خريطة منافي الشاعر العراقي الراحل مظفر النواب
عاش مظفر النواب طريدا طوال الوقت حتى منافيه الاختيارية، التي اختارها ليدافع عن قناعاته، عن أفكاره ورؤيته للعالم والحياة والعدالة، خرج من العراق ولم يعد إليها على مدار 40 عاما، محلقا ومغردا بشعره ليردده كل أبناء الوطن العربي.
وُلد مظفر النواب في العاصمة العراقية بغداد عام 1934 وهو سليل عائلة "النواب" التي كانت تحكم إحدى الولايات الهندية الشمالية قبل احتلال بريطانيا للهند.
تشير سيرة “النواب” إلى أنه سليل عائلة ارستقراطية شريفة النسب تعود في أصولها إلى الإمام موسي الكاظم، عاش طفولته في جو من الثراء والرقي، فبيته كان من ضمن القصور التي تطل على نهر دجلة، وأمة خريجة مدردسة الراهبات تتكلم الفرنسية وتجيد العزف على البيانو، تلك الحياة لم تستقر طويلا، وانقلبت حياة مظفر في وقت مبكر فبيع القصر، وعاشت أسرته في حياة متوسطة، وفد كان هذا التغيير الطاريء في نمط حياة النواب أكبر الأثر في فهم ما يجري من تحولات، ومن تفاوت طبقي والذي دفعه إلى اعتناق الأفكار الاشتراكية.
أولى تلك التحولات التي عاشها مظفر هو فصله من عمله ونتيجة اعتناقه للأفكار الاشتراكية التي أدت إلى فصله من عمله، مما اضطره للهروب من العراق إلى إيران لتكون أولى محطاته للاتحاد السوفيتي، والتي انتهت بالفشل في عبور الحدود الإيرانية، وتم القبض عليه من قبل حكومتها، ومن ثم تم تسليمه للعراق والتي أصدر ت بدورها حكما بالسجن مدى الحياة.
الهروب الثاني
سجن مظفر النواب ورفاقه، وكانت فكرة الهرب من السجن هي الفكرة الملحة والأساسية التي لم تفارق ذهن مظفر النواب، وقد قرر ورفاقه، وقرروا أن ينفذوا خطتهم في الهروب عبر حفر نفق يعبر تحت أسوار السجن ويمتد مسافة طويلة لينتهي في ساحة أحد الكراجات بوسط المدينة، هرب مظفر ورفاقه واختفى في بغداد 6 شهور، ثم توجه متخفيا إلى الأهواز جنوب العراق ليستقر لمدة عاما ويمارس الكفاح المسلح، إلا أن الأمر لم يستمر كثيرا، فقد كان هناك قرار ينتظره ورفاقة بالعفو ليعود مرة أخرى إلى وظيفته بالتعليم، ومن بعد يعود ليعتقل مرة أخرى، ومن ثم ثم يفرج عنه نتيجة وساطة بعض السياسين.
من العراق لبيروت
تبدو خريطة تنقلات وهروب مظفر النواب كطائر جريح طوال الوقت، لا يستسلم ولا يهادن من بيروت لدمشق، ومنها للقاهرة إلى اريتريه إلى عمان، ومنهما إلى اليونان سنوات لا يمل فيها من الطيران من عاصمة إلى أخرى فاردا جناحي الشعر على استقامته.
مقابلته لصدام حسين
روى “النواب” أن مغادرته للعراق جاءت بعد مقابلتين مع (صدام حسين) يقول "استغرقت الأولى عشر دقائق والثانية ساعة ونصف الساعة.. أعلم جيداً ان هذا اللقاء كان موثقاً، لكن يبدو أنه فقد مثلما فقدت الكثير من الوثائق المهمة بسبب انقلاب الأوضاع بعد سقوط الدكتاتورية".
وفي حواره مع الكاتب علاء المفرحي أشارإلى “لم يكن ما يخيفني من العودة هو السياسة أو الصراعات، بل أن أجد كتلاً من الفراغ بدل الناس الذين فارقتهم لحظة وداعي.. أقسى ما يعانيه الشاعر أو الكاتب بشكل عام هو الفراغ، الإحساس بالفراغ.. أشعر الآن وبعد يومين من عودتي بأنهم أحياء.. أنا بحاجة إلى أيام أخرى لاكتشف طبيعة هذين الزمنين”.
الإمارات المحطة الأخيرة للطائر الجريح
يرد مظفر النواب على سؤال هل أنت متشائم؟.. قائلا: "رغم كل المأسي والتجارب القاسية، أنا متفائل لأن طبيعتي التفاؤل، حتى أنا في السجن كنت متفائلا، ورجلاي متعبتان لكن لدي تفاؤلا داخليا".
اختار مظفر النواب قضاء سنواته الأخيرة في الشارقة، وكان قد زار العراق أخر مرة 2011، وذلك بعد غياب 40 عاما، ومن ثم غادرها. وفارق الحياة في مستشفى الشارقة التعليمي بالإمارات صباح أمس السبت الموافق 20 مايو الجاري.