جمال عاشور يكتب: لماذا أنكر أحد مسؤولي وزارة الثقافة استعادة لوحتي صلاح طاهر؟
في يوم 14 يونيو الماضي، أعلنت وزارة الثقافة، عن استعادة لوحة «من وحي فنارات البحر الأحمر» للفنان التشكيلي المصري العالمي عبد الهادي الجزار، والتي كانت مفقودة منذ أكثر من 50 عامًا، عقب خروجها إعارة عام 1971 إلى مكتب وزير الثقافة آنذاك بجاردن سيتي، ومنذ تلك الفترة وحتى قبل استعادتها بساعات قليلة، لم يعلم عنها أحد شيئًا سواء في وزارة الثقافة، أو في قطاع الفنون التشكيلية التابع للوزارة، نظرًا لأن منذ عام 1945 حتى عام 1992 كانت تخرج الأعمال الفنية مقتنيات المتحف إعارة إلى جهات رسمية داخلية وخارجية عن طريق «أذونات صرف»، وهذه الأذونات فُقد العديد منها، فضلا عن أنها لم تكن كافية لمتابعة خط سير الأعمال المعارة، ولم يسأل أحد عن الإعارات من الأساس، ومصير الأعمال المعارة، حيث أنها لم تكن إعارة مقننة، أو مشروطة في تلك الفترة، خاصة مع كثرة تنقلات المتحف، لأن بدايته كان غرفة صغيرة داخل جمعية محبي الفنون الجميلة بسراى تيجران شارع إبراهيم باشا شارع الجمهورية حاليا والذي يقع بوسط العاصمة، وبعد ذلك استقل المتحف وانتقل إلى متحف الشمع في حلوان، وفي عام 1936 انتقل المتحف إلى شارع البستان بميدان التحرير وبعده تم نقله إلى قصر الكونت زغيب - شارع قصر النيل - ميدان التحرير، وفي 1966 ونتيجة لهدم مبنى المتحف السابق انتقلت مقتنياته إلى فيلا لإسماعيل باشا أبو الفتوح - ميدان فني - حي الدقي – الجيزة، وفي عام 1983 تم تخصيص سراي 3 بدار الأوبر، لكي تكون مقر المتحف الجديد، ونظرا لكثرة تنقلات المتحف واجه العديد من المشكلات إذ أنه ونتيجة للإهمال تم فقدان العديد من الأعمال القيمة وكذلك تلف بعضها علاوة على سرقة البعض الآخر، وبعد أعمال ترميم وبحث بالمخازن تم افتتاح المتحف عام 1991 في عهد فاروق حسني الذي كان يشغل منصب وزيرًا للثقافة بداية من عام 1987.
وعقب الافتتاح بشهور قليلة، وملاحظة ما يمر به من أضرار ومخاطر على التراث المصري، بسبب الإعارات العشوائية، أصدر حينها الفنان فاروق حسني وزير الثقافة آنذاك قرارًا وزاريًا بمنع خروج مقتنيات المتحف إعارة إلا بقرار وزاري شامل كل ما يتعلق بالعمل الفني، ومواصفاته، ومقاساته، كل التفاصيل الخاصة به، وتكون الإعارة لمدة سنة وتجدد بعد فحص العمل والتأكد من سلامته، وحفظه، ومنذ ذلك الحين أصبحت الأعمال المعارة معروف أماكنها ومحددة، ويتم متابعاتها بشكل جيد.
أما بالنسبة للوحة «من وحي فنارات البحر الأحمر»، والتي خرجت قبل صدور القرار بسنوات، كانت قد انتقلت من مكتب وزير الثقافة في جاردن سيتي الذي كانت معارة إليه، وذهبت إلى مطار القاهرة لتعرض في إحدى قاعاته دون إخطار الوزارة، أو قطاع الفنون التشكيلية، وخلال فترة تطوير وتوسيع المطار، تم الاستعانة ببعض المقاولين، وكانت اللوحة وربما معها لوحات أخرى ضمن أنقاض رفعوها، ولم يعرف المقاول قيمتها الفنية والأدبية، واعتقد أنها صورة لا فائدة ولا ضرر منها، ووضعها مع بعض الأنقاض في مخزنه، وظلت داخل المخزن قرابة الـ 20 عامًا، كان يأكل عليها العمال، حتى شاء القدر أن تخرج إلى النور لتعود من جديد، وكان ذلك حينما قرر نجل المقاول إفتتاح كافيه خاص به في شبرا الخيمة، وتزينه بالأنتيكات ليكون ذو شكل مختلف، وأثناء بحثه عن ما يرغب فيه لوضعه في الكافيه وجد اللوحة في مخزن، وقرر وضعها في الكافيه دون أن يدرك قيمتها وأهميتها، حتى شاهدها أحد الأشخاص، وعرض على صاحب الكافية شرائها بمبلغ يقترب من الـ2 مليون جنيه، وهو الأمر الذي صدم صاحب الكافيه، وأقلقه في ذات الوقت، وطلب من المشتري منحه بعض الوقت، لعرض الأمر ومراجعته مع محامي العائلة في ذلك، وخلال تلك الفترة انتشر الأمر بين بعض المهتمين بالفن التشكيلي، وأخطر أحدهم قطاع الفنون التشكيلية بأن هناك لوحة خاصة بالفنان العالمي عبد الهادي الجزار، معروضة في مقهى، ويتفاوض أحدهم على شرائها مما جعل القطاع يصدر بيانا تحذيريًا بعدم التعامل مع العمل سواء بالشراء أو البيع، وهو ما يعني أن الوزارة لم تبحث عن اللوحة، ولم تعلن من قبل عن فقدانها، مما يشير إلى أنه متحف الفن الحديث به الكثير من الأعمال المفقودة والمسكوت عنها، والدليل على ذلك لوحة «من وحي فنارات البحر الأحمر»، رغم نفي قطاع الفنون التشكيلية في 2017 حديث الفنانة ليلى عفت أرملة «الجزار»، والتي كشفت فيه عن فقدان متحف الفن الحديث لـ 5 لوحات من أعمال الجزار.
وبالعودة إلى الاتفاق الذي جرى بين صاحب المقهى حائز اللوحة، والمشتري الذي كان يبحث عن أحد يقتني منه اللوحة عقب شرائها من نجل المقاول الذي ذهب إلى محامي العائلة وعرض عليه الأمر، فطلب منه المحامي الانتظار حتى يعرف قصة اللوحة، وأجرى عمليات بحث عن اللوحات على موقع البحث «جوجل»، والذي أظهر له بيان قطاع الفنون التشكيلية التحذيري بعدم التعامل مع اللوحة بالبيع أو الشراء، وهو ما جعل المحامي وحائز اللوحة الاتفاق على تسليم اللوحة إلى وزارة الثقافة، وتم بالفعل التواصل مع فيروز الجزار نجلة الفنانة الكبير، وأخطروها بالأمر، وبدورها أخطرت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وتم الاتفاق بين حائز اللوحة، وابنة الجزار ووزيرة الثقافة على تحديد موعد لتسليم العمل الهام، وتمت المهمة بنجاح وسط فرحة عارمة بين قيادات الوزارة، والمسئولين بها.
لكن الغريب في الأمر، عقب إعلان وزارة الثقافة، وقطاع الفنون التشكيلية بعودة العمل الفني الخاص بالفنان الكبير عبد الهادي الجزار، أبلغني أحد المصادر، بأن نجل المقاول لديهم عملين أيضًا للفنان صلاح طاهر، وأنه أخطر مسئولي الوزارة وقطاع الفنون التشكيلية بذلك، وطلبوا منه إحضارهم مع لوحة «الجزار»، وكان المصدر مستاء من عدم إعلان ذلك، أو الإشارة إليه من قبل الوزارة أو من قبل قطاع الفنون التشكيلية.
فتواصلت بدوري مع الدكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية مساء يوم إعادة لوحة الجزار وكان مساء يوم 14 الماضي من الشهر الجاري، وهنأته بعودة لوحة عبد الهادي الجزار، واستفسرت منه عن حقيقة وجود عملين آخرين لدى نجل المقاول للفنان صلاح طاهر، وهو ما نفاه الدكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية، مؤكدًا أنه تحدث مع نجل المقاول عن إذا كان يملك أي أعمال أخرى، أو لديه أي لوحات فنية، فأكد له عدم وجود أي أعمال.
لم أتوقف عند الحديث الذي دار بيني وبين رئيس القطاع في الهاتف، وذهبت إلى مكتبه في صباح اليوم التالي، وأنا متأكد بأن نجل المقاول يملك أعمال أخرى، وأنه أخطرهم بذلك، وتحدث مع الدكتور خالد عن الأمر ذاته، وأن الرجل لديه أعمال أخرى، لكنه عاد إلى النفي، وتأكيده بأنه لا يوجد أي أعمال مع حائز لوحة الجزار، فضلت الصمت لعدة أيام وانتظار ما ستكشفه الأيام القريبة، لكن تحدثت مع بعض الأصدقاء في الأمر، وذكرت لهم استيائي من عدم إعلانهم، وإنكار رئيس قطاع الفنون التشكيلية لوجود لوحات أخرى لدى نجل المقاول، وأحد الأصدقاء قال لي من الممكن أن يكون هناك اتفاق ما تم بين حائز الأعمال، وبعض الأفراد، بتسليم لوحة الجزار، والسكوت عن لوحات صلاح طاهر، والتصرف فيه بطريق غير مشروعة، وبعد مرور 4 أيام من لقائي مع رئيس قطاع الفنون التشكيلية، وبعد حديثي مع الأصدقاء الذين ربما أخطر أحدهم المسئولين بما يدور في ذهني، وبعدم صمت عن اللوحات، خاصة إنني متأكد من ذلك، وكنت أملك ما يثبت كلامي، تم الإعلان عن استعادة لوحتين تشكيليتين نادرتين أحدهما للفنان الرائد صلاح طاهر بعنوان «الريف» والأخرى للفنان صالح رضا بعنوان «دائرة وجذع»، وهما من مقتنيات متحف الفن المصرى الحديث وتمت إعارتهما خلال سبعينيات القرن الماضى، وكانوا بحوزة ورثة وأبناء صاحب شركة المقاولات، الذين قاموا بتسليم لوحة «من وحى فنارات البحر للتشكيلى» للرائد عبد الهادى الجزار.
فلماذا أنكر المسئولون وجود أعمال أخرى لدى نجل المقاول، ولماذا لم يتم الإعلان عنهما عندما تم تسليم لوحة الجزار، وهل ما أشار إليه أحد الأصدقاء كان من الممكن أن يحدث، ولماذا لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن الأعمال المفقودة من متحف الفن الحديث على مدار السنوات الماضية حتى الآن رغم إقتراب عددها من الـ1000 عمل؟ وهل اللوحتين كانتا للفنان صلاح طاهر أم واحدة فقط، والثانية كانت للفنان صالح رضا؟