كشف تاريخى.. قصة 100 مصرى اكتشفوا مقبرة توت عنخ آمون مع كارتر
يعمل معرض تستضيفه العاصمة البريطانية لندن للاحتفال بالذكرى المئوية لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون فى نوفمبر ١٩٢٢، وتستمر فعالياته حتى فبراير ٢٠٢٣- على إنصاف العمال المصريين الذين ساعدوا العالم هوارد كارتر فى اكتشاف هذا الكنز.
وذكرت مجلة «سميثسونيان» الأمريكية العريقة، المتخصصة فى التاريخ والعلوم والفن والطبيعة، أن المعرض الذى يحمل عنوان: «توت عنخ آمون: التنقيب فى الأرشيف»، سيسلط الضوء على العمال المصريين الذين استبعدوا من السجل التاريخى رغم جهودهم المهمة، خاصة أن الفضل فى الاكتشاف نُسب لـ«كارتر» فقط.
وأضافت أنه باستخدام أرشيف «كارتر» من الصور الفوتوغرافية والرسائل والخطط والرسومات والمذكرات، وهو الآن جزء من معهد «جريفيث» فى «أكسفورد»- يعيد المعرض سالف الذكر الحياة إلى القصص المعقدة لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، والتنقيب عنها، بمن فى ذلك العمال المصريون الذين غالبًا ما يتم تجاهلهم.
وسيكون أستاذ علم المصريات فى جامعة أكسفورد، البروفيسور ريتشارد بروس باركنسون، والدكتورة دانييلا روزنو، بالتعاون مع معهد «جريفيث»، هما القائمان على المعرض وفعالياته، التى تتضمن صدور كتاب بنفس اسم المعرض: «توت عنخ آمون: التنقيب فى الأرشيف»، مكون من ١٤٤ صفحة، ويباع فى المكتبات البريطانية بحوالى ٣٠ جنيهًا إسترلينيًا.
ورصدت المجلة قصة التنقيب عن المقبرة الشهيرة، من خلال عيون علماء الآثار فى جميع أنحاء العالم، مشيرة إلى أن هذه المقبرة كانت أول قبر ملكى سليم معروف من مصر القديمة، وضم ثروة من المكتشفات، مثل الزهور والفاكهة والذهب.
وأوضحت أنه فى نوفمبر ١٩٢٢، دخل علماء الآثار البريطانيون التاريخ، عندما عثروا على مقبرة الملك توت عنخ آمون، التى طال انتظارها، فى وادى الملوك بمصر.
وأضافت: «علماء الآثار لم يفعلوا ذلك بمفردهم، إذ جعل العديد من العمال المصريين المهرة هذا الاكتشاف ممكنًا فى البداية، وعلى الرغم من أن العشرات من الرجال والأطفال المصريين الذين لم يتم الكشف عن أسمائهم، بذلوا الكثير من الجهد فى الموقع، حصل كارتر على كل الفضل فى البحث والاكتشاف فى حياته وبعد وفاته».
وذكر «باركنسون»، فى بيان، أن معرض: «توت عنخ آمون: التنقيب فى الأرشيف» يتجاوز المفاهيم النمطية الاستعمارية الشعبية لعرض إنسانية الأشخاص المعاصرين والقدامى، الذين عملوا على اكتشاف المقبرة فى كل مرحلة من مراحل الاكتشاف وقتها.
وينتقد المعرض الرواية السائدة عن بطولة «كارتر» ويفندها، وقال «باركنسون» إن عمليات التنقيب لم ينجزها «كارتر»، بل نفذها أعضاء الفريق المصرى، لافتًا إلى أن «كارتر» ولد فى لندن عام ١٨٧٤، وفى سن ١٧، توجه إلى مصر لأول مرة، حيث عمل فى العديد من المواقع الأثرية، بينما كان يتقن حرفته كرسام.
وانتشرت سمعته كعالم مصريات متمرس، وفى عام ١٩٠٧، عيّن الأرستقراطى البريطانى اللورد هربرت إيرل كارنارفون الخامس، «كارتر» لقيادة رحلة استكشافية للبحث عن مقابر الملوك المصريين، بما فى ذلك مقبرة توت عنخ آمون، الملك الصبى الذى حكم مصر من ١٣٣٣ إلى ١٣٢٣ قبل الميلاد، وتوفى عن عمر ناهز ١٩ عامًا.
وعلى الرغم من أن الحرب العالمية الأولى أوقفت البحث، أمضى «كارتر» وطاقم من العمال عدة سنوات فى البحث عن المقبرة دون أى حظ، لكن فى عام ١٩٢٢- نفس العام الذى أعلنت فيه مصر استقلالها عن بريطانيا بعد ٤٠ عامًا من السيطرة الاستعمارية المباشرة- أعطى «هربرت» إنذارًا لـ«كارتر»، قائلًا: «اعثر على المقبرة فى ذلك الشهر، أو ستنتهى الرحلة الاستكشافية».
تحول حظ «كارتر» بعد ذلك لصالحه، ففى ٤ نوفمبر ١٩٢٢، وجد الباحث البريطانى مع ٦٠ إلى ١٠٠ من الرجال والأطفال المصريين، مجموعة من السلالم الحجرية، التى أدت إلى غرفة مغلقة، وبعد ٣ أسابيع دخلوا المقبرة المكونة من ٤ غرف، واكتشفوا آلاف العناصر التى من المفترض أن ترافق الملك الشاب فى الحياة الآخرة.
وبعد شهرين من التنقيب الدقيق، عثروا أخيرًا على تابوت حجرى بداخله ٣ توابيت متداخلة، وكان التابوت الأخير- الذى يحتوى على جثة توت عنخ آمون المحنطة البالغة من العمر ٣٠٠٠ عام- مصنوعًا من الذهب الخالص.
أدى اكتشاف المقبرة إلى ضجة دولية، لكن الرجال والأطفال المصريين الذين جرى توظيفهم للعمل فى البعثة الأثرية، لم يتلقوا أى اعتراف تقريبًا، وعلى الرغم من شكر «كارتر» كبار العمال المصريين الأربعة: «أحمد جرجير وجاد حسن وحسين أبوعوض وحسين أحمد سعيد» فى كتب عن الرحلة الاستكشافية، كما أشارت المؤرخة كريستينا ريجز، لم يذكر أبدًا الأعضاء المصريين الآخرين فى طاقمه المكون من ٦٠ إلى ١٠٠ فرد.
وقالت دانييلا روزنو، عالمة الآثار المنسقة المشاركة للمعرض، لصحيفة «التلجراف»: «هؤلاء الناس لم يكتبوا مذكرات مثل كارتر.. الكثير منهم كانوا لا يستطيعون القراءة أو الكتابة على الإطلاق. ربما عادوا إلى منازلهم كل مساء وأخبروا عائلاتهم بما رأوه، لكن هذه القصص ضاعت».
ويبذل المعرض البريطانى ما فى وسعه لملء الفراغات فى القصة المجهولة لهؤلاء المصريين المهمشين، بمساعدة الصور التى التقطها هارى بيرتون، الملقب بـ«مصور الفرعون».
وحتى اليوم، لا يستطيع القائمون على المعارض مطابقة أسماء رؤساء عمال «كارتر» الأربعة مع أسماء الرجال المصريين الظاهرة فى الصور، كما أنهم لا يعرفون أسماء أى من الرجال والأطفال الآخرين الذين التقطهم «بيرتون» بكاميرته، فى حين أن «كارتر» ربما كان يقدر العمال المصريين، فإن احترامه لهم كان إلى حد كبير فى سياق استعمارى للغاية.
ويعد المعرض البريطانى محاولة لإعادة العمال المصريين إلى الصورة، فهم يظهرون فى الصورة وهم يؤدون مجموعة متنوعة من المهام، فى كل مرحلة من مراحل التنقيب، من فتح أبواب الضريح إلى تنظيف الغبار بعناية من القطع الأثرية، وكل ما يوضح حجم وأهمية عملهم.