المُحدِّثات.. بريطانى يقضى 20 سنة فى كتابة موسوعة عن 10 آلاف فقيهة من راويات الحديث
نجح الباحث البريطانى من أصل هندى، محمد أكرم الندوى، فى إنجاز موسوعة بعنوان «المُحَدِّثَات»، فى منتصف يناير ٢٠٢١، بعد أن أنفق أكثر من ٢٠ سنة، فى تقصى سير وحياة أكثر من ١٠ آلاف امرأة مسلمة فى ٤٣ مجلدًا.
الجهد المبذول أذهل الباحثين فى جامعة مونستر فى ألمانيا، ووصل صدى الإنجاز لخارج أسوار الجامعة، حيث احتفت به الكاتبة الألمانية جوليا لى، المتخصصة فى شئون الشرق الأوسط، من خلال تقرير حديث نشرته عبر موقع «قنطرة» الألمانى، سلطت فيه الضوء على قصة وإنجاز «الندوى».
بدأ الباحث البريطانى جهده منذ عام ١٩٩٥، بعد أن نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية الشهيرة، تقريرًا زعمت فيه أن الإسلام هو المسئول عن تدنى مستويات التعليم بين النساء فى العالم الإسلامى، الأمر الذى دفع الكثير من الأكاديميين المسلمين للتنافس لتفنيد مزاعم الصحيفة، من خلال تتبع سير العالمات المسلمات منذ عهد النبى محمد، إلى وقتنا الحاضر.
وقالت الكاتبة الألمانية إن «الندوى» كلل جهده بكتاب نشره فى عام ٢٠١٣، تحت عنوان «المحدِّثات: النساء العالمات فى الإسلام»، ثم طوره لاحقًا ليصبح موسوعة ضخمة.
وأضافت: «عكف الندوى على البحث فى مركز الدراسات الإسلامية فى جامعة أكسفورد البريطانية، عن المخطوطات العربية القديمة، وتحديدًا عن أسماء النساء العالمات، واللافت أنه كان يأمل أن يجد ٢٠ أو ٣٠ امرأة على أقصى تقدير، لكن ما وجده فاق كل التوقعات».
وتابعت: «الندوى محاضر وباحث سابق فى جامعة أكسفورد، وعميد كلية كامبريدج الإسلامية ومدير معهد السلام، وزميل زائر فخرى فى معهد ماركفيلد للتعليم العالى، وبفضل كتاباته أدركت أن عددًا كبيرًا من النساء المسلمات كن ناشطات فى البحث عن المعرفة فى صدر الإسلام، وكن ينقلن الأحاديث والروايات عن النبى محمد وأصحابه».
وقالت «لى» إن الأحاديث والسنن تعد بعد القرآن، ثانى أهم مصدر لكثير من المسلمين، لأنها «سجلات مكتوبة عن حياة النبى محمد، تسجل أفعاله وأقواله وهى مهمة بشكل كبير للمسلمين لأنها تترجم المعانى والتعليمات العامة التى وردت فى القرآن إلى أفعال واقعية».
وأشارت إلى أن «الندوى» بدأ بحثه بتقصى أسماء النساء فى مجموعات الأحاديث المعروفة وأيضًا الأقل شهرة، كما تعمق فى السير الذاتية والتقارير التى كتبها العلماء عن معلميهم ذكورًا وإناثًا.
ولمدة عشرين سنة من التفانى، بذل الباحث قصارى جهده لتبديد الضباب التاريخى حول الفقيهات المسلمات، حيث يعتقد أن النساء المسلمات تعرضن للظلم وأنه على الأكاديميين أن يعملوا بجد للدفاع عن حقوقهن ومنحهن الشرف الذى يستحققنه.
وكشفت «لى» عن أن كتاب «المحدِّثات» تحول إلى موسوعة، فى منتصف يناير ٢٠٢١، بعد أن ضم قصص أكثر من ١٠ آلاف امرأة فى ٤٣ مجلدًا.
وتابعت: «لدى الندوى أيضًا بعض القصص المثيرة ليرويها، مثل أم الدرداء، الباحثة القانونية البارزة فى القرن السابع، بصفتها شابة، لم تدرس مع الرجال فحسب، بل صلت معهم أيضًا فى المسجد، وهو أمر لا يمكن تصوره فى الغالبية العظمى من المساجد اليوم، إضافة إلى كريمة المروزية التى عاشت فى مكة فى القرن الحادى عشر، ولا تزال نسختها من مجموعة الأحاديث مهمة إلى وقتنا الحاضر».
وبحسب تقديرات «الندوى»، فإن نحو ربع الأحاديث النبوية روتها النساء، علاوة على ذلك، لم يكنّ على ما يبدو مجتهدات فحسب، بل كنّ دقيقات أيضًا.
ونقلت «لى» عنه قوله: «عندما يتعلق الأمر بأحاديث الرسول، فقد جرى اتهام عدد كبير جدًا من الرجال بالتحريف، وهى التهمة التى لم يثبت أن أدينت بها أى امرأة من راويات الأحاديث، وهذا أمر مذهل»، ولكن مع ذلك وبحسب «الندوى»، نال الرجال الحظ الأوفر من الشهرة، وظلت النساء مجهولات.
وقدمت «لى»، فى تقريرها، لمحة عن العمل النهائى لـ«الندوى»، وأوضحت أن النساء المتعلمات أو المتفقهات حظين بمكانة كبيرة وسلطة عالية خلال السنوات الأولى للإسلام.
وتابعت: «لقرون، سافرت النساء بشكل مكثف للحصول على المعرفة الدينية، وحاضرن فى أرقى المساجد والمدارس الدينية فى جميع أنحاء العالم الإسلامى».
ولكن إذا كان هناك الكثير من النساء المسلمات المتعلمات وكن يتمتعن بضمير حى وذهن حاضر وذكاء، فكيف لا يُذكرن اليوم؟
هذا السؤال يجيب عنه «الندوى» بمثال عن «ابن السمعانى» أحد علماء الإسلام العظماء فى القرنين الثالث والرابع عشر الميلاديين، وينقل عنه أنه كان يسعى للاستفادة من علم لدى فقيهة تدعى كريمة، وطلب من شقيقها عدة مرات أن يسمح له بلقائها، لكن شقيقها كان يتحجج فى كل مرة بعذر مختلف، وعقّب «الندوى» على الواقعة بقوله: «يمكنك أن ترى المشكلة هنا: إذا كان للناس ابن أو أخ، فإنهم يريدون أن يكون مشهورًا، لكن إذا كان لديهم أخت أو ابنة، فإنهم يريدون إخفاءها».
وقالت «لى» إن «الندوى» بذل جهودًا كبيرة لكشف الغموض عن فقيهات الإسلام، لذلك يظل عمله مهمًا للنساء المسلمات، لأنه يوفر لهن حججًا مقنعة عند النضال من أجل المطالبة بمزيد من الحقوق.
وأضافت: «بعد كل شىء وكل هذا التقدم الحضارى وحتى اليوم، لا يزال بعض الرجال المسلمين يلجأون إلى «التقاليد» فى محاولة لإبعاد النساء عن مناصب السلطة».
ولفتت الكاتبة الألمانية إلى أن هناك من يروج إلى أنه عندما تترأس امرأة مجتمعًا إسلاميًا، فإن المجتمع يُلعن، وأن المرأة لن تكون مؤهلة أبدًا للقيادة.
وتابعت: «يستخدم الرجال الحجج الدينية للتلاعب بالنساء، مثل الادعاء بأن رفض المرأة لزوجها إذا دعاها إلى فراشه يجعلها هدفًا لصب لعنات الملائكة طوال الليل، وهو مثال متطرف للغاية، لكنه يُظهر كيف يجرى الضغط على النساء لإجبارهن على أفعال تتناقض مع رغباتهن الحقيقية».
وأوضحت «لى» أن هناك ناشطات مسلمات ألمانيات يتصدين حاليًا للحجج الدينية المعادية للمرأة فى عملها وتعليمها، ويؤكدن أن التقاليد المعادية للنساء تتناقض بشكل صارخ مع سيرة النبى محمد ولا تتناسب مع سلوكه وأخلاقه.
وذكرت: «فى السنوات الأولى للإسلام وفى عهد الرسول، كان للمرأة رأى، وكانت تتصدى للحديث فى أمور العقيدة وتحاجج الرجال علنًا، ومثال على ذلك ما حدث من نقاشات بين السيدة عائشة أم المؤمنين، إحدى زوجات النبى المفضلات، وأبى هريرة، أحد صحابة الرسول، وأشهر راوٍ للأحاديث النبوية بعد وفاة النبى».
وتابعت: «فى إحدى المرات أكد أبوهريرة أن صلاة الرجل تبطل إذا مرت المرأة من أمامه، حينها وعلى الفور اعترضت السيدة عائشة وقالت إن النبى محمد لم يذكر شيئًا مثل هذا مطلقًا».