المستريح والقمر والشاكرا.. كيف نعرف الحقيقة من الاحتيال؟
إذا كنت متابعًا للأخبار فسوف تنصدم بمجموعة معتبرة من الحوادث تجعلك تخبط كفًا بكف بسبب عجائب الزمن، فقد استطاع رجل بسيط عادي أن يقوم بالنصب على قرى بأكملها في محافظة أسوان ليأخذ من أفرادها أموالهم في تكرار مضحك لما يعرف باسم سلسلة "بونزي" وهي طريقة عتيقة للاحتيال ابتكرها رجل إيطالي مهاجر إلى الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن الماضي، وتقضي بأخذ أموال من أشخاص مع وعد بردها لهم مع أرباح خيالية، ومع استقطاب آخرين بنفس الهدف يتم دفع أرباح القدامى من الجدد في سلسلة غير منتهية، لكنها دائمًا تقف عند حد معين في جميع الحالات والحوادث التي حدثت مسبقًا في تاريخ العالم ليفقد جزء كبير من الناس أموالهم بدون رجعة.
"مستريح" أسوان أضاف اللمسة المصرية ففعلها عن طريق شراء المواشي وبيعها واستغل مواقع التواصل الاجتماعي لإظهار مدى الثقة في شخصيته وحجم أمواله وتقربه المزعوم من الدين وتمكن من حصد الملايين.
خبر آخر عن فتاة (قمر الوكالة) التي استطاعت بيع مستحضرات تجميل مغشوشة لفئة كبيرة من الناس بسبب رخص أسعارها، ومرة أخرى الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتجد من يشتري بكل ثقة واطمئنان.
فيما طالعت مؤخرًا فيديو لمدربة طاقة تقوم بحركات غريبة أثناء عزف الموسيقى في أحد البرامج، مدعية أنها تحفز الطاقة عند المذيعة التي يبدو أنها ادعت الانسجام اللطيف.
ما الرابط بين هذه الأحداث؟
طبعًا وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها، والاحتياج المادي، لكن في رأيي أن التفكير غير العقلاني أو غير العلمي هو السبب الأرجح.
التفكير العقلاني العلمي ليس حكرًا على العلماء في المعامل أو المثقفين أو دكاترة الجامعات وإنما هو وسيلة إنسانية عادية للتعايش مع الحياة تعني ببساطة أن يتحدد سلوكنا ببعض المهارات مثل البحث وأحيانًا الشك وبعض التحليل للأحداث، وربما استرجاع حوادث التاريخ.
لنسأل أنفسنا هل الشاكرا يمكنها ببساطة أن تنفذ لأعماق طاقة الإنسان لتمنحنا السعادة عن طريق بعض الإشارات من خلال عصا مع وجود خلفية موسيقية لطيفة؟
أليس شيئًا مريبًا أن يقوم شخص عادي بشراء مواشي بأضعاف سعرها؟
كيف يمكن لفتاة شعبية لطيفة أن تحصل على مواد تجميلية لماركات عالمية معروفة بغلاء أسعارها وموجودة في دول خارجية بهذه البساطة وتبيعها بأسعار بخسة؟
والإجابات قد تنقذك أو تفتح أسئلة جديدة تجعلك تهرب من الاحتيال الواضح كالشمس.
يقول "جوليان كريب" في كتابه (اجتياز القرن الحادي والعشرين)
"وفقًا للوضع الحالي، فنحن ما زلنا في مرحلة رياض الأطفال من تعلُّم فنِّ الفكرالمُشترك وتطوير المنطق العالمي القادر على فَهم وحلِّ التحديات المشتركة. وسائل التواصل الاجتماعي، التي يرفضها النقَّاد عادة ويَعتبرونها تافهةً وغير مُعتدٍّ بها، هي التي تسود الآن ويُستعاض عن الأشكال التقليدية من السياسة ووسائل الإعلام الخاضعة للرقابة بطرُق غير عادية. إنها انعكاس كبير لقِيَمنا المشتركة، وكذا رذائلنا وتفاهاتنا وأوجه قصورنا. تَستخدِم كل من الحكومات ووكالات المساعدة والجمعيات الخيرية والأمم المتحدة وكذا نجوم الروك والحمقى من المشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الآن".
يبدو أن التهديدات مستمرة ويبدو أن التفكير العقلاني البسيط يمكن أن ينقذنا، وهو ما يربطنا فورًا بالتعليم الذي يحتاج ليس فقط تدريس المناهج بكل ما تحتويه من معلومات، بل تدريس طريقة التفكير العلمية التي تجعل الإنسان يدرك كيف يعرف الصح من الخطأ والنزاهة من الاحتيال وقدراته الشخصية وحتى مستقبله.