب العجيب أن اطلع على خلاصة المعرفة العلمية والأدبية في تلك الأيام، فثمن جهوده العلماء المشرفون: “جومار، ودي ساسي، وديبرسفال”، وكان جومار آخر من امتحن رفاعة الطهطاوي وهو المشرف العلمي على الرحلة، وكان من الذين جاؤوا مع الحملة الفرنسية على مصر، لكنه اختار البقاء فيها.

ــ الرائد الحقيقي الأول للمسرح العربي

ويشدد الكاتب بيان الصفدي على أن رفاعة الطهطاوي أنه المؤسس والرائد الحقيقي الأول للمسرح العربي، فقد نبه لهذا الفن بما نشره عنه في الأعوام 1833، 1834، 1835، وهو أول من ترجم عملا مسرحيا إلي العربية، وكان ذلك في عام 1869، فنقل بأمر من الخديو إسماعيل مسرحية “هيلين الجميلة” للفرنسيين ميلاك وهاليفي، ومثلت على مسرح دار الأوبرا في القاهرة ضمن الابتهاج بافتتاح قناة السويس.

ــ “روضة المدارس المصرية” أول مجلة عربية للتلاميذ

ويلفت بيان الصفدي إلي أن حلم المعلم الكبير رفاعة الطهطاوي، في عمل كبير يفيد التلاميذ، ليسرع من حركة الوعي ومحبة المعرفة، ولهذا أصدر أول مجلة عربية للتلاميذ سماها “روضة المدارس المصرية” في 18 أبريل سنة 1870 فصدرت نصف شهرية، وطبعت 350 نسخة من كل عدد، ثم وصل عدد النسخ إلي 700 نسخة، وقد تحقق هذا الحلم له بعد أن اكتسب خبرة عمر مديد من الدراسة والعمل والترجمة والتأليف والتدريس، وقد جعل علي رأسها ابنه “علي فهمي رفاعة” وصدرت المجلة يتصدرها شعار: تعلم العلم واقرأ .. تحز فخار النبوة .. فالله قال ليحيي: خذ الكتاب بقوة.