كفيل القتلة.. دراسة إيطالية: سيد قطب لا يزال يعبث بأفكار الشباب حتى الآن
لا تزال دول العالم تحاول بتر الشجرة الخبيثة التى زرعها الإرهابى سيد قطب، المُنظّر الأول لجماعة الإخوان الإرهابية وكل التنظيمات التكفيرية الموجودة حاليًا، ويرى الباحثون ضرورة مضاعفة جهود مواجهة الفكر القطبى، بمنع تداول كتبه، خاصة فى إيطاليا، التى ما زالت تسمح بطباعتها وترجمتها.
تناول هذه الفكرة باحثان إيطاليان، فى ورقة بحثية، سلط موقع «عين أوروبية على التطرف» الضوء عليها.
الباحثان هما: جيوفانى جياكالونى، كبير المحللين فى الفريق الإيطالى للأمن والقضايا الإرهابية وإدارة الطوارئ فى الجامعة الكاثوليكية بميلانو، والدكتور توماسو فيرجيلى، باحث فى مركز برلين للعلوم الاجتماعية فى ألمانيا وباحث مشارك فى مركز ويلفريد مارتنز للدراسات الأوروبية فى بروكسل.. ورأى الباحثان أن هناك قصة خفية عن سيد قطب فى إيطاليا، لم يلتفت لها أحد بعد.
فى بحثهما، يقول «جياكالونى» و«فيرجيلى» إنه «رغم وفاة سيد قطب، فلا تزال أفكاره المتطرفة سببًا فى وجود تنظيمات إرهابية كثيرة، وأضافا: «صحيح أن دولًا أوروبية كثيرة انتبهت لخطورة الرجل الميت، وهناك دول منعت تداول كتبه، خاصة (معالم فى الطريق) الذى يروج للعنف والإرهاب فى كل مكان وزمان، ورغم ذلك هناك دول فى القارة العجوز تسمح، حتى الآن، بنشر أفكاره التى تنهش فى عقول الشباب، خاصة إيطاليا».
وأوضح الباحثان: «لا يزال قطب حيًا هنا فى إيطاليا، يعبث بأفكار الشباب ذوى الأصول العربية والمسلمين، بكتبه المنتشرة، هو وأستاذه أبوالأعلى المودودى».
وقسّما ورقتهما البحثية إلى عدة فصول، الأهم بينها جاء تحت عنوان: «أوروبا والإخوان المسلمون: هل المزاج تغير؟»، ويرصدان فى هذا الفصل الدعم الأوروبى لجماعة الإخوان، الذى بدأ فى الخمسينيات من القرن الماضى، من خلال السماح بإيواء العناصر الإرهابية الهاربة من مصر، وصولًا إلى تغير المزاج الأوروبى وإدراك الأوروبيين أنهم سمحوا لوحوش بالاختباء فى بيوتهم.
وفى فصل من فصول البحث، جرى التركيز على إيطاليا بشكل خاص، وحمل عنوان: «الكيانات المرتبطة بالإخوان المسلمين فى إيطاليا»، وفصل آخر تحت عنوان: «ما يريده عناصر الإسلام السياسى وما لا يجب أن يحصلوا عليه».
فى الشق المتعلق بإيطاليا، أكد الباحثان أن سيد قطب رجل صاحب نفوذ حتى بعد موته، لأن إيطاليا لا تريد وقف طباعة وترجمة مؤلفاته، الموجودة بكثرة فى المؤسسات المرتبطة بجماعة الإخوان، وأوضحا أن هناك تعتيمًا على خطورة أفكار الرجل، بينما يبدو الجدل الأكاديمى والمؤسسى حول الإخوان والإسلام السياسى أقل زخمًا فى إيطاليا مقارنة بدول أوروبية أخرى.
وأشارا إلى أن فكر سيد قطب بدأ فى الانتشار فى إيطاليا أوائل السبعينيات، خاصة بين طلاب الجامعات من الشرق الأوسط فى بيروجيا، وبين منتسبين أو متعاطفين مع الإخوان المسلمين، وهم من شكلوا اتحاد الطلاب المسلمين فى إيطاليا «USMI»، والذى بدوره أنشأ فى أوائل التسعينيات، مع عدد من التنظيمات الأخرى، «اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية بإيطاليا» «UCOII»، والذى يعد ذراع الإخوان.
وقال الباحثان إن الموقف الأيديولوجى لاتحاد الطلاب المسلمين فى إيطاليا «USMI»، ظهر بوضوح فى إصداراته الأولى، إذ ترجم كتابات منظّر جماعة الإخوان المسلمين سيد قطب وأبوالأعلى المودودى.
ورأى الباحثان أن كلام سيد قطب لا يزال يغذى الجماعات الإرهابية، حتى الآن، مثل «القاعدة» و«داعش»، إذ إن هناك الكثير من الأشياء المشتركة والمتشابهة بين هذه التنظيمات، وكلها نتيجة لأفكار سيد قطب وحسن البنا مؤسس الجماعة.
ولفتا إلى أنه فى ١٠ فبراير ٢٠٢٢، اعترفت المفوضية الأوروبية بوجود تمويلات تصل إلى الإخوان، وذلك بعد توجيه البرلمان الأوروبى للمفوضية عشرات الأسئلة حول دعمها الإخوان، مشيرًا إلى حدث مهم سبق اعتراف المفوضية، عقد فى أكتوبر ٢٠٢١، حينما نظمت وزارة الاندماج النمساوية مؤتمر فيينا، وهو منتدى حول مكافحة التطرف، وكان لقاء رفيع المستوى، وأول حدث يتعلق بخطر الجماعة، وشارك فيه وزراء وخبراء فى الإسلام السياسى من عدة دول أوروبية.
ووفقًا للباحثين، فإن تلك التحركات تتماشى مع الاتجاه نحو إدراك مخاطر الإسلام السياسى فى أوروبا، وأكدا: «العديد من الدول الأوروبية أنتجت تقارير استخباراتية توضح بشكل لا لبس فيه أن جماعة الإخوان المسلمين وفروعها فى الغرب تشكل تهديدًا للقيم الديمقراطية الليبرالية، لكن يبقى الحال على ما هو عليه فى إيطاليا».
وأوضحا أن «اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية بإيطاليا» نشط للغاية على الساحة السياسية، لأنه يحاول أن يصبح الكيان الرئيسى للجماعة فى روما، حيث تتواصل عناصره مع إخوان مصر، وشوهد بعض أفراده مع صلاح سلطان، القيادى بالإخوان، فى عام ٢٠١٣.
ولفت الباحثان إلى المؤسسة الوحيدة صاحبة صوت العقل فى إيطاليا، والتى حذرت من خطر الإخوان، وهى المسجد الكبير فى روما، المركز الإسلامى الوحيد الذى اعترفت به المؤسسات الإيطالية ككيان دينى، ويتألف مجلس إدارته من سفراء الدول الإسلامية السنية فى إيطاليا أو الفاتيكان، وكان صوته مؤثرًا للغاية، واستنكر طريقة عمل اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية بإيطاليا، واستنكر دعوة «UCOII» لخطباء متطرفين، منهم وجدى غنيم.
وكشفا عن أن هناك أحزابًا إيطالية تدعم الإخوان، ومنها الحزب الديمقراطى، على سبيل المثال، ففى يونيو ٢٠١٢، كتبت مرشحة الحزب الديمقراطى- نائبة الآن بالبرلمان الإيطالى- ليا كوارتابيل، منشورًا بعنوان «كلنا إخوان مسلمون»، والذى دافعت فيه عن الجماعة.
وأشارا إلى أنه بعد بضع سنوات، دعمت النائبة كوارتابيل، سياسيًا، مرشحة الحزب الديمقراطى، سمية عبدالقادر فى ٢٠١٦ خلال الانتخابات البلدية فى ميلانو، وتعد «عبدالقادر» ابنة أحد مؤسسى «UCOII»، وعملت فى العديد من المؤسسات المرتبطة بالإخوان المسلمين، منها تنظيمات CAIM وFIOE وFEMYSO.
وقالا إن أزمة اللاجئين- قبل عقد من الزمن- كانت حافزًا آخر للعلاقات الحميمة بين الحزب الديمقراطى فى إيطاليا وجماعة الإخوان المسلمين، إذ كلف الحزب «UCOII» بالكثير من المهام، منها استقبال اللاجئين من الشرق الأوسط.
وأكدا أن منظمات الإسلام السياسى فى إيطاليا لا تشترك فى معتقدات أيديولوجية متماثلة فحسب، بل تشترك أيضًا فى أهداف متماثلة، مثل التمثيل فى الانتخابات المحلية للوصول إلى السلطة، واختراق مجموعة من الكيانات العامة، مثل المستشفيات والمدارس والسجون والجيش.
واختتما بأن فى أوروبا اتخذت دول، مثل فرنسا والنمسا بالفعل خطوات لمواجهة تسلل الإخوان والإسلام السياسى، ليس فقط فى المجتمع الإسلامى، لكن أيضًا فى السياسة والأوساط الأكاديمية، لذلك تحتاج إيطاليا إلى اتخاذ موقف واضح بشأن تغلغل الجماعة، والعمل على المستوى الأوروبى واتخاذ إجراءات مماثلة لمواجهة خطر الجماعة وأفكارها.