مظفر النواب حفر نفقًا تحت الأرض للهروب من السجن وطاف مدن العالم
فجعت الساحة الثقافية العربية بخبر رحيل الشاعر العراقي مظفر النواب عن عمر ناهز الثامنة والثمانين، بعد رحلة من الإبداع والشعر الذي ترددت أصداؤه من المحيط إلى الخليج. ينطلق الشاعر مظفر النواب من فيض مشحون بالشجن، وهو يرى بقلبه أبناء شعبه، وهو يعبر بقلمه عنهم بأدق تعبير وهو يبكي ويعاني معهم، ويعيش فصول عشقهم أنينا وصبرا وصمودا لا ينتهي.
مظفر عبد المجيد النواب، شاعر عراقي معاصر ومعارض سياسي بارز وناقد تعرض للملاحقة والسجن في «نقرة السلمان» التي سجن فيها كبار المثقفين والمبدعين والسياسيين العراقيين.
عاش مظفر النواب بعدها في عدة عواصم عربية، من بينها، بيروت ودمشق، ومدن أوروبية أخرى. وكان متنورا متفاعلا مع محيطه المجتمعي للشعب العراقي بقصائده ومواقفه. وقد كتب الشعر بكل ألوانه وأنواعه، حيث قدم في مجال القصيدة الشعبية أجمل وأعذب القصائد، والتي تم تلحين عدد منها، فكانت من أروع وأجمل الأغنيات التي ظلت خالدة وأداها معظم المطربون من أجيال متعاقبة، من بينها أغنيات: «البنفسج»، والتي غناها الفنان العراقي "ياس خضر".
أما على صعيد القصيدة الفصحى فقد قدم مظفر النواب قصائد خالدة، لعل أبرزها «القدس عروس عروبتنا»، والتي رددها الناس لسنوات وسنوات. وقد صدرت العديد من الكتب النقدية التي تناولت التجربة الشعرية للشاعر مظفر النواب، خاصة وأن أساس تكوينه، تكوين شعري، حتي صار مدرسة شعرية قائمة بذاتها في الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه.
ــ محطات في حياة الشاعر مظفر النواب
ولد مظفر النواب في بغداد عام ١٩٣٤ لعائلة النواب، والتي ترجع أصولها إلي الإمام موسي الكاظم، وهي أسرة معروفة باهتمامها بالفن والأدب والثقافة، ويقال إنه لقب بـ«النواب» نسبة إلى منطقة النواب في بغداد.
ينتمي مظفر النواب إلى عائلة ثرية لكن والده تعرض إلي أزمة مالية أفقدته معظم ثروته. سافر أحد أجداد مظفر النواب إلى الهند واستقر بها حتى صار حاكما لإحدي الولايات بها، وشارك في المقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي للهند.
تخرج مظفر النواب من كلية الآداب جامعة بغداد، عقب ثورة ١٩٥٨ عين مفتشا بوزارة المعارف، وبعد ثورة ١٩٦٣ اضطر مظفر النواب إلى أن يغادر العراق على خلفية الصراعات السياسية فيها، فتوجه إلى إيران عن طريق البصرة ولكن قبض عليه من قبل الأمن الإيراني الذي سلمه بدوره إلى الأمن العراقي ليصدر عليه الحكم بالإعدام، وعلى إثر تدخلات كثيرة تم تخفيف حكم الإعدام إلى السجن المؤبد، حيث قضي مدة عقوبته في السجن المعروف في العراق بــ"نقرة السلمان"، ولم يلبث مظفر النواب إلا أن قرر الهروب من السجن فحفر نفقا تحت الأرض، هو ومجموعة من السجناء، وبالفعل استطاع الفرار من السجن.
ظل مظفر النواب متخفيا في بغداد لفترة طويلة عقب هروبه من السجن، حيث عاش حياة بسيطة متقشفة مع الفلاحين والصيادين في أهوار الجنوب، إلى أن صدر قرار بالعفو عنه في العام ١٩٦٩، فعاد إلى عمله بالتدريس وظل يعمل مدرسا حتى اعتقل مرة ثانية، وعند خروجه قرر مظفر النواب أن يهاجر خارج العراق.
في البداية توجه إلى العاصمة اللبنانية بيروت، ومنها إلى دمشق، لكنه لم يستطع أن يستقر في أي من المدن والعواصم التي ظل يتنقل فيما بينها في معظم أنحاء العالم شرقه وغربه. حيث بقي في اليونان لمدة أربع سنوات ليغادرها إلي ليبيا ومنها إلي فرنسا حيث استكمل دراسته للماجستير، ثم سافر إلي الهند والصينو ومن ثم عاد ثانية إلي اليونان حتى إنه سافر إلي إريتريا ليلتحق بالثوار، ومنها إلي فنزويلا، وتشيلي، والبرازيل والجزائر والسودان وغيرها من عشرات المدن التي تنقل بينها، إلي أن قرر العودة إلي دمشق مرة ثانية.
معظم شعر وقصائد مظفر النواب، قصائد ثورية، إلا أنه كتب الشعر الرومانسي العاطفي أيضا، وإن كان عرف عنه التمرد والثورة الدائمة والمعارضة في شعره وقصائده. ومعارض لكل الأنظمة العربية، ولكل القمم العربية حتي إنه كتب قصيدة في هذا الصدد بعنوان «قمم»، ومن أهم قصائده أيضا «وتريات ليلية» والتي تنتمي إلي الشعر الحر.
ومن أهم دواوين مظفر النواب الشعرية ديوان «الريل وحمد»، وصدرت المجموعات الشعرية الكاملة له لأول مرة في لندن عام ١٩٩٦. ومن أشهر قصائده أيضا: "حمد ــ الصريفة ــ رسالة حربية ــ اللون الرمادي ــ زرازير البراري ــ قمم ــ بيان سياسي ــ السلخ الدولي ــ باب الأبجدية ــ بكائية على صدر الوطن.